الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

مأساة دارفور.. وأسرار العجز الأميركي

20 نوفمبر 2006 00:52
في وقت مبكر من ولايته الأولى، تلقى الرئيس الأميركي جورج بوش مذكرة من ''مجلس الأمن القومي''، تناولت الخطوط العامة لعجز المجتمع الدولي عن التصدي لجرائم الإبادة الجماعية· وفيما يشبه التحدي والشعور الطاغي بالثقة بالنفس والقدرة، كتب بوش في هامش تلك المذكرة ما معناه ''لا ينطبق هذا عليَّ''· لكن وبعد خمس سنوات لاحقة، بل بعد مضي ما يقارب الأربع سنوات على ما وصفه بوش نفسه مراراً، بـ''الإبادة الجماعية'' في إقليم دارفور السوداني، ها هي الأزمة تستمر وتستفحل، دون أن تصدر استجابة قوية ذات معنى من البيت الأبيض· وعندما ينظر المرء إلى هذا العجز الأميركي البادي إزاء المأساة، فإنه يصبح أكثر ميلاً للأخذ بصحة نظرية ''سامنتا باورز'' الأستاذ بجامعة هارفارد، القائلة بحيرة و''انقطاع رأس'' البيت الأبيض فيما يتصل بإقليم دارفور· فمما لاشك فيه أن المذكرة الخاصة بأزمة دارفور قد رفعت للرئيس بوش، وهو قطعاً لا يريد تكرار وقوعها أو استمرارها· ولكن إذا كان اهتمام بوش صادقاً كل هذا الصدق إزاء ضحايا المأساة من أهالي الإقليم، فلماذا لا تتخذ إدارته من الأفعال ما يضمن وقفها ومعاقبتها؟ والحقيقة أن الإجابة عن هذا السؤال، تندرج بين كبريات القصص المسكوت عنها في عصرنا الجنيني الحالي· وهي قصة التضارب والنزاع ما بين مبادئ حقوق الإنسان من جهة، ومستلزمات مكافحة الإرهاب فيما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر من جهة أخرى· وقد علمت أثناء زياراتي للإقليم خلال الأشهر القليلة الماضية، وعبر استماعي لشهادات وإفادات المواطنين أنفسهم، أن قرى الإقليم لا تزال تحرق، وأن النساء لا زلن يتعرضن للاغتصاب الجماعي من قبل أفراد مليشيات الجنجويد، بينما يتعرض المدنيون لترهيب الدولة، ممثلاً في الغارات الجوية المنظمة على قراهم· وبينما يواصل الإقليم انحداره أكثر فأكثر نحو هوة المأساة والجحيم، فإن كل المؤشرات على عجز الولايات المتحدة وفرجتها السلبية على ما يجري أمامها، إنما تتجه إلى شخص واحد، هو أسامة بن لادن· والمعروف أن أسامة بن لادن قد أقام في السودان في بدايات عقد التسعينيات، يوم أن حل ضيفاً على ذات النظام الحاكم الآن، الذي يتحمل مسؤولية كل الفظائع والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في دارفور· وكان وقتها ''صلاح قوش''، المسؤول الحكومي الرئيسي، والذراع الأيمن لأسامة بن لادن· لكن وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر، تحول ''صلاح قوش'' إلى شريك نشط في جهود مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة· وتبعاً لهذه الشراكة، فقد تولى مهام اعتقال المشتبه بهم في جرائم الإرهاب وتسليمهم للولايات المتحدة، إضافة إلى طرد المتطرفين من بلاده، وشن الغارات على بيوت المشتبه بهم، وتقديم البيانات والأدلة لمكتب التحقيقات الفيدرالي ''إف· بي· آي·''· كما يمنحه موقعه الحكومي الحالي، باعتباره رئيساً لجهاز الأمن السوداني، دوراً قيادياً في استراتيجية الحكومة الخاصة بمكافحة التمرد، مع العلم بأنها الاستراتيجية التي تعول على مليشيات الجنجويد في تدمير وإبادة القرى غير العربية في الإقليم· وبالنتيجة فقد أفضى تعمق أواصر التعاون وتبادل المعلومات الأمنية الاستخباراتية بين واشنطن وحكومة الخرطوم، إلى إبطال مفعول أي استجابة أميركية لعنف الدولة الذي استشرى في الإقليم بين عام 2003 و·2004 وكما قال بعض المسؤولين الأميركيين لزميلي ''كولن توماس جينسن''، فإن الحصول على المعلومات الأمنية الواردة من ''صلاح قوش''، سيتعثر كثيراً في حال مواجهة واشنطن لحكومة الخرطوم بما يكفي من حزم، فيما يتعلق بالمأساة الدائرة في إقليم دارفور· يذكر أن الإدارة واصلت مساعيها منذ عام 2001 مع حكومة الخرطوم، بغية إبرام صفقة سلام بينها ومتمردي جنوب السودان، أملاً في استرضاء الجماعات المسيحية الأميركية الناشطة، التي طالما طالبت الإدارة باتخاذ خطوة ترمي لحماية الأقليات المسيحية بجنوبي السودان· ولما كانت تلك الصفقة قد أبرمت بالفعل، فإن الإدارة تحرص على عدم تقويضها، بفتح جبهة مواجهة جديدة بينها وحكومة الخرطوم، بسبب إقليم دارفور· ومن هنا فإن الحظ لم يواتِ الدارفوريين مطلقاً في حل أزمتهم· وكان مصطلح ''الإبادة الجماعية'' قد تحول إلى محك نزاع انتخابي مستعر في الحملة الانتخابية الرئاسية لعام ،2004 حيث كان المرشح ''الديمقراطي'' وقتها ''جون كيري''، يلح على منافسه جورج بوش بضرورة تبنيه واستخدامه· وأخيراً أدلى كولن باول وزير خارجية بوش وقتئذ، بشهادته أمام ''لجنة العلاقات الخارجية'' التابعة لمجلس الشيوخ، وأقر في التاسع من شهر سبتمبر عام ،2004 بأن جرائم الإبادة الجماعية قد حدث ارتكابها فعلاً في إقليم دارفور، وأن مليشيات الجنجويد والحكومة السودانية، هما الطرفان اللذان يتحملان المسؤولية عن ارتكابها· بل أضاف باول أن جرائم الإبادة الجماعية ربما لا تزال ترتكب هناك· على أن الإضافة الأهم التي وردت في شهادة باول، قوله: ''وقد حتم علينا عزمنا اتخاذ خطوة جديدة· فقد واصلنا بذل كل ما بوسعنا من أجل حث حكومة الخرطوم على تحمل مسؤوليتها إزاء الإقليم''· والسؤال الذي نثيره هنا: هل فعلت واشنطن كل ما بوسعها حقاً؟! وفيما نعلم فإن ''معاهدة الإبادة الجماعية'' التي وقعت عليها الولايات المتحدة في عام ،1948 وصادقت عليها لاحقاً بعد أربعين عاماً، إنما تطالب الدول الموقعة عليها، بأن تبذل كل ما من شأنه منع وقوع تلك الجرائم ومعاقبتها· لكن وبدلاً من محاكمته بما ارتكبت يداه الآثمة من جرائم الحرب، استدعي صلاح قوش إلى ''لانجلي'' التي طار إليها جواً بدعوة أميركية استهدفت تنويره من قبل مسؤولي وكالة المخابرات المركزية الأميركية في العام الماضي! وكما صرح مسؤول أميركي لصحيفة ''لوس أنجلوس تايمز'' فإن من رأي الوكالة أن المسؤولين السودانيين يقدمون لنا يد العون في جهود مكافحة الإرهاب، ولذلك فإننا لفخورون بدعوته للحضور إلى هنا· وبذلك لم يأبه هؤلاء المسؤولون كثيراً للعواقب السياسية المترتبة على هذه الدعوة· وفي نظر الكثير من مسؤولي الاستخبارات الأميركية، فقد أصبح ''صلاح قوش''، أكثر فائدة من ذي قبل، في دفع جهود مكافحة الإرهاب الأميركية، خلال الستة أشهر الماضية، جراء التطورات السياسية الجارية الآن في الجارة الصومال· وبعد، فهل علمنا سر العجز الأميركي حيال دارفور؟ جون بريندرجاست مدير سابق للشؤون الإفريقية بمجلس الأمن القومي في إدارة بيل كلينتون ومستشار أول حالياً لـ''مجموعة الأزمات الدولية'' ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©