الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التردد يسجن صاحبه في لحظة اتخاذ القرار

التردد يسجن صاحبه في لحظة اتخاذ القرار
20 سبتمبر 2014 21:00
من بين المشكلات النفسية التي يعانيها الإنسان أحياناً التردد الذي يعد صورة من صور اضطراب الوسواس القهري، حيث تتحول تلك المشكلة إلى معاناة يومية مستمرة. والتردد آفة كلما اتسعت رقعتها أصبح من العسير على الإنسان اتخاذ القرار، حتى وإن لم يكن مصيرياً. ومن تتملكهم آفة التردد يعيشون في حالة من التذبذب وعدم القدرة على حسم أمورهم، ما يجعل بعض المحيطين بهم ينفرون منهم، رغم من أن قليلاً من الناس يشفقون عليهم، وينظرون إليهم على أنهم يستحقون المساعدة. وإذ كان من الطبيعي أن يسهم التردد في بطء الاستجابة للمواقف الطارئة، التي تحتاج إلى أن يكون القرار فيها سريعاً وحاسماً، فإنه من غير المنطقي أن يستسلم المرء لعلة التردد، ويتركها تؤثر في حياته. التردد ومدى تأثيره السلبي على قدرة أفراد المجتمع على اتخاذ القرار السليم من الظواهر التي لها وجود حقيقي على رقعة الحياة، لكن التعامل مع الأشخاص الذين يعد التردد ديدنهم أمر صعب، ويحتاج غالباً إلى صبر ومحاولة احتواء هذه الفئة التي يبدو على وجهها العديد من علامات الاستفهام حين تهم باتخاذ قرار ما. والمشكلة الحقيقية، التي تقف حجر عثرة أمام الآخرين تتمثل في أن يكون حاجاتهم عند بعض الأشخاص الذين يسكنهم التردد، إذ إنهم يتركون في نفوس الآخرين غصة بسبب تباطئهم، وهو ما يطرح أسئلة عن كيفية التعامل مع هذه الفئة وإمكانية تغيير سلوكاتها. نواة المشكلة حول آفة التردد وانعكاساتها السلبية على اتخاذ القرارات المهمة في حياة أفراد المجتمع، يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمارات الدكتور نجيب محفوظ إن «حياة الفرد سلسلة من الخبرات التي يكتسبها على مدار سنوات عمره، ومعروف أن السنوات الأولى في حياة الأفراد تسهم في تشكيل شخصياتهم، وبحسب البيئات التي يعيشون فيها، والأفراد الذين يتعرضون للحرمان في طفولتهم الباكرة، وتسلبهم الأسرة حق اتخاذ القرار، وتزرع في نفوسهم الخوف، يميلون في نهاية الأمر إلى العزلة، وهم ما يجعلهم غير قادرين على حسم أي شيء يتعلق بمصيرهم، خصوصاً إذا كانت لهم تجارب في الماضي تتعلق بإخفاقات من هذا النوع». ويوضح محفوظ أن التردد يمنع الفرد من أن يعيش حياة طبيعية، ويمارس دوره في المجتمع مثل بقية الناس، لكونه يظل أسير الخوف من المجهول، ومن ثم اتخاذ قرار يتحمل وحده نتائجه؛ لذا فإن الكثيرين ممن يستسلمون للتردد، يحتاجون إلى شخصيات مؤثره تطغى على شخصياتهم لإقناعهم باتخاذ قرار ما. ويلفت إلى أن المنتمين إلى فئة المترددين من الصعب أن يتخذوا قرارات حاسمة وعادية في نطاق حياتهم، وعلى الرغم من ذلك، فإن أصحاب هذه الفئة يحتاجون لمن يترفق بهم، ولا يتخذ مواقف ضدهم؛ لأنهم من ذوي الحساسية الشديدة، وبمجرد مواجهتهم بحقيقية تصرفاتهم بطريقة عنيفة قد يصابون بإحباط، فتكون النتائج عكسية، ما يتطلب حكمة من الآخرين في التعامل معهم، ومن ثم محاولة تبصيرهم بأن مسألة ترددهم تفوق المستوى الطبيعي. حيرة شديدة يشعر أحمد تليمة بأنه يتخطى حدود المألوف، حينما يذهب لشراء ملابس، إذ إنه يظل ينظر في المرآة مرارا وتكرارا في أثناء وجوده بغرفة القياس، وبعد أن يجرب أكثر من قطعة يخرج سريعاً إلى آخر، وهكذا حتى يضيع نصف يومه في هذه العملية، ويذهب في نهاية الأمر إلى البيت، وهو على قناعة بأنه يجب أن يذهب إلى مركز آخر للتسوق على الرغم من أن معظم المحال الشهيرة لها أفرع في كل المراكز التجارية. ويلفت إلى أنه يظل قرابة أسبوع على هذه الحال حتى يتمكن من شراء قميص وبنطلون، مؤكداً أنه في كل مرة يبذل جهداً كبيراً حتى يتوافق مع ذاته ويأخذ قراره بالشراء. ولا يخفي محمد اليهبوني أنه بطيء الاستجابة إلى مطالب أبنائه الذين ينبهونه بين الحين والآخر إلى أنهم في حاجة إلى تغيير أثاث حجراتهم بما يتناسب مع طبيعة أعمارهم، إذ إن هذه الغرف منذ سنوات طويلة وهي على حالها لم تتغير، مشيراً إلى أنه في كل يوم يعدهم بأنه سوف يحضر مهندس الديكور لكي يحدد الشكل النهائي لطبيعة هذه الغرف، لكن المشكلة التي تواجهه في الوقت الحالي هي المفاضلة بين شركات ديكور عدة، لتقوم بهذه المهمة، وعلى الرغم من أنه زار أكثر من شركة وحصل على العديد من التصاميم الملائمة، إلا أنه يشعر بأنه غير قادر على حسم الأمر، ويلفت إلى أنه كثيراً ما يلقى انتقادات بصفة مستمرة من أفراد أسرته بسب التردد، ولا يدري كيف يتخلص من هذه المعضلة. مديري متردد على الرغم من أن سعيد بو شهري، الذي يعمل في إحدى المؤسسات الخاصة، يدرك أن مديره في العمل يستسلم تماماً لآفة التردد، ويستهلك وقتاً كبيراً للموافقة على طلبات الموظفين في الحصول على الإجازات المستحقة أو ما يخص مشكلاتهم في إطار العمل، إلا أنه على قناعة تامة أيضاً بأنه طيب القلب، وأنه يعيش في حيرة من أمره ليس إلا. ويلفت إلى أن ما يعوض تأخره في الرد على طلباتهم هو اتسامه بالإنسانية، لكنه على الرغم من ذلك يظل ديدنه هو التأني إلى حد الملل في اتخاذ القرار، مشيراً إلى أنه لفت نظره ذات مرة إلى هذا الأمر برفق، وهو ما جعل مديره يقدر له ذلك، ما أسهم أيضاً في تخفيف حدة تردده. تحت المجهر ينصح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمارات الدكتور نجيب محفوظ الذين يشعرون بأنهم لا يستطيعون التخلص مما يكتنفهم من تردد يعرقل مسيرة الحياة، ويضفي عليها القلق والحيرة، بأن يواجهوا أنفسهم، وأن يضعوا تصرفاتهم تحت المجهر لكي يتعرفوا إلى حقيقة ما بأنفسهم، وحجم الأضرار التي وقعت عليهم، وعلى الآخرين من جراء ترددهم المستمر، ومن ثم الإصرار عليه بصورة مبالغة. خسارة فادحة بسبب التردد خسر حسين الأحبابي مشروعاً استثمارياً كان قائماً، إذ إن أحد شركائه كان يطلب منه أن يتخذ قراراً مصيرياً يتعلق باستمرار المشروع، ويترتب عليه نجاحه أو فشله، مشيراً إلى أنه على الرغم من أنه استسلم للخسارة، إلا أنه شعر بأنه ظلم شركاءه في المشروع الذين لم يتخذوا منه موقفاً؛ لأنهم يعلمون أنه أسير آفة التردد، لكنه بعد هذه الواقعة قرر أن يعالج نفسه حتى لا تستمر سلسلة الخسارات في حياته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©