الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تايلاند... من التوتر إلى الاستقرار

31 أغسطس 2013 23:00
في وقت سابق من الشهر المنصرم، هزت «بانكوك» مظاهرات معارِضة للحكومة، في مشهد كان بالأمس القريب مألوفاً على نحو محزن. غير أن هذا الخبر غير السار ينبغي ألا يغطي على الخبر السار. فربما كانت الاحتجاجات شائعة ومألوفة جداً قبل فترة قصيرة من الزمن في تايلاند، غير أنه خلال العامين الماضيين أصبحت تلك الاحتجاجات حالة شاذة في الواقع، حيث انتقلت البلاد من حالة شلل تقريباً إلى قصة نجاح مزدهرة ومستقرة نسبياً. ومن المهم معرفة كيف تمكنت من القيام بذلك، ليس بالنسبة لسكان تايلاند الـ65 مليون نسمة فحسب، وذلك لأنه إذا استطاع بلد يعاني من حالة استقطاب شديدة مثل تايلاند أن يُبعد نفسه عن حافة الهاوية، فإن بلدان أخرى منقسمة على نفسها انقساماً عميقاً قد تستطيع القيام بذلك أيضاً. ولفهم الأشواط التي قطعتها تايلاند، علينا أن نتأمل ماضيها القريب. فتايلاند، التي تُسوق للسياح باعتبارها أرض الألف ابتسامة، أمضت معظم العقد الماضي تتقاتل مع نفسها. وقد بدأت المتاعب حقاً في عام 2006 عندما قام الجيش، بتواطؤ مع الملكيين والمحاكم، بإسقاط رئيس الوزراء «تاكسين شيناواترا» في انقلاب أشعل سنوات من معارك الشوارع بين أصحاب «الأقمصة الصفراء» – المدافعين عن النظام شبه الإقطاعي القديم – وأصحاب «الأقمصة الحمراء»، أنصار تاكسين من بين فقراء المدن والأرياف. فترة انتقلت خلالها السلطة السياسية أربع مرات أخرى في ظرف أربع سنوات. وفي يناير 2010، ردت الشرطة على احتجاجات ضخمة لأصحاب الأقمصة الحمراء عبر قتل أكثر من 90 متظاهراً، بينما أصيب 2400 آخرون واعتُقل المئات، ثم أخذ الاقتصاد في الهبوط. وبعد ذلك، في أغسطس 2011، أصبحت شقيقة تاكسين، ينجلاك شيناواترا رئيسة للوزراء. واليوم، وبعد نحو نصف ولايتها المؤلفة من أربع سنوات، تبدو تايلاند بلداً مختلفاً تماماً. فحسب «روتشير شارما»، مدير الأسواق الناشئة في «مورجان ستانلي»، فإن التوقعات الاقتصادية لتايلاند هي الأكثر إشراقاً منذ 15 عاماً: ذلك أن العملة ارتفعت، وأسعار الأراضي صعدت، والبورصة تضاعف حجمها بأكثر من أربع مرات منذ عام 2008. كما أن السياح عادوا، والشوارع باتت هادئة في الغالب الأعم (رغم احتجاجات أغسطس). وعليه، فكيف نجحت «ينجلاك»، التي كان يعتبرها البعض في البداية مجرد وكيلة لشقيقها المنفي، في تحقيق ذلك؟ الواقع أن الوصفة تبدو بسيطة على نحو مخادع: وفِّر حكماً لائقاً ونظيفاً، وتوصل لحلول وسط مع أعدائك، وركز على الاقتصاد. لقد أدركت «ينجلاك» أنها لن تحقق أجندتها الأكبر، وتحسِّن حياة الفقراء إذا لم تقم أولاً بتهدئة البلاد وتكمل ولاية كاملة في منصبها. وللقيام بذلك، كان عليها أن تمنح كل التايلانديين نصيباً في نجاحها. وهكذا، بدأت حملةً جريئة لتحفيز الاقتصاد وإصلاحه. صحيح أن بعض خطواتها، مثل الزيادة في الحد الأدنى للأجور بـ40 في المئة والدعم الحكومي لمن يرغبون في شراء سيارات، كانت موجهة مباشرة إلى قاعدتها من الطبقة الدنيا. ولكن خطوات أخرى، مثل 67 مليار دولار من الإنفاق على البنية التحتية وخفض الضرائب على الأشخاص والشركات، أفادت الأغنياء أيضاً. كما سعت إلى عقد تحقيق السلام سياسياً، فخطبت ود خصومها، وعقدت اجتماعات محترمة مع الملك القوي الذي يحظى بشعبية كبيرة – بل وحتى مع الجنرال الذي يفترض أنه كان وراء الانقلاب على أخيها. ووفق «تيتينان بونجسوديراك» من جامعة «تشولالونجكورن»، فإن «ينجلاك» عملت أيضاً على إشراك النخب من خلال عرض صفقة ضمنية معهم، حيث أبقت على امتيازاتهم وتركوها تتمسك بالسلطة. وهكذا، تركت الجيش وشأنه، ومؤخراً عينت نفسَها وزيرةً للدفاع حتى تضمن ألا يعبث أحد بصلاحيات الجيش. كما امتنعت عن تحدي الدستور، بما في ذلك قوانين سيئة السمعة تحظر انتقاد الملكية. وأبقت على الفساد، وهو مشكلة قديمة في تايلاند، عند الحد الأدنى. وضمنت أن أخاها، الذي مازالت الطبقة الأرستقراطية تخافه وتكرهه، سيظل في المنفى. هذه، من نواح عديدة، صفقة سمجة لأنها تعني أن على «ينجلاك» أن تتسامح مع كبح غير ديمقراطي لسلطتها وقمع حرية التعبير، كما أنه رغم قانون عفو تجري مناقشته في البرلمان حالياً، إلا أن بعض أنصارها من أصحاب الأقمصة الحمراء غاضبون، لأنها لم تقم بالمزيد من أجل عائلات الأشخاص الذين قُتلوا وسُجنوا من قبل الحكومة المدعومة من الجيش في عام 2010. ثم إنها صفقة هشة، وتعافي تايلاند يمكن أن ينتكس بسهولة؛ لأن أصحاب الأقمصة الصفراء المتعصبون يتحينون الفرصة للهجوم على رئيسة الوزراء بسبب الأخطاء من قبيل مخطط لزيادة سعر الأرز أتى بنتائج عكسية تماماً. ثم هناك أخطار أخرى تلوح في الأفق: ذلك أن الاقتصاد مازال يعتمد كثيراً على الصادرات كما أنه إذا كان الجميع يزداد غنى، فإن التفاوت يزداد. والواقع أن «ينجلاك» لم تمح الخطوط المقسِّمة لتايلاند بقدر ما غطتها، كما أن الصراع على السلطة الأساسي يمكن أن يندلع من جديد في أي وقت – وخاصة إذا عاد شقيقها أو إذا مات الملك، الذي يبلغ 85 عاماً الآن. غير أنه كلما دام بقاء تايلاند في حالة سلام وواصل اقتصادها النمو، كلما زادت احتمالات أن تتجذر السياسة الديمقراطية الحقيقية وتترسخ، وذلك حتى إذا ما واجهت تايلاند انقساماتها أخيراً، فإنها ستقوم بذلك عبر صناديق الاقتراع، وليس معارك الشوارع. والواقع أن العيوب التي تعتري صفقة «ينجلاك» هي جزء من عبقريتها، فحقيقة أن الجميع يشعر بالغضب من الهدنة التي تفاوضت حولها، يمثل مؤشراً جيداً، وليس سيئاً، لأنه يعني ذلك أن الجميع لم يحصل على ما يريد. وتلك هي الطريقة التي يُفترض أن تعمل بها التوافقات والحلول الوسط. صحيح أن ذلك قد يبدو فوضوياً، وهو كذلك في الواقع. ولكنها فوضى من النوع الذي لا يسع بلداناً أخرى مثل مصر أو فنزويلا أو زيمبابوي إلا أن تغبط تايلاند عليه في الوقت الراهن! جونثان تيبرمان مدير تحرير مجلة «فورين أفيرز» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©