الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شمال مالي... ساحة جديدة للتطرف

25 أغسطس 2012
حولت سلسلة معقدة من الأحداث خلال الأشهر الأخيرة المنطقةَ الواسعة لشمال مالي من موقع لنزاعات إثنية متباعدة وخفيفة الحدة داخل نظام ديمقراطي ناجح عموماً إلى ساحة للتنافس، ينعدم فيها النظام والقانون، بين مجموعات مقاتلة متنافسة. التدهور بدأ مع تمرد للانفصاليين الطوارق في يناير 2012. وعلى الرغم من أن تظلماتهم تعود على الأقل إلى الفترة الاستعمارية الفرنسية، فإن السبب المباشر للانتفاضة الحالية يبدو أنه هو عودة المقاتلين الطوارق المدربين على القتال من ليبيـا، التي كانـوا قـد حاربـوا فيها لحساب حكومة معمر القذافي المخلوعة في 2011. ومع استمرار النزاع الجديد في شهري فبراير ومارس الماضيين، كانت ثمة مشاعر إحباط وتذمر داخل الجيش المالي بسبب ما كان ينظر إليه البعض على أنه عجز من جانب الحكومة عن مساعدة جنودها ووقف الانتفاضة في الشمال. وتلا ذلك تمرد وانقلاب، ما أدى إلى تفكك قيادة البلاد. وأُرغم الرئيس "أمادو توماني توري" على الاختباء. ووسط الفوضى على الجانب الحكومي، استطاعت "الحركة الوطنية من أجل أزواد مستقلة" المتمردة تحقيق مكاسب غير مسبوقة في المنطقة الشمالية. وفي السادس من أبريل الماضي، أعلنت "الحركة" قيام دولة طوارق مستقلة، وجاء في الإعلان أن "مالي دولة تعمها الفوضى. وبالتالي، فقد قمنا بإنشاء حركة تحرير وطنية من أجل تشكيل جيش قادر على تأمين أرضنا ومكتب تنفيذي قادر على تشكيل مؤسسات ديمقراطية". ولكن النزاع المسلح أدى إلى تحالفات غريبة. ذلك أنه بالتوازي مع سيطرتها على مزيد من المناطق، شكلت"الحركة الوطنية من أجل أزواد مستقلة" تحالفاً مع تنظيم "أنصار الدين" السلفي المقاتل غير المعروف. وفي حالات كثيرة، كان أتباع "أنصار الدين" يدخلون المدن التي سيطرت عليها "الحركة الوطنية من أجل أزواد مستقلة"، فيمزقون علم أزواد، ويرفعون علماً سلفياً أسود مكانه. وفي الأخير، أدركت "الحركة الوطنية من أجل أزواد مستقلة" أن "أنصار الدين" يسرقون ثورتها. وإذا كانت حدود المنطقة تعاني من ضعف في المراقبة أصلاً، فإن انهيار النظام والقانون خلق بيئة مواتية لازدهار تجارة الأسلحة والمخدرات والبشر في المنطقة، كما انخرطت بعض المجموعات في عمليات الخطف. وفي غضون ذلك، قام "أنصار الدين"، وتطبيقهم المتعسف لشكل متطرف من أشكال الشريعة، بتدمير السكان المحليين وتراثهم الثقافي الإسلامي الذي يعود إلى قرون طويلة. وفي هذا السياق، تعرض عدد من السكان لعمليات جلد بعد أن اتُّهموا بالتدخين أو شرب الخمر أو علاقات غير لائقة مع الجنس الآخر. والأشخاص الذين يتجرأون على الاحتجاج على هذا التعسف يتعرضون للاعتقال أيضاً ويجلدون. وفي حالة واحدة على الأقل، تم رجم رجل وامرأة حتى الموت بسبب إنجابهما أطفالا خارج علاقة شرعية على ما يفترض. وفي هذا الإطار، تشير التقديرات إلى أن قرابة 400 ألف شخص فروا أو نزحوا عن شمال مالي. وعلى نحو متزايد، يتسبب النقص الحاد في الطعام والماء في تفاقم هذه المشاكل، على غرار تقارير حول تجنيد جنود أطفال ووجود تنظيم "بوكو حرام" الإرهابي النجيري. الضغط الوحشي للمجموعات الإسلامية المتطرفة، والتدهور التام لحقوق الإنسان، إضافة إلى الهجمات التي تستهدف الآثار الثقافية – مثل أضرحة الأولياء الصالحين ومسجد سيدي يحيى – دفعت البعض إلى عقد مقارنات لا مفر منها مع حركة طالبان في أفغانستان. ولكن الأستاذ "جريجوري مان" من جامعة كولومبيا الأميركية حذر من هذه المقارنات، ولا سيما إذا كانت تستعمل من أجل تبرير تدخل أجنبي متهور. إلا أنه يبدو من الواضح أن "أنصار الدين" الراسخين في المنطقة، إلى جانب حلفائهم، سيستمرون في ممارسة تأثير مدمر جداً على شمال مالي وسكانه. بيد أنه إذا كان يراد لهذه الأزمة أن تحل، فسيتعين على "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا"، والأمم المتحدة، والدول الديمقراطية بشكل عام، أن تطور رسالة واستراتيجية منسقة. ففي كل يوم تفشل فيه هذه الأخيرة في القيام بذلك، يتفاقم الصراع ويزداد البؤس الذي يعيش فيه سكان شمال مالي. والأكيد أن لدى جيران هذا البلد الكثير ليخسرونه من الوضع الحالي، والكثير ليربحونه من عملية ناجحة لإعادة الحكم الديمقراطي. ويمكن القول في هذا الصدد إن الأزمة الحالية توفر فرصة مثالية لبلدان مثل السنغال لتذكير العالم بأن أنظمة ديمقراطية مهمة أخذت تظهر في غرب أفريقيا، وهي قادرة على الصمود في وجه تهديدات خطيرة مثل الاضطرابات الإثنية والحركات الإسلامية المقاتلة. بريندان هاريسون باحث بمنظمة "فريدم هاوس" ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©