الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دروس العميد..

دروس العميد..
2 يناير 2013 20:31
مرت ذكرى وفاة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين -26 أكتوبر- في صمت تام، فلم يعـد يتذكره سوى قلة من المهتمين بالأدب والفكر والاسـتنارة، وهذا ما يفســر اهتــمام الناقد طلعـــت رضـوان بتقديم جــديد لكتاب “من بعيد”، وهو واحد من أهم كتب طه حسين، المنسية وطبع عام 1935 ولم يطبع ثانية في مصر، وإن صدرت منه طبعة في الخمــسينيات ببيروت. “من بعيد” يضم مجموعة من المقالات والدراسات كتبها طه حسين بين عامي 1923 و1930، ولذا نجد أن أسلوب العميد في بعض هذه المقالات لم يكن قد نضج واكتمل على النحو الذي عهدناه، فنجد عنده قدرا كبيرا من الحماسة والاندفاع في بعض الأفكار التي يقدمها بسرعة من دون التحليل الوافي والشامل الذي عرف به فيما بعد في تقديمه لأفكاره. بين زمنين اختار العميد هذا العنوان لأن معظم مقالاته كتبت وهو خارج مصر، والسفر أو البعد يترك في الكاتب أثرا فنيا خاصا، ويجعله اكثر حنينا لوطنه وبلده، فيفكر فيه على نحو خاص وربما بعمق أكبر، وهو أيضا يقصد البعد الزمني، المقالات التي جمعها عام 1935 كان قد انتهى من آخرها قبل خمس سنوات كاملة، لكن يبدو أن طه حسين كان يريد أن يقول شيئا آخر، هو المقارنة بين زمن وزمن، زمن الكتابة وزمن النشر، كانت هناك في البداية حكومة سعد زغلول التي أقيلت عقب مقتل السردار الانجليزي عام 1924 ثم جاءت حكومات الأقلية ولم يكن طه حسين على وفاق مع هذه الحكومات، وهاجم بضراوة سعد زغلول، عندما كان رئيسا للحكومة وحذر من كاريزما وزعامة سعد زغلول، فلم يعد الناس يفكرون وهو موجود، لأنهم يطمئنون إلى أن الزعيم يفكر لهم، والزعيم يعبر عنهم وهو يقرر لهم، وكان د. طه قلقا من قوة شخصية سعد، بعد ذلك جاءت حكومة الأحرار الدستوريين وأثيرت أزمة كتاب في الشعر الجاهلي عام 1926. وفي عام 1930 جاءت حكومة صدقي باشا التي أسقطت دستور 1923، وأقامت دستورا آخر، وطرد طه حسين من الجامعة عام 1932، وقد كان عميدا لكلية الآداب بها، وتم إسقاط حكومة صدقي في نهاية 1935، وعانى طه حسين من هذه الحكومة كثيرا، لذا نراه يقارن في الكتاب بين ما كان قائما وقت الكتابة وما هو كائن وقت النشر، يقول بمرارة وأسى: “كنا في تلك العهود أحرارا نفكر ونقول، كنا نلقى ألوانا من المقاومة فلا تزيدنا إلا طموحا إلى الحرية وإمعانا فيها، وكنا ننظر إلى الجهاد في سبيل الرأي وحرية الرأي على انه حاجة من حاجات الحياة وضرورة من ضرورات الوجود الحر، فأين نحن من هذا الآن؟”. ظلم واستبداد ويحاول أن يقدم الإجابة بالقول: “كنا نشكو أحيانا ظلم الحكومات وجنوحها إلى الاستبداد ونصرتها للجمود، ولكن كنا نجد الشعب دائما مواتيا يمنحنا نصره ووده وعطفه وتأييده. أما الآن فقد اشتد عنف السلطان وأسرف في الشدة حتى اضطر الكتاب والخطباء إلى أن يفكروا ويقدروا ويطيلوا التفكير والتقدير قبل أن يكتبوا أو يقولوا”. ويضع طه حسين يده على متغير جديد ظهر في الساحة المصرية بقوة منذ الثلاثينيات وهو وجود تيارات وجماعات سياسية أو حزبية لا تعبأ بالحرية ولا بالديمقراطية، ليس ذلك فقط بل تساند الديكتاتوريات، وخاصة ديكتاتورية صدقي، يقول “وقد وجد الاستبداد الرسمي لنفسه أنصارا أو أعوانا من طبقات الشعب لم يكن ليظفر بهم من قبل، فوجدت أحزاب مهما تكن ضئيلة قليلة الخطر فهي منظمة تناصر الجور والاستبداد، وتدعو إلى التأخر والرجوع إلى وراء”. ولا غرابة في ذلك لديه، إنها نتيجة طبيعية لتراكمات كثيرة وعديدة “كثر الاضطراب في نظمنا السياسية وطال عهد البلاد بحكومات لم تكن تقدر الحق ولا العدل ولا القانون، ولم تكن تقصر في التماس الأعوان ولا الأنصار بألوان الترغيب والترهيب، فليس الغريب أن توجد الأحزاب التي تكره النظر إلى أمام وتحب النظر إلى وراء وإنما الغريب ألا توجد والغريب أيضا أن تكون من الضعف والضآلة وقلة الخطر بحيث هي الآن”. ذلك ما رآه وكتبه طه حسين في عام 1935، ترى ماذا لو كان ذلك الرجل - المبصر الوحيد - بيننا الآن ويرى ما يحدث في مصر وفي عالمنا العربي؟ الدين والعلم يضم الكتاب دراسة مطولة حملت عنوان “الدين والعلم” يتعرض فيها لدستور عام 1923 وخاصة المادة التي تنص على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي، صحيح أن الدستور كان قد أقر وعمل به، كتبت الدراسة عام 1927، لكن ذلك يعني أن القضية كانت لاتزال مطروحة للنقاش، ويرى هو أن هذه المادة لا تزيد على أنها تقر واقعا قائما، حتى لو لم يتم النص عليه في الدستور، ويلاحظ هو أن أقباط مصر تحديدا كانوا الأكثر قبولا بهذه المادة وترحيبا بها، لكنها أحدثت انقساما بين المسلمين انفسهم، لأن كل فريق فهمها على وجه من الوجوه، وكان هناك قدر من التناقض بين وجهات النظر، الدين والعلم والعقل عنده لا تناقض بينها ولا عداء، منشأ العداء يأتي من السياسة والسياسيين الذين يحاولون توظيف واستخدام الدين وكذلك العلم فيما يقومون به من أفعال وممارسات، القضية لا تزال مطروحة إلى اليوم للنقاش الواسع والخلاف البين والحاد خاصة في مصر. في أبريل 1923 شارك الدكتور طه حسين في مؤتمر للعلوم التاريخية عقد في بروكسيل، وكان المصري الوحيد الذي شارك فيه بدراسة علمية، وكتب عدة مقالات عن هذا المؤتمر، ولنقل قام بتغطية صحفية وثقافية للمؤتمر، ومن هناك يطلق صيحة للأزهر، يقول “لو أني من علماء الإسلام، ولو أن لي كلمة مسموعة بين علماء الإسلام، لاقترحت وألححت في الاقتراح أن تدرس اللغات الأجنبية الإسلامية في الأزهر الشريف، وأن تكون هناك فصول تتخصص في درس الفارسية وأخرى في درس التركية وأخرى في درس اللغات الإسلامية التي ليست تركية ولا فارسية، فمن المؤلم ومن المخزي أن تدرس كتب الدين التي كتبت بالفارسية أو بالتركية أو بلغة أخرى من لغات الهند مثلا، في فرنسا وانجلترا وألمانيا وأميركا وأن يجهلها علماء الأزهر الشريف”. حدث ما نادى به طه حسين عندما تأسست بالأزهر كلية اللغات والترجمة، وكان ذلك بعد سنوات من صدور قرار تطوير الأزهر في عام 1961.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©