الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قتل «الشيطان»

قتل «الشيطان»
24 أغسطس 2012
أحمد محمد (القاهرة) - اقتحم الرجل مكتب رئيس المباحث في قسم الشرطة وارتمى على المقعد القريب، وهو يردد لست قاتلاً، لست مذنباً ولا من أرباب السوابق، فلا مؤاخذة على من يقتل الشيطان لأنه يستحق القتل، لابد من التخلص من الشر، وهذا لم يكن فقط شريراً، بل هو مجمع شر، لا يمكن أن نطلق عليه لقب إنسان، فهو يفتقد الإنسانية وكل الأحاسيس والمشاعر، إنه إبليس في ثياب وهيئة آدمية، لا يسرق الأموال وحدها، وإنما الناس معها، لا يتورع عن فعل أي شي ولا يراعي حرمة لبيت ولا إنسان، لا يحفظ حقاً ولا يلتزم العرف، قذف بالعادات والتقاليد من خلفه، وضرب بالأخلاق عرض الحائط عالى الرغم من أنه تخطى الخمسين من عمره، هل مثل هذا يستحق الحياة؟. قال الرجل كلماته بسرعة وكأنه في عجلة من أمره ويريد أن يتخلَّص من كل ما بداخله لأنه يحمل على كاهله حملاً ثقيلاً، حاول الضابط أن يهدئ من نبرته ليفهم منه ماذا حدث، وإن كان في البداية اعتقد أنه أمام رجل مجنون يدعي أنه ارتكب جريمة قتل وجاء ليعترف بها وكثيراً ما يواجه مثل هذه الحالات، لكن خبرته علمته ألا يتعجل ويحكم على الأمر قبل أن يستمع إلى النهاية كل التفاصيل ويتأكد من صحة المعلومات. استأذن الرجل في إشعال سيجارة وراح ينفث الدخان في الهواء بقوة وهو يزفر زفرة تعبر عن الألم ومحاولة الارتياح أو التخفيف عمَّا يعتمل في النفس، وأكد وما زال الدخان يخرج من أنفه، إنه قتل الشيطان وتخلص منه إلى الأبد وليس نادماً على ذلك ولو عاد لقتله ألف مرَّة، فقد دمر أسرتي وسرق زوجتي واستولى على أطفالي، وتسبب في ضياع مسكني وجعلني مشرداً، وبعد هذا كله أوصلني إلى الجنون وكدت أفقد عقلي، تجنبته مع هذا كله، حتى جاء إلى طريقي، وجدته أمامي بالمصادفة، تشاجرنا وتبادلنا الضربات واللكمات، وجهت إليه طعنات عدة حتى سقط أمامي جثة هامدة بلا حراك في بركة من الدماء، كنت سعيداً بها وبوضعه وهو ملقى على الأرض وقد فقد الحياة تماماً، ذهب ولن يعود مرة أخرى. قبل أن يتم تحرير محضر بما قاله الرجل لابد من التأكد أولاً من صحة ما قاله، فاستدعى المحقق مجموعة من الضباط ورجال الشرطة المتخصصين في فحص مثل هذه الحوادث، ومعهم الرجل وانطلقوا بالسيارة إلى المكان الذي حدده لهم، ولم يكن مسرح الحادث بعيداً إذ بعد حوالي عشر دقائق وصلوا إليه، كان المارة قد تجمعوا حول الجثة وامرأة أخرى تولول بجانبها، فأشار إليها الرجل، وقال لضابط المباحث وهذه هي النصف الآخر للشيطان، وكان يجب أن تموت حتى لا يبقى له ذيل في الحياة، وبالفعل همّ ليعتدي عليها لكنهم منعوه، وقام رجال الشرطة بتخطيط الحادث وسماع أقوال بعض الشهود الذين حضروا الواقعة، وإن لم يكونوا بحاجة إلى أقواله لأن الرجل يعترف من تلقاء نفسه ومن دون أن يسأل، والواقعة لا تنقصها الأدلة، وتم نقل الجثة إلى المشرحة لحين حضور الطبيب الشرعي لتشريحها وإعداد تقريره بالإصابات وأسباب الوفاة. عاد الضابط بالمتهم إلى قسم الشرطة لتحرير المحضر، وكان السؤال الأول كافياً ليتحدث بلا انقطاع أو توقف، عندما سأله ماذا حدث ولماذا؟، قال كان لديَّ محل صغير لبيع الملابس، بضاعته رائجة أعمل فيه مع بعض من يساعدونني من الصبية أو الفتيات أحياناً لا يزيد عددهم على اثنين، فالمحل بسيط، وليس بحاجة إلى عمالة كثيرة، حياتي تسير عادية، حتى جاءت فتاة تشتري مني بعض الملابس، فتعلقت بها، فهي جميلة حقاً أو هكذا كنت أراها، ولم أر في الدنيا مثلها اعتقدت أنها جميلة الجميلات، وترددت على المحل مرات عدة كان لابد أن استغلها لأعرف ظروفها، فهي حاصلة على مؤهل متوسط ولا تعمل وتقيم في مربع سكني قريب من هذا المحل، واتفقت معها على تحديد موعد عاجل مع أبيها لأتقدم لخطبتها رسمياً، فليس لديَّ وقت كي أضيعه وأخشى أن يسبقني إليها آخر وقد أصبحت أسيراً لحبها. رحبت أسرتها بي، وبعد أسابيع عدة وضعوا شروطهم التي استجبت لها جميعاً بلا معارضة أو نقاش، فلا أريد عراقيل أمام إتمام تلك الزيجة التي أرى أنها من الأحلام، وحتى عندما انبرت العروس واشترطت أن أكتب شقة الزوجية باسمها، وافقت ولم أعترض معتبراً أنني وهي شخص واحد، ولا فرق بين أموالي وأموالها وما أملك وما تملك، فهذه كلها مجرد أوراق لا قيمة لها، وأشعر بيني وبين نفسي أنني أملك الدنيا بأسرها، وهي معي، فكيف أفكر في شقة صغيرة، وعندما وجدوا موقفي هكذا اطمأنوا لجديتي وأنني سأحافظ على ابنتهم. كل يوم يزداد حبي لخطيبتي، وهي تتردد عليَّ في المحل بين الحين والآخر أو نخرج في نزهة معاً نحلم بمستقبلنا وعشنا السعيد الهادئ، وكلما ادخرت مبلغاً وضعته على ما معي حتى اكتمل ثمن شراء شقة متوسطة في منطقة قريبة من المحل ومن مسكن أسرتها أيضاً، ولم أتراجع في الوعد السابق، وتم تحرير عقد الملكية باسمها، وبدأنا بعد ذلك التأثيث قطعة بعد الأخرى ولم تساهم أسرتها بأي شيء مستغلين تمسكي وارتباطي بالفتاة واندفاعي نحوها واستعدادي للتضحية بحياتي من أجلها، ولم يكن تقاعسهم يسبب لي أي ضيق أو تبرم، فتلك شكليات لا أريد أن أتوقف عندها حتى من نصحوني بالتريث وإعادة حساباتي حكمت عليهم أنهم مخطئون فلن أسمح لأحد أن يتدخل بيني وبين أصهاري ولا أتقبل نصائح في جوانب لا قيمة لها لن تقدم ولن تؤخر، والأهم أنني أتعجل الثواني حتى تكون خطيبتي في بيتي ونتزوج على وجه السرعة. تم الزواج وأنا أكاد أطير من السعادة، وأصبحت عبداً مملوكاً لزوجتي تأمر فأطيع، أحاول أن أجعلها أسعد زوجة في الدنيا، أعمل ليل - نهار لأوفر لها حياة أفضل بكثير من التي كانت تحياها في بيت أبيها، لا أرد لها طلباً ولا أناقش، فقط استجيب لأحلامها أحولها إلى حقائق، تغاضيت وأغمضت عيني عن مبالغتها كثيراً في المطالب وإسرافها في الإنفاق، أريدها ملكة متوجة لا ينقصها شيء مهما كان، حتى عندما كانت تدعي الخصام أو تتبرم من التأخر في الاستجابة لمطالبها لا أتحمل ذلك وقد اقترض لتلبية مطلبها لأنني لا أستطيع أن أتحمل رؤية عبوس على وجهها أو تعبيرات القلق أو عدم الرضا. ازدانت حياتنا بطفلين جميلين رزقنا الله بهما واحداً تلو الآخر، والسعادة تعمنا، ولا توجد لزوجتي شكوى إلا من انشغالي في عملي لأوقات طويلة، وما فعلت ذلك إلا كي أستطيع تلبية مطالبها الكثيرة التي لا حدود لها، ولم أجد عن ذلك بديلاً، لكنها بطريقتها المعهودة استغلت حبي لها وبدأت تمارس ضغوطها لكى تعمل للخروج من حالة الملل التي تعاني منها، ورفضت كثيراً، لكن إلحاحها يزيد وإصرارها كما هو وفي النهاية وافقت بشرط أن تهتم بالطفلين ولا تهمل شؤون البيت، فقبلت واجتهدت في الأسابيع الأولى في محاولة التوفيق بين البيت والعمل، لكن سرعان ما بدأت تشكو من عدم قدرتها على ذلك، وأهملت الصغيرين، ولم تعد تهتم بي على الإطلاق. بعد أشهر عدة من التحاقها بالعمل أصبحت زوجتي عصبية جداً لا تطيق الحديث ولا النقاش ولا تقبل الحوار، حتى الدلال الذي كانت تلجأ إليه عندما تمارس ضغوطها عليَّ لأستجيب لمطلبها لم يعد موجوداً، فأقوم بأعمال المنزل ونعتمد في معظم غذائنا على الوجبات الجاهزة التي مللناها، والأسرة مفككة لا نلتقي في أي وقت، وتحملت ذلك كله من أجلها وحفاظاً على الصغيرين اللذين لا ذنب لهما فيما يحدث، لكن زوجتي استمرت في تصعيد المشكلات المختلقة، إلى أن اصطحبت الصغيرين وعادت بهما إلى بيت أبيها وعندما توجهت لمصالحتها وإعادتها على الرغم من أنني لم أخطئ في حقها لم تقابلني وطلبت مني أسرتها أن أتركها لبعض الوقت حتى تهدأ، ولم أستطع البقاء وحدي في شقة الزوجية وتوجهت للإقامة عند أقاربي، فلا أطيق الحياة هنا من دونهم. وطالت فترة غضبها حتى اكتشفت أنها قامت ببيع الشقة وأقامت دعوى خلع ضدي، وبالفعل حصلت على حكم وأخذت الطفلين بصفتها حاضنة لهما، لكن كل ذلك يهون أمام الكارثة الكبرى التي اكتشفتها، فقد كان الشيطان وراء كل ما حدث من خراب ودمار في بيتي، وقد خسرت كل شيء، كان هذا الشيطان هو زميلها في العمل يكبرها بعشرين عاماً، متزوج وله خمسة أولاد، ومع ذلك زين لها أعمالها وأعماله، وبعد حكم الخلع تزوجها عرفياً، جن جنوني وفقدت عقلي، هذا كله يحدث وأنا غافل بعدما استأمنتها على بيتي وحياتي وأطفالي، الحقيقة أكثر من مرَّة. لم أعد أريد شيئاً منها إلا الطفلين طالبت بهما فرفضت، وتذرعت بالصبر إلى أن تحين فرصة وأحصل عليهما، واليوم وبالمصادفة البحتة وجدت الشيطان والشيطانة يسيران معاً في نزهة، فاقتربت منهما وطالبت بالولدين، فدفعني حتى كدت أقع على الأرض، أمسكت به تلاكمنا وتبادلنا الضربات كان لابد من وضع نهاية لحياة هذا الشيطان فلمحت سكيناً عند بائع أسماك والتقطتها وانهلت عليه طعناً حتى فارق الحياة، بينما فرّت الشيطانة هاربة ولو وجدتها لقتلتها، مع أنني لست قاتلاً وما زلت مُصراً على أن من يقتل الشيطان ليس مجرماً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©