الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحلى الأقدار

7 سبتمبر 2011 00:30
الآن وبرغم بقايا فرحة عطلة العيد، والاستراحة التي جاءت كبلسم لمحارب قديم مثخن بالجروح، وكأنها جاءت لتزيح الرتابة من يومياتنا، لتبعد عنا هموم السنين، لتنفض عنا شقاء الأيام، وتعب الترحال في محطات الحياة التي نعيش فيها كعابري سبيل في رحلة العمر الطويلة. شعرت بأنني أعيش كالعادة حالة سفر متواصلة، هكذا أنا على سفر دائم، أشعر بالحنين إلى الرحيل، وإلى الوطن، وطني يسكنني أينما رحلت، يحتل جهة اليسار بين الضلوع، يتألق وطني هذه الأيام بالفرح والحب والوطنية والولاء، لكن الرحيل قدري ومصيري، ولا وداع لأنني أكره لحظات الوداع. أسافر نحو المجهول، متسكعا متصعلكا، نحو الغروب، وجهتي قاتمة ضبابية، فقد ضيعت بوصلتي ومزقت خرائطي ورميت تذاكر أسفاري. الأفق مكفهر ينذر بالخطر والرياح عاتية، وبحري مضطرب، أمواجه عاتية متلاطمة، طريقي مسدود، وهلاكي محتوم. بحثت عن محطاتي في زمن التيه، في زمن الضياع والأطماع، زمن فاسد لم يعد يصلح لأمثالي، البقاء فيه للضباع، بعد أن رحلت عنه الأسود، فعدت إلى الصراع من أجل البقاء، ألهث حتى أنهكتني السنين. قلبي مثخن بالجروح والأوجاع وروحي هائمة في بحر الشجون وفؤادي بالشوق مفجوع وبالحنين، والعرافة الغجرية المجنونة العجوز قالت إن سفري طويل مجهول وأن دربي خطير مرصود وأن الحب قدري ونصيبي ومن أجله ضيعت آمالي، وتخليت عن أحلامي وتركت الحرية ورائي، لكنها ضحكت حين قالت إن الحب سيبقى أحلى الأقدار! تردد صدى صوتها: الحب أحلى الأقدار! أحلى الأقدار! أخفيت سخريتي، كتمت ضحكتي، شعرت باليأس، داهمتني هواجسي، شعرت بالخوف من المجهول، ومن الماضي السحيق الذي لا يفتأ يطاردني، وقد تخليت عن أسلحتي ودروعي، فليس أمامي سوى مواصلة الهروب حتى لو كانت الأنفاق لا توصل إلى بر الأمان. مللت الهروب، وسئمت العيش على حافة التسكع والتشرد كعابر سبيل، وسئمت الغربة، وسئمت خيبات الأمل، بل وسئمت الحياة بعد أن فقدت روح المغامرة، وبعد أن فقدت جنون الحب لدرجة المجون، انتفضت، ثرت على ذاتي، حتى تشرذمت، وخلعت نفسي فما عدت أملك بوصلتي ولا راحلتي ولا أحلامي ولا حريتي بعد أن تخليت عنها طائعا مختارا، وتخليت عن قلمي وأوراقي وفقدت ذاتي في الزحام، فترجلت واعتزلت، ولم يعد لي سوى تاريخي وذكرياتي التي أجترها لأتمكن من إكمال المسير. الآن أيقنت بعد فوات الأوان أن الحرية هي أوطاني، فعدت إلى قوقعتي، أعيش وحيدا معزولا، أسيرا لأشجاني، حبيسا لأوهامي، أسير هائما في دروب وعرة لا بداية لها ولا نهاية. سعيد البادي | rahal ae@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©