الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«القباب» علامة مهمة في تاريخ العمارة الإسلامية

«القباب» علامة مهمة في تاريخ العمارة الإسلامية
19 سبتمبر 2014 22:24
اللمسة الجمالية الخاصة بالفن الإسلامي كانت حاضرة منذ أول قبة شيدت في عمائر الأمويين ونعني بها قبة الصخرة، التي أمر عبدالملك بن مروان بتشييدها في العام 72 هـ، فعلى الرغم من أنها جاءت قبة حجرية على هيئة نصف كرة أي أن عقدها على هيئة نصف دائرة كما في المنشآت الرومانية والبيزنطية، إلا أن الزخارف الداخلية للقبة كانت حافلة بشتى أنواع الزخارف النباتية والهندسية، ناهيك عن استخدام الخط العربي كعنصر نفعي يسجل تاريخ الإنشاء وقبل ذلك وبعده كأحد مفردات فن الزخرفة الإسلامي، ومما يؤسف له أن القبة الحجرية الأصلية لقبة الصخرة قد تداعت أركانها وتشعثت أحجارها بسبب الزلازل التي ضربت القدس بدءا من عصر المهدي العباسي حتى لم تفلح محاولات ترميمها واضطر المعماريون في نهاية المطاف إلى استبدال القبة الحجرية بهيكل خشبي مغطى بألواح أو رقائق معدنية مذهبة. وأثرت الروح الزخرفية للفن الإسلامي في هيئات القباب الخارجية لتمنحها مظهرا مبهرا تتجلى روعته عندما تظهر الظلال مدى الإتقان الفني لزخارف القباب، حيث دفع فزع الفنان المسلم من الفراغ أي ترك الأسطح ملساء دون زخرفة إلى التخلي سريعا عن خوذة القبة الملساء واللجوء أولا إلى استخدام خوذات القباب المضلعة وهو ما نراه ماثلا إلى اليوم في قبتي ظلة القبلة بجامع سيدي عقبة بن نافع بالقيروان والتي يعود بناؤها إلى أواسط القرن الثالث الهجري «9 م». بلاطة المحراب ويعود الانتشار الواسع لاستخدام القبة في العمارة الإسلامية والعناية بزخرفتها من الداخل والخارج إلى أن المساجد الجامعة الأولى اتخذت لنفسها من الجامع الأموي مثالاً يحتذى وقد زود هذا المسجد منذ تشييده في عهد الوليد بن عبدالملك بقبة فوق بلاطة المحراب، وهو ما تطور لاحقا إلى استخدام قبتين إحداهما في أول بلاطة المحراب من جهة الصحن والثانية فوق مربع المحراب في نهاية البلاطة وزاد الفاطميون بعد ذلك قبتين صغيرتين في طرفي رواق المحراب. ومن اللافت للنظر أن القباب في المساجد قد ظهرت لتحقيق وظائف أساسية أهمها زيادة كمية الإضاءة والتهوية بمنطقة المحراب وتضخيم صوت الإمام عند وقوفه للقراءة أمام المحراب بأسفل القبة مباشرة ولكنها سرعان ما أصبحت وظيفتها الزخرفية على ذات المستوى من الأهمية من ناحية الغرض الإنشائي فتبارى المعماريون في إكساب الخوذات من الخارج مظهراً جمالياً متفرداً ومبتكراً، بينما ترك أمر الزخارف بداخل القبة للفنانين من المزخرفين والخطاطين. أنماط معمارية ونظراً لتباين المواد التي شيدت بها القباب فقد تعددت أنماطها المعمارية وزخارفها تبعاً لتغير المادة البنائية، فظهرت القباب ذات المقطع نصف الدائري وكذلك المقطع المدبب في القباب المشيدة من الحجر والآجر على حد سواء ونظراً للإقبال الشديد على استخدام العقود المدببة في العمارة الإسلامية نظراً لاتساع فتحة العقد وارتفاعها مقارنة بالعقود النصف دائرية، فقد تسيدت القباب ذات المقاطع المدببة العمارة الإسلامية، وفي كل الأحوال كان استخدام الأحجار في تشييدها علامة على تمكن المهندسين من معالجة المشاكل الإنشائية الناجمة عن قوة رفص العقود أي مقاومتها وميلها للانفراط بسبب الجاذبية الأرضية. وتعد القباب الحجرية التي شيدها المماليك في مصر والشام، وكذلك القباب الضخمة للمساجد العثمانية من أهم الإنجازات الحضارية للفن الإسلامي المعماري والزخرفي. وإذا كانت هذه القباب صامدة إلى اليوم بوجه عاديات الزمن برهاناً ساطعاً على عبقرية المعماري المسلم، فإن زخارفها أيضاً تشرح بلسان بليغ عبقرية فنون الزخرفة الإسلامية. زخارف هندسية ففي الأسطح الخارجية للقباب المملوكية المشيدة بالحجر الجيري نرى شتى أنواع الزخارف الهندسية والنباتية وأبسطها على الإطلاق الضلوع التي تتماشى مع المقطع المدبب للقبة وهي محفورة حفرا في الحجر مثلما نرى قبة جوهر اللالا التي تعود للقرن التاسع الهجري. وهذا النمط من القباب المضلعة في حقيقتها محض تكرار لما رأيناه منذ وقت مبكر في قباب جامع سيدي عقبة بالقيروان، ولا يعد مما تفردت به القباب المملوكية، إذ نرى أيضاً هذا النمط من القباب المضلعة في مساجد إسلامية كثيرة منها مسجد بيببي هيبات في باكو عاصمة أذربيجان. ثم نرى أيضاً الضلوع تتخذ هيئة حلزونية تبدأ من نقطة مركزية بقمة الخوذة ثم تدور مع انحناءات عقد القبة وهناك أيضا الأشكال المتعرجة التي تشابه مثلثات متصلة مثلما نرى في قبة المدفن الملحق بمسجد قايتباي المحمدي بشارع الصليبة بالقاهرة، أما الإبداع الحقيقي لزخارف القباب فنراه في القباب المملوكية التي ازدانت أسطحها الخارجية بزخارف التوريق العربية «الأرابيسك» مثل قبة مدرسة قانيباي الرماح أمير آخور أي المسؤول عن الاصطبلات المملوكية وهي بميدان القلعة بالقاهرة وكذلك في قبة مدرسة خاير بك أول حكام العثمانيين لمصر بعد سقوطها بأيدي سليم الأول العثماني، وفي العديد من القباب المملوكية بمقابر المماليك في صحراء العباسية، ولم تعدم مثل هذه القباب استخدام خط الثلث المملوكي الذي كتبت به نصوص تأسيسية تدور حول رقبة القبة، والقباب المملوكية التي جاءت خالية من الزخرفة الخارجية مثل قبة الميضأة التي شيدها السلطان حسام الدين لاجين بصحن الجامع الأموي ازدانت من الداخل بخط الثلث الذي سجلت به آية الوضوء من سورة المائدة. وشيدت أيضاً القباب لتغطية قاعات الحمامات وفي هذه الحالة كانت تزدان بفتحات تغطى بالزجاج الملون لإضفاء طابع من النعومة المترفة مثلما نشاهد في قبة حمام بيت السحيمي بالقاهرة. مقدمة الحضارات القديمة عرفت تشييد القباب لتغطية المباني ورغم الاعتراف بأن العمارة الإسلامية استعارت في بواكير نماذجها أنماطا ومفردات شتى من عمائر ما قبل الإسلام، فإن تميزها في إنشاء وتزيين القباب يبقى علامة مهمة في تاريخ العمارة والفنون الزخرفية على حد سواء. وقد فاق المسلمون غيرهم من أصحاب الحضارات القديمة في ابتكارهم لأشكال وأنماط جديدة من القباب، فضلاً عن عنايتهم الفائقة بأمر تزيين القباب بشتى أنواع الزخارف، وتعد القباب المشيدة في العمارة الإسلامية أكبر معرض للفنون عرفته البشرية في تاريخها. الفسيفساء الرخامية والكسوات المزخرفة تفرد الأندلس بين ممالك الإسلام بالعناية المسرفة بزخرفة داخل القباب، وخاصة باستخدام الفسيفساء الرخامية والكسوات المزخرفة من الجص مثلما نرى في قبة جامع قرطبة وقباب قصر الحمراء بغرناطة. وساهم الشرق الإسلامي بسهم وافر في مجال إنشاء القباب وزخرفتها، فتميزت المدن الفارسية بعمائرها ذات القباب المدببة والتي تزدان من الداخل والخارج ببلاطات الخزف المتعدد الألوان، وهي تزدان غالباً بالزخارف النباتية والكتابية مثلما نرى في عمائر مدينة أصفهان. وكانت لأواسط آسيا وبالتحديد لمدن الأوزبك الرئيسة بخارى وسمرقند خلال عصر التيموريين إسهامات باهرة في إنشاء القباب المضلعة من الآجر وكسوتها بمربعات من الآجر المزجج والمزخرف بالزخارف النباتية والهندسية والكتابة، وتعد قباب شاه زنده في بخارى خير شاهد على الإبداع الفني البنائي والزخرفي للمسلمين في تلك الأصقاع، وقد تركت قبة مدفن تيمورلنك والمعروفة باسم غور أمير أثراً واضحاً على عمائر المسلمين حتى أن حاكم بخارى عندما منحه القيصر الروسي تيقولا الأول الإذن ببناء مسجد للمسلمين في العاصمة القيصرية سان بطرسبرج اتخذ له قبة تحاكي قبة غور أمير بألوانها الخضراء والزرقاء. بيضة الدجاج تعرف القباب السمرقندية بأنها تشبه بيضة الدجاج لارتفاع طبلتها، وهي معدودة بين الابتكارات العبقرية للعمارة الإسلامية في آسيا. أما الهند ورغم بساطة المظهر الخارجي لقباب مساجدها وروضاتها في عصر أباطرة المغول واعتمادهم على إبراز جمالها بالأحجار الحمراء أو المرمر الأبيض، فقد كانت سباقة لتزويد العمارة الإسلامية بالقباب البصلية والتي تعد عنواناً موحياً لشخصية الهند المعاصرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©