الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السفر العائلي في عصر الإنترنت

السفر العائلي في عصر الإنترنت
25 أغسطس 2012
أجمل الذكريات أحملها عن السفر العائلي، فعيالي اكتشفوا دول العالم مع أقرانهم من العائلة، وزوجتي وجدت من يستمع إليها، وأنا كنت أتسلى مع أخي أو نسيبي أو عديلي. لكن بدخولنا عصر الحجز الإلكتروني، تغير كل شيء. كانت الرحلات العائلية تبدأ بالذهاب معاً إلى شركة سياحية، واختيار دولة من بين الدول التي يقترحها الموظف، وحجز تذاكر الطيران والفنادق والرحلات السياحية. في الوقت المحدد، نصعد طائرة المغادرة معاً، ويتم استقبالنا في مطار الوصول، ونركب حافلة مخصصة لنا وحدنا، وفي الطريق إلى الفندق، يحمل المرشد السياحي المايكرفون ويرحب بنا ثم يقول: غداً صباحاً سنقلكم من أمام الفندق إلى مدينة الملاهي، وفي تمام الخامسة مساء ستكون حافلة العودة بانتظاركم. وفي تمام الساعة السادسة من صباح اليوم التالي سنأخذكم إلى قمة ثلجية بعيدة، و.. لا رأي لأحد، ولا اقتراح، ولا تأخير، ولا لوم، ولا تحمّل مسؤوولية، ولا إلقاءها على الآخرين، ولا يحق لأي واحد منا سوى الاستمتاع بالرحلة، كما هي، بالضبط. وبدأ عصر الفلسفة السياحية بالحجوزات الإلكترونية، فهذا يقترح ماليزيا بناء على معلومات في الإنترنت، والآخر يؤكد أن منتديات السفر تقترح أستراليا، والثالث يقول إنه أرسل رسالة إلكترونية للصفحة الرسمية لوزارة السياحة التركية، والرابع قرأ تغريدة في «تويتر» تحذر من السفر إلى أي مكان في العالم. ويرسل كل واحد منهم، ويتلقى، مكالمات عديدة إلى أن يستقر الرأي على دولة ما. الحمد لله، ثم تبدأ رحلة استخراج التأشيرة، فهذا يقترح استخراجها إلكترونياً، والثاني لا يضمن الإنترنت في هذه الأمور، والثالث لا يملك بطاقة ائتمانية، والرابع لا يعرف الإنجليزية، وفي هذه الأثناء، يرسل الأول رسالة نصية للجميع يقول فيها: استخرجت تأشيرة لي ولعيالي. في اليوم التالي يتصل الثاني بالبقية ويخبرهم بأنه حجز تذاكر الطيران لأفراد أسرته. ثم يتلقون مكالمة من الثالث يذكر فيها الفندق بالاسم، ويقول الأول: لقد استأجرت سيارة، ويكون الرابع لا يزال يبحث عن طريقة يستخرج بها التأشيرة. وكلما اكتشف أحدهم مستجدات السفر لدى طرف آخر تغيرت نبرة صوته. والزوجات يتدخلن بالاقتراحات الغريبة، والأولاد يتلاعبون بأعصاب بعضهم بعضاً: فندقنا به حوض سباحة كبير.. هيهي هيهي. يصعد الجميع الطائرة، فتكون الأسرة الأولى بالقرب من الجناح، والثانية في المقدمة، والثالثة في الذيل، ورب الأسرة الرابعة، الذي حجز التذاكر بالإنترنت مستعيناً بخدمات «جوجل» للترجمة، حجز مكاناً ضمن الأمتعة. في مطار الوصول، تركب كل أسرة السيارة التي استأجرتها، والأول كان قد حجز سيارة مع جهاز ملاحة إلكتروني، والثاني لديه جهاز ملاحة شخصي، والثالث لم ينتبه إلى هذه النقطة عند الحجز، والرابع قال لزوجته قبل السفر: لست إمعة، ولا أحتاج إلى جهاز ملاحة كأنني غبي، سأعتمد على اللوحات المرورية. تخرج أربع سيارات من المطار، الأولى تتجه مباشرة إلى الفندق، والثانية تتبعها في شارعين ثم تغير مسارها لأن جهاز الملاحة يشير إلى طريق آخر، فبينما الأول اختار خاصية «أقرب طريق للوصول»، فقد اختار الثاني خاصية «أقل الطرق ازدحاماً»، وكلاهما يعتبر الآخر مجرد معاند. أما الثالث، فقد ضيّع رفيقاه بعد إشارة المرور الأولى، ثم توقف على جانب الطريق يجري مكالمات هاتفية دولية يسألهما عن الدرب، وكلاهما يقول كلاماً مغايراً، فيصيح في وجه زوجته: تباً لهما، لا يجوز المزاح في هذه الأمور. أما الرابع، الذي رفض أن يكون إمعة، فقد وجد نفسه وقد اجتاز حدود ألمانيا متجهاً إلى سويسرا، لأنه خلط بين كلمتي: ميونيخ، وزيوريخ. بعد يومين يلتقي الجميع في بهو الفندق بوجوه متورّمة، ويقترح الأول زيارة مدينة ترفيهية تبعد عن الفندق 3 ساعات، فيقول الثاني: سيضيع اليوم في الذهاب والإياب، ويقول الثالث: سبق لي زيارة هذه المدينة في السنة الماضية ولست غبياً لأدفع 50 ألف درهم في رحلة سفر مكررة، أما الرابع فيقول: لن ألتحق بكم إلا إذا كنا نسير كقافلة، فيرد الأول: لكنك تسير ببطء، فيقول الثاني: أجهزة ضبط السرعة هنا هي لتحذير السائقين وليس بداخلها كاميرات، فيقول الثالث: تتحدث كأنك قائد البوليس الألماني، فيرد عليه بضيق: قرأت هذه المعلومة في منتديات السفر. في المساء، يتبادلون الاتصال بين غرفهم بقصد الاطمئنان على بعضهم بعضاً، ويكتشفون أن أحدهم زار حديقة الحيوان، والآخر أضاع الطريق وعاد إلى الفندق يندب حظه ويضرب عياله، والثالث وصل مدينة الملاهي لكنها كانت مغلقة للصيانة، والرابع مثّل دور النائم ولم يقل شيئاً، ثم يتفقون على برنامج الغد. في تمام الساعة التاسعة يتحرك الأول بسيارته وهو متعجب من «حركاتهم»، فيتلقى اتصالاً من الثاني يقول فيه: ألم نتفق على التحرك «ضربة»؟ يا أخي كل تأخيرة فيها خيرة. أمس انتظرتك عشر دقائق ولم أفتعل أي مشكلة. لا تجوز المقارنة، فأولادك كبار بينما أولادي صغار ونحتاج إلى وقت أكثر لتجهيزهم. لماذا تصرخ الآن؟ في المساء، يكتشف الأول بأن الثاني والثالث خرجا معاً إلى منطقة ثلجية، فيقول لزوجته: لقد تحزّبا ضدي. بينما الرابع تعطلت سيارته وضاع يومه وهو يحاول الاتصال بشركة تأجير السيارات، وهو يقول لزوجته: هل هؤلاء أهل بالله عليكِ؟ وقال الثاني للثالث على قمة الجبل الثلجي: الأول والرابع لا يصلحان للسفر. وقال الثالث في نفسه وهو يفتح مظلته: وأنت أيضاً لا تصلح. في اليوم قبل الأخير، يتبادلون قبلات الاعتذار بشفاه على أطرافها كلمات اللوم، ثم يقررون أن يكون اليوم الأخير يوماً عائلياً بامتياز. يلتقون في بهو الفندق، ثم يتحركون كقافلة إلى أهم متحف، وعند الوصول يقول الثاني للأول: من اقترح زيارة هذا المكان الغبي؟ بالعكس مكان رائع. وماذا سيفعل عيالي وهم لا يزالون في «البامبرز» في متحف رائع؟ أين المتعة. ويقول الثالث، الذي أبدى امتعاضاً من زيارة المتحف في الليلة السابقة: ألم أقل لكم بأن المتحف تافه؟ بينما الرابع، صاحب الاقتراح، يشعر بأن كل كلمة موجهة ضد المتحف هو المقصود بها، كأنه هو الذي بنى المتحف، والمقتنيات الموجودة فيه تعود لأسلافه. يلتقي الجميع مجدداً في طائرة العودة، وكل أسرة تجلس في مكان بعيد عن بقية الأسر، أما الأسرة الرابعة، فأفرادها موزّعون على مقاعد مختلفة، هو في ذيل الطائرة، وزوجته في الدرجة الأولى، وأولاده يجلسون مع غرباء ويذرفون الدموع، فيتدخل طاقم الطائرة لترتيب الأوضاع، وتحدث حركة تنقلات شاملة، ويجلس الجميع إلى جانب بعضهم بعضاً، ويتبادلون كلمات التهنئة بنجاح الرحلة العائلية، ويتفق الجميع على ضرورة تكرارها في الصيف القادم. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©