الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الحرب حتمية لإنقاذ الدولة العبرية أين و كيف؟

19 نوفمبر 2006 00:11
''أورينت برسِ'' - خاص: حين جال رئيس الحكومة الإسرائيلية ''ايهود اولمرت''، أخيراً، على الخط الأزرق، موحياً بأنّ الخطر زال عن الحدود، كان ثمّة رأي مخالف لضباط الميدان: الحرب المقبلة ليست بعيدة· ولكن لا جنوب لبنان الذي انتشر فيه الكثير من الخراب والذي يرفض فيه الناس أي حرب أخرى، ولا قطاع غزة الذي تهدِّد تل أبيب باجتياحه ثانية يحلاَّن المأزق السيكولوجي، والاستراتيجي، بل والايديولوجي في الدولة العبرية· الحرب ضرورية، وحتمية، ولكن أين وكيف؟ للمرة الأولى منذ ستة عقود تقريباً وزير للشؤون الاستراتيجية، ''أفيغدور ليبرمان''، الذي يقول بترحيل عرب ،1948 وبإزالة غزة من الوجود، وبإلقاء السجناء العرب في البحر الميت وبإعدام النواب العرب، يرخي بجناحيه الفولاذيين على حكومة ''ايهود اولمرت'' المهيض الجناح·· كي لا نفقد رؤوسنا من أطرف ما قاله أحد الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في الحرب الأخيرة ضد لبنان هو ''اننا كنا نعاني من نقص في المسكنات''، فالجنود الجرحى كانوا يعانون آلاماً مبرحة قبل ''العثور'' عليهم، ومن ثم نقلهم بطائرات الهليكوبتر إن تسنى ذلك، إلى المستشفيات· لكن جندياً آخر فاجأ الصحافيين بالقول: ''أعتقد أننا بحاجة أكثر إلى أقراص مهدئة كي لا نفقد رؤوسنا''· كيف يستطيع الجندي أن يتعامل مع تلك الظروف العصيبة بأعصاب مسترخية؟ قال ''اسحق مناحيم'': ''كان ذلك أفضل بكثير من التخبط الذي كنا نعيش فيه''، لافتاً إلى فضيحة إنزال صواريخ وقنابل وحتى مواد غذائية في المناطق التي يسيطر عليها ''الإرهابيون''، ليضيف: ''لم نكن ندري لماذا حصل كل هذا· لقد قالت لي أمّي مستغربة: كيف يبقى ذلك الرجل ــ أي ''ايهود اولمرت'' ــ في مكانه؟''· يقول الخبير الاستراتيجي الفرنسي ''ادغار غوراس'': إنّ الإسرائيليين الذين اكتشفوا أنهم لا يستطيعون أن يحاربوا إلى الأبد، وأن الآخرين يتغيّرون، سيكونون، في المرحلة المقبلة، أشد ضراوة في التعاطي مع الملفات الساخنة، ولا يمكن أن يذهبوا إلى السلام في ظروف كهذه، ولا بد من أن يخوضوا حرباً تنتهي بنتيجة باهرة· أعلى معدلات اليأس في نظره، إن الإسرائيليين يمضون في تلك الحماقة الدموية حين يهدّدون باجتياح قطاع غزة، مع أن أفضل ما فعلوه هو أنهم انسحبوا من تلك الترسانة البشرية التي قد تكون المنطقة التي تشهد أعلى معدلات لليأس في العالم· الأطفال يعتادون على القلق منذ نعومة أظفارهم، ومثلما تعلق الشهادات المدرسية، أو صور الآباء، على الجدران، تعلق البنادق· لا مستقبل إلا عبر فوهة البندقية· يسأل ''غوراس'': ''أليس هذا ما يقوله لهم اليأس؟''· الخبير الفرنسي مقتنع تماماً بأن الآخرين هم المسؤولون عن يأس هؤلاء الناس· ثمة ركام بشري يعاني من كل أشكال المشكلات: القهر، الفقر، الجوع، الأمّية، التلوّث، الضائقة الجغرافية، الجحيم اليومي عند الحواجز، الفصائل التي تقاتل بعضها البعض، الثرثرة السياسية والايديولوجية التي غالباً ما تؤدي إما إلى تسطيح الرؤوس أو إلى رفع منسوب العذاب والرغبة السيزيفية في فعل شيء ما، الانقطاع المنهجي في الكهرباء والماء، المرض، تراكم النفايات، أسراب البعوض التي يصفها البعض ساخراً، أو متذمراً، بأنها تشبه أسراب الأباتشي· بعد كل هذا يفكر ''ايهود اولمرت'' باجتياح غزة· يجتاح ماذا؟ هناك، وكما قالت الايرلندية ''انجلينا كورينغ''، وهي ناشطة إنسانية، حيث الناس ''نصف موتى ونصف أحياء''· هذا يجعلهم أكثر قابلية للتفاعل مع أي تعبئة ايديولوجية ''تؤمن لهم مكاناً لائقاً في السماء''· بلاهة هؤلاء··· على كل حال، المعلق الإسرائيلي ''يوئيل ماركوس'' يتحدث أيضاً عن ''بلاهة هؤلاء''· لقد حدثت فضيحة في جنوب لبنان· هل السبب هو الإهمال، أم الاستهتار بالطرف الآخر، أم الترهل الذي قد يكون النتيجة الطبيعية التي يواجهها مجتمع عاش، على مدى كل تلك العقود، استنفاراً عقائدياً، وعصبياً، لم يوصل إلى شيء· كان لـ''عاموس اوس'' أن يسأل ما إذا كان ''آرثر شوبنهاور''، الفيلسوف الألماني الشهير، والذي قال ذات يوم إنّ الزمن شاخ كثيراً وهو يحتضر، قد كان يقرأ هذه المنطقة ''التي يبدو أن الزمن مات فيها فعلاً''· لكن اللافت هو أن الجماعات المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة تنشط الآن، وعلى نحو واسع ''لكي لا تنتهي إسرائيل''، يقول هذا ''مايكل روث'' الذي (ويا للغرابة) يتهم ذلك العالم ''الذي تترعرع في داخله الثقافات الوثنية القاتلة'' بأنه يتواطأ أو حتى يتآمر على الدولة العبرية: ''إنهم يريدون أن يقفلوا الدولة كما لو أن أحدهم يقفل حقيبة فارغة''، إذ أن قيام إسرائيل، وإسرائيل الكبرى تحديداً، هو المدخل اللاهوتي لظهور الماشيح وخلاص البشرية· الأرواح لا الإنسان لا يكفي أن يقول الكاتب الشهير ''نورمان مايلر'' ''ربما كان علينا أن نخرج من بطن الخرافة''، فحين تقول الولايات المتحدة بالعولمة، يفترض أن تكون تقصد نشوء ثقافة كونية، مركبة بطبيعة الحال، وبالتالي الخروج من الثقافات الغيبية، بما فيها الثقافات القومية، التي، وكما كتب ''بنيامين فرنكلين''، تقوم على ''التفاعل بين الأسنان لا تفاعل بين الأرواح''· لا مسكنات، لا أدوية، لا أغذية، للجنود في ساحة المعركة، مع أنها الدولة التي حققت إنجازات هائلة في مجال التكنولوجيا العسكرية، ماذا يعني ذلك؟ مهمة أميركية بامتياز لا بد من البحث عن هدف أكبر بكثير من غزة· هناك دمشق، لكن الأميركيين، وإن قالوا بـ''الفوضى البنّاءة''، يخشون من الفيروس العراقي والانتقال إلى سوريا· هناك طهران التي قد تفاجئ الجميع، ذات يوم، بتجربتها النووية الأولى أو بالتفاوض، كما فعلت ''بيونغ يانغ'' من أجل ثمن كبير· ''افيغدور ليبرمان''، الذي أصبح وزيراً للشؤون الاستراتيجية، ومعه رئيس هيئة الأركان ''دان حالوتس''، يريان أنّ هذا هو ''الهدف الرائع''· المسافة مشكلة، الصواريخ مشكلة، الخيار النووي هو الخيار الوحيد· ولكن كيف لقاذفة أو قاذفات قنابل أن تقوم بتلك الرحلة الطويلة، ومن دون أن تكون هناك مشكلة بالنسبة إلى التزوّد بالوقود· ماذا إذا طرأ حادث ما، خطأ· الخيار محفوف بالمخاطر، ولا تستطيع أن تقوم به دولة مثل إسرائيل· هذه مهمة أميركية بامتياز، ولكن كيف تحل تل أبيب مشكلتها السيكولوجية؟ لا ريب أن هناك أزمة· ''ماركوس'' يطرح ذلك السؤال الذي يعني ما يعنيه: ''بعد نحو ستة عقود من قيام الدولة، نكتشف اننا بحاجة إلى وزير للشؤون الاستراتيجية· مَن؟ ''افيغدور ليبرمان''· هل بلغت بنا الرغبة في الانتحار ذلك الحد؟''· كان هناك بين العرب، ولا يزال، مَن يرى أن أفضل وسيلة لـ''إلغاء'' إسرائيل هي وقف الصراع معها· الجنرالات والحاخامات يقتاتون من الصراع· ولكن لنتوقف هنا عند ذلك الكلام الذي صدر عن أحد أنصار ''ليبرمان''· وصفه بـ''نائب الماشيح''، أي أنه الرجل الذي يمهّد، بالخراب الكبير، قدوم المخلص، وكما يوحي النص التوراتي· هذا الوعد بالخراب يتطابق مع شخصيته: إزالة غزة من الوجود، إلقاء المعتقلين الفلسطينيين في البحر الميت، إعدام النواب العرب الذين يلتقون قادة ''حماس''، إضافة إلى مسائل أخرى يراها ضرورية للبقاء· بالطبع، من دون أن ننسى خطته لترحيل عرب عام ·1948 الملك والوهج التوراتي إذاً، إنه الرجل الذي يصعد صاروخياً إلى منصب رئيس الوزراء· لا، لا، هو صاحب اقتراح تغيير نظام الحكم ليصبح رئاسياً· طموحه (الاستراتيجي) أن يصبح رئيساً للدولة· يتوّج ملكاً فيعيد الوهج التوراتي إلى المملكة اليهودية·· على الطرف الآخر، ينظر وزير الدفاع ''عمير بيرتس'' الذي -وكما تلاحظون- أضحى أشبه ما يكون برجل الثلج الذي لا أثر فيه إلا للشاربين الكثين، باهتمام إلى المبادرة الديبلوماسية العربية التي أقرّت في قمة بيروت عام ·2002 اهتمام حذر وخجول· لكن الصوت الذي يُسمَع الآن هو صوت الرجل الاستراتيجي لا صوت رجل الثلج·· حين زار رئيس الوزراء الروسي السابق ''يفغيني بريماكوف'' دمشق، قال ما معناه إنّ الظروف الراهنة ليست، قطعاً، لمصلحة العرب، فالفاعلية اليهودية (وبريماكوف من أصل يهودي) في الولايات المتحدة هي أكبر بكثير مما يتصوّر البعض· ماذا يفعل العرب إذاً؟ قال ضاحكاً: ''سارعوا إلى تشغيل أجهزة التكييف في قاعة الانتظار''· هل حقاً بالإمكان الانتظار في الثلاجة حتى يكتشف اليهود في إسرائيل أنهم أعجز من أن يبتلعوا المنطقة، وأنه لا خيار أمامهم سوى أن ''يستعربوا''· وللتذكير فإن المفكر اليهودي ''الفرد للينتال'' قال ذلك منذ 21 عاماً· المأزق نصفان، نصف عربي ونصف إسرائيلي! وجه واحد للحرب: الحكام··· يلاحظ الباحث السوسيولوجي ''دافيد شلومو'' ان الإسرائيليين عاشوا نوعاً من ''الحلم'' في بدايات الحرب على لبنان· كانوا بحاجة إلى ذلك الانتصار ''الذي يعيد ترتيب أحاسيسهم المفككة بشكل أو بآخر''·أما الآن، كما يتابع ''شلومو''، يبدو الإسرائيلي كما لو أنه نصفان: نصف مرئي ولا يزال يراهن على استراتيجية الأحذية الثقيلة، ونصف لا مرئي يعتبر أن الحرب، حتى ولو قادت إلى الغلبة، لها وجه واحد هو··· ''الحطام''· ''شلومو'' يحسم المشهد بالقول إن الإسرائيليين الأكثر خوفاً بعدما يزيد عن خمسة عقود على قيام الدولة، يفضلون في أعماقهم، أن يهبط عليهم السلام· السلام الذي يريدونه· هنا المشكلة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©