الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحجارة المصقولة بيعها مصدر رزق واستخدامها وجاهة طبقية

الحجارة المصقولة بيعها مصدر رزق واستخدامها وجاهة طبقية
4 يناير 2010 23:15
لعل مما يخلد في ذهن المسافر إلى الولايات الشرقية للجزائر انطلاقاً من العاصمة عبر الطريق الوطني رقم 5، هو تلك المساحات الأرضية الواسعة التي تغطيها أكوامٌ من الحجارة، ولكنها ليست كباقي الأكوام الفوضوية التي تنفر الرائي، بل هي متراصة بأشكال جميلة تلفت انتباه عابري السبيل، فلا يملك الكثير منهم سوى التوقف والنزول لمعاينتها والسؤال عن أسعارها. مناطق تتعدى مساحة بعضها هكتاراً حوِّلت إلى ما يشبه “محال مفتوحة في الهواء الطلق” لا جدران لها ولا أسقف، سوى غرف صغيرة بمحاذاتها اتخذها أصحابُها كـ”مكاتب” خلفية لإتمام عمليات البيع والشراء. وفي هذه المساحات تُعرض تشكيلات مختلفة من الحجارة المختلفة الأحجام والأشكال والألوان، وقد تفنن أصحابها في عرضها لجذب الزبائن. وأغلب محال الحجارة المصقولة تقع في قرى وأرياف “منطقة القبائل” الأمازيغية، وتحديداً تلك المُحاذية للطريق الوطني رقم 5، حيث يجد شبابُها في الموقع الاستراتيجي ومرور مئات الآلاف من السيارات والمرْكبات المختلفة عبر هذا الطريق الوطني يومياً فرصة للاسترزاق والثراء من خلال عرض سلع عديدة على عابري السبيل ومنها الحجارة المصقولة. ومن خلال تأمل هذه الحجارة يظهر البون شاسعا بينها وبين الحجارة العادية التي يحلو للريفيين عادة ً تشييد بيوتهم بها؛ فالمصقولة أصغر حجماً وأكثر استجابة للتقويم بالمطرقة الحديدية، والأهم من ذلك أنها أجمل شكلاً وأكثر جاذبية للرائي من الحجارة العادية سواءً كانت على شكل أكوام أو بعد بنائها، حيث تظهر البيوت المبنية بالحجارة الصغيرة المصقولة أكثر فخامة ومهابة من البيوت المشيدة بالحجارة العادية المعروفة، ولذلك أصبحت رمزاً للتميز الطبقي. مادة أولية يقول صياد مفتاح، الذي يملك “محلا في الهواء الطلق” لهذا النوع من الحجارة بمنطقة “آث منصور” 165 كلم شرق الجزائر العاصمة، إن زبائنه عادة ما يكونون من الأثرياء والوجهاء والباحثين عن التميُّز، فهم يتقنون هذا النوع الرفيع من الحجارة لتشييد فيلات وقصور فخمة، ومعظمهم من الجزائر العاصمة، كما جذبت أيضاً انتباه رعايا وسياح من تونس والمغرب فاقتنوها منه. وتجلب هذه الحجارة على شكل “مادة أولية” أو أكوام من مناطق مختلفة بالجزائر ثم تقوَّم في هذه “المحال” وتُعرض للبيع في أشكال جميلة؛ الحجارة الرمادية الصغيرة المائلة إلى السواد تُجلب من الجبال القريبة من المنطقة، وهي جبال ذات تضاريس خاصة حيث تتكون من طبقات صخرية متراصة، أما الأنواع الأخرى، وهي على شكل صفائح أو قطع حجرية طويلة تشبه قطع البلاط، فتُجلب من مناطق بعيدة؛ الحجارة الصفراء يُأتى بها من ولاية البَيَّضْ التي تبعد 900 كم عن المنطقة، فضلاً عن حجارة ذات ألوان متداخلة تسمى “قوس قزح”، بينما يُؤتى بالحجارة الحمراء من منطقة “العين الصفراء” غرب الجزائر، والبيضاء من ولاية “الأغواط” بالجنوب الغربي، وبهذا الصدد يقول الشاب صياد: “إنها مهنة متعبة، فالطريق بالشاحنة إلى البيض يستغرق 4 أيام ذهاباً وإياباً، بينما تصل المسافة إلى “العين الصفراء” إلى أكثر من ألف كيلومتر، التكلفة عالية جدا، ولكن عزاءنا أن المهنة مربحة وأنا أشتغل بها منذ عام 1990”. أخطارٌ مميتة الإجابات لم تختلف كثيراً في مناطق ريفية أخرى عديدة تتوفر بها هذه السلع، وفي إحدى المناطق وجدنا شابا يصلح شاحنته تمهيداً لجلب الحجارة المصقولة من مصادرها. وأبدى رضاه عن هذه المهنة التي ورثها عن أبيه وهو يشتغل بها منذ نعومة أظافره، إلا أن الحسرة ملأت صوتَه فجأة وهو يتذكر معاناة الشبان الفقراء الذين يعملون في اقتلاع هذه الحجارة من الجبال لإعالة أسرهم، فيقول: “بعضهم تعرضوا للسقوط أثناء عملية الاقتلاع أو سقطت عليهم الحجارة فأودت بحياتهم وآخرون أصيبوا بعاهات مستديمة سببت لهم العجز عن العمل، لاسيما وأنهم لا يستطيعون الاستفادة من التعويض عن تكاليف العلاج ولا عن حوادث العمل لأنهم غير مستفيدين من التأمين والحماية الاجتماعية، فهم يعملون بطريقة فوضوية منذ سنوات طويلة، أما المحظوظون الذين سلموا من مثل هذه الحوادث فلن يستفيدوا من التقاعد مستقبلاً، هؤلاء يغامرون بحياتهم لإعالة أسرهم بينما يشيِّد غيرُهم قصوراً فخمة من ثمار جهدهم للتباهي بها أمام الآخرين”. ويشير إلى أن معظم بائعي الحجارة المصقولة في هذه “المحالّْ” لم يسوُّوا وضعيتهم القانونية مع الضرائب، ولم يشتركوا في صندوق التأمينات الاجتماعية. مجالات استعمال الحجارة المصقولة لم يعد استعمال هذه الحجارة الجميلة مقتصراً على الفيلات الفخمة، وبخاصة في الجزائر العاصمة، بل امتدَّ أيضاً إلى بناء أسوار المساجد والحدائق العمومية وتبليط قواعد الجسور، علماً أن استعمالات الحجارة المصقولة مختلفة؛ فمنها ما يُستعمل لبناء الجدران الخارجية للفيلات والحدائق العمومية، ومنها ما يستخدم بدلاً لبلاط المباني وكذا القواعد الإسمنتية للجسور، حيث تبيَّن أن الحجارة الطويلة المصقولة على شكل صفائح رقيقة أكثر مقاومة للرطوبة من البلاط العصري، فضلاً عن أنها أكثر جمالاً ومتانة ولذلك تتوسع مجالات استعمالاتها يوماً بعد يوم.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©