الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الحلابة» سكان بالجزائر يطرقون أبواب التهريب لتحسين معيشتهم

«الحلابة» سكان بالجزائر يطرقون أبواب التهريب لتحسين معيشتهم
2 سبتمبر 2013 20:15
تشهد الجزائر منذ سنوات تصاعداً متواصلاً لعمليات تهريب وقودها إلى دول الجوار، وتحديداً إلى المغرب وتونس، وبدرجة أقل مالي في الأعوام القليلة الماضية، ويعتاش سكان المناطق الحدودية مع المغرب وتونس من نشاط تهريب الوقود، بينما يشكو أصحاب السيارات من ندرة هذه المادة ويقطعون عشرات الكيلومترات لملء خزانات سياراتهم من المدن المجاورة. وإزاء كثرة الشكوى وتفاقم آفة التهريب بدأت السلطات الجزائرية مؤخراً تنفيذ خطة لتضييق الخناق على المهرِّبين الذين يلقبون بـ«الحلابة»، وبدأت الخطة تحقق نتائجَ مشجعة، سيما وأن مصدراً رسمياً اعترف أنهم يهربون ما يوازي رُبع الوقود الجزائري المنتج سنوياً. حسين محمد (الجزائر) - الواقع أن تهريب الوقود الجزائري إلى دول الجوار غير النفطية، ليس وليد السنوات الأخيرة، بل هو قائمٌ منذ عقود، إلا أنه كان «نشاطاً» محدود الأثر، ضيّق النطاق، أرباحه لم تكن تُغري المهرِّبين كما تغريهم الأرباح الطائلة التي يجنونها من تهريب القنب الهندي (مادة مخدرة) من المغرب. إلا أن الصورة اختلفت بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية؛ إذ أخذ حجم تهريب الوقود يتّسع شيئاً فشيئاً في المناطق الحدودية مع تونس والمغرب. وبدأت مدينة «مغْنية» الحدودية الصغيرة التابعة لولاية تلمسان، أقصى غرب الجزائر، تشتهر بتهريب الوقود إلى المناطق المجاورة لها في المغرب، واتّهم سكانُها بالتحوّل إلى امتهان التهريب، وأُطلق على مهرِّبي هذه المادة اسم «الحلاَّبة» لأنهم يقومون بـ»حلب» محطات الوقود عن آخرها ثم إفراغ البنزين والمازوت في صفائح بلاستيكية، ونقلها إلى المناطق المغربية الحدودية التي لا تبعد عن مغنية سوى بضعة كيلومترات. ضربة موجعة تُستعمل الحميرُ والبغال لهذه «المهمّة» حيث يجتاز بها المهرِّبون مسالكَ جبلية وعرة بعيدة عن أعين رقابة مصالح الجمارك وحرس الحدود، وقد برزت هذه الوسيلة أكثر بعد غلق الحدود الجزائرية- المغربية في أغسطس 1994 بقرار سياسي من الرئيس الجزائري الأسبق اليامين زروال، ردا على فرض المغرب التأشيرة على الجزائريين. ويؤكد والي تلمسان عبد الوهاب نوري أن 80 في المائة من الوقود الذي تُزوّد به محطات الولاية، يُهرَّب إلى المغرب، حيث يُباع بـ4 أضعاف قيمته الحقيقية، واتخذ الوالي منذ أشهر قليلة قراراً يقضي بتقليص حجم تزويد محطات الولاية بالوقود إلى 50 بالمائة فقط من الكمية السابقة، بعد أن لاحظ أن الولاية التي لا يتعدى عددُ سكانها المليون نسمة تستهلك أكثر من حاجة مدينة الجزائر العاصمة من الوقود مع أن سكانها يناهزون 4 ملايين نسمة وبها أكبر عدد من السيارات على المستوى الوطني. وأدى إجراء الوالي إلى تخفيض حجم تهريب الوقود بالولاية إلى المغرب، وتوجيه ضربة موجعة للمهرِّبين الجزائريين الذين حققوا ثرواتٍ طائلة من تهريب الوقود، في حين اعترف موقع «هسبريس» المغربي، بأن النشاط التجاري لسكان المناطق المغربية الشرقية المتاخمة لحدود الجزائر والذين يعتمدون على تسويق الوقود الجزائري المهرَّب، قد تراجع بنسبة كبيرة. وأكد الموقع أن 10 آلاف مغربي يعتاشون من بيع هذه المادة المهرَّبة بنصف ثمنها المعتمَد في محطات المملكة، وأن اقتصاد هذه المنطقة الحدودية قائمٌ بنسبة 70 بالمائة على هذا النشاط التجاري الموازي. تبسة.. عالمٌ آخر الوضع في الجهة الشرقية للحدود الجزائرية كان شبيهاً بالوضع في مغنية بتلمسان، إلا أنه تجاوزها في السنوات الأخيرة بأشواط وبرزت ظواهر عجيبة بولاية «تبسة» الحدودية مع تونس. ويلخص عبد العالي بسَّايح، وهو أحد سكانها ويعمل بالجزائر العاصمة، الوضع قائلاً «لقد تحوّل الكثير من سكان تبسة إلى مهرِّبين للوقود بعد أن تضاعفت أسعارُه في تونس بخمسة أضعاف ثمنه في الجزائر، ما يجعل المهرّبين يجنون ثرواتٍ خيالية في وقت قصير ببيعه بأقل من ثمنه في محطات الوقود بتونس، ولقد أصبح هؤلاء المهرِّبون يمتلكون شاحنات عملاقة ذات خزان مزدوج يتيح لها ملأ كميات كبيرة من الوقود قبل إفراغها وتحويلها بطرق شتى إلى المناطق الحدودية التونسية». ويضيف بسّايح «الكثيرُ من سكان تبسة دخلوا عالم تهريب الوقود لتحسين ظروفهم المعيشية بشكل جذري، وهؤلاء يملكون خزانات تحت مساكنهم يخزِّنون فيها صفائح الوقود، وقد اندلعت حرائق في عدة مرات سبّبت مآسي كبيرة للعائلات، آخرها تفحّم ثلاثة أطفال من عائلة واحدة منذ نحو عام حينما اندلع حريقٌ أسفل مسكنها وتعذّر على الجيران إخراجُهم في الوقت المناسب». إلى ذلك، يستغرب المحلل الاقتصادي عبد الوهاب بوكروح تقاعس السلطات عن مكافحة هذه الآفة سنوات عديدة، نمت خلالها بشكل مهول، وأصبحت تهدد، ليس فقط أمن العائلات، ولكن أمن الاقتصاد الوطني أيضاً بعد أن أصبحت كل محطات الوقود الـ54 بتبسة تُفرغ عن آخرها في وقت قياسي ويُحوَّل أغلبُ بنزينها ومازوتها إلى تونس، بينما يُجبر أصحابُ السيارات السياحية على الانتقال إلى مناطق مجاورة لملأ خزاناتهم بعد أن ملّوا الانتظار أمام محطات تبسة ساعات طويلة في طوابير بالكيلومترات. ويوضح بوكروح «لقد اعترف وزيرُ طاقة يوسف يوسفي بنفسه بأن أكثر من 1,5 مليار لتر؛ أي رُبع الوقود الجزائري المنتج سنوياً، يُهرّب إلى الخارج كل عام، والجزائر تخسر جرّاء ذلك نحو 1,2 مليار دولار كل سنة، هذه الآفة يجب أن تتوقف، وعلى السلطات مكافحتها بحزم». إجراءاتٌ مشدّدة يستغرب الكثيرُ من المتتبعين بالجزائر لما يصفونه بـ»التسيب» و»التراخي» في مكافحة آفة تهريب الوقود التي تستنزف الملايين من الخزينة العمومية، وتذهب إلى جيوب مافيا التهريب من دون وجه حق، فقد تفاقم التهريب لسنوات من دون أن ترافقه إجراءاتٌ فعَّالة يمكنها تحجيمُ هذه الآفة على الأقل، إذا تعذّر القضاءُ عليها، وهو التراخي الذي جعل شاحنات الخزان المزدوج وسيارات المهرِّبين المعروفة تقف على امتداد كيلومترات أمام محطات الوقود الـ54 المنتشرة بولاية «تبسة» من دون أن تثير حفيظة السلطات، أو تدخل من ولايات مجاورة ليُفرغ المهرِّبون خزاناتها في صفائح بلاستيكية من دون أن يوقفها الأمن في حواجز قبل دخولها ولاية «تبسة». وبعد أن بلغت الآفة حدودا غير مسبوقة، وكثرت شكاوى أصحاب السيارات من ندرة الوقود، وانتقال الأزمة إلى ولايات مجاورة، بعد أن انتقل إليها المهرِّبون لـ»حلبها» هي الأخرى، فراراً من الرقابة الأمنية في ولاية «تبسة»، بدأت السلطاتُ تتحرك، واتخذت مؤخراً سلسلة إجراءات مشدّدة لمكافحة التهريب، ومنها وضع فرق أمنية في كل محطة وقود لمراقبة حركة المهرِّبين وتسجيل بيانات كل من يدخل إليها ومنعهم من التزود بالوقود إلا بعد مرور بضعة أيام، كما فُرض على أصحاب المحطات التقيُّدُ بهذه الإجراءات وإلا تعرضت محطاتهم للغلق مدة ثلاثة أشهر. تراجع ملموس أدت هذه التدابير إلى تراجع ملموس في حركة التهريب والمهربين، قدّرها وزيرُ الداخلية دحّو ولد قابيلة بـ50 بالمائة، وأكد مواصلة مكافحة التهريب بغية تحجيمه أكثر، في حين أكدت مختلف الأصداء الواردة من تبسة أن كبار المهرّبين قد أصيبوا في مقتل، وأن نشاطهم انحسر بشكل محسوس وأصبحوا يبحثون عن طرق وحيل أخرى لاستئناف نشاطهم. وبالموازاة، تمّ تفعيل نقاط المراقبة الحدودية مع تونس والمغرب بفرق حرس حدود إضافية، وتكثيف دوريات التفتيش التي نجحت في استعادة كميات كبيرة من الوقود المهرَّب في الفترة الأخيرة، وقبضت على العديد من المهرِّبين، علماً أن القانون الجزائري يعاقب على هذا النشاط غير القانوني بخمس سنوات سجناً. ويأمل جزائريون، وخاصة المتضرِّرين من تفاقم هذا النشاط أن تتواصل حملة مكافحة التهريب وتُفعَّل بآليات وأساليب جديدة لتحجيم هذه الظاهرة أكثر، ويُبدي هؤلاء ارتياحهم لنجاح الإجراءات الجديدة، يقول بسايح «كان أصحابُ السيارات السياحية ينتظرون ساعات لملء خزاناتها، أما الآن فقد أضحت فترة انتظارهم لا تتعدى دقائق معدودة، نأمل أن يستمر الوضع على هذا النحو وأن ينتهي الكابوس الذي عاشه سكان تبسة طويلاً». سبب تفاقم الظاهرة يرى المحلل الاقتصادي عبد الوهاب بوكروح أن سبب تفاقم التهريب في الأشهر الأخيرة بـ«تبسة» و«مغنية» خاصة، هو ارتفاع أسعار الوقود بأربع إلى خمس مرات في المغرب وتونس اللتين تستوردان النفط، حيث يتراوح سعر اللتر من البنزين هناك بين 1,1 إلى 1,4 يورو، بينما يُعدّ الوقودُ الجزائري من بين الأرخص في العالم، بسعر لا يتعدى 0,22 يورو، لكن سياسة دعم الوقود، التي تعتمدها الجزائر، باعتبارها دولة نفطية، لم تخدم في النهاية سوى مهرِّبي هذه المادة الذين حققوا ثروات هائلة بتهريبها. وحتى تحقق سياسة الدعم هدفها بخدمة المواطنين فقط، يجب على الدولة مكافحة هذه الآفة بفعالية ووضع حد لها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©