الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

د· فالح حنظل: بعض المخطوطات ممنوع من التداول والنشر!

د· فالح حنظل: بعض المخطوطات ممنوع من التداول والنشر!
3 مارس 2009 00:19
يمثل التراث العقل الجمعي للأمة، كما يمثل هويتها الشخصية الذاتية، ويحفظ وحدتها وكينونتها التي تنتقل من جيل إلى آخر· ولعل أهم ما يحفظ التراث ويؤرخ له وينقله إلى الأجيال، هم جنوده العظام الحافظون له، المؤرخون الذين يتصدون لحفظه وتضمين وقائعه في كتب ومؤلفات تُعدّ خزائن الكنز· ويتصدر قائمة المؤرخين في الإمارات، الدكتور فالح حنظل، الذي حمل لقب ''شيخ المؤرخين'' نسبة إلى سنوات اشتغاله الطويلة في المؤلفات التاريخية والتراثية، إذ قدم للمكتبة العربية 25 مؤلفاً، ما بين معاجم وكتب ودواوين وبحوث وتحقيق كتب، تتصل في معظمها بتاريخ وتراث الإمارات·خلال تجربته الطويلة التي امتدت لأربعين سنة في مجالي التاريخ والتراث· آمن الدكتور حنظل بأن ''التراث'' ضرورة لنا· والاهتمام به والتمسك بمفاهيمه وإبرازه والتفاخر به، واجب قومي مقدس، يجب أن يفرض على أبناء الأمة، ليكون هدفهم الذي يسعون إليه إلى جانب أهدافهم المقدسة الأخرى·· وهم إيمان التزم به قولاً وفعلاً وفكراً وإبداعاً· أهمية واهتمام يشير د· حنظل بداية إلى أهمية التراث بالنسبة للإمارات، فيقول:''تتعاظم أهمية حفظ التراث في مجتمع الإمارات أكثر من غيره في المجتمعات الأخرى، بسبب التحولات الاجتماعية الكبيرة والسريعة فيه وتعرضه لموجات بشرية من كل شعوب العالم سكنت فيه وجلبت الكثير من تراثها إليه، ولم تقف عند هذا الحد، بل راحت في كثير من الأحيان تحاول أن تفرضه على أرض الواقع· فتصدت لهذه الظاهرة المراكز التراثية في الدولة، وبدفع ومباركة من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ''رحمه الله'' وصحبه الكرام حكام الإمارات، قامت في الدولة مراكز تجمع تراثها وتاريخها، كما انصرف الكثير من شباب الإمارات وبجهود فردية غير منظمة أي لا تتبع الأساليب الحديثة في البحث العلمي بالقيام بجمع المواد التراثية كالأمثال والأشعار والحكايات إلى غير ذلك· وكانت الجهود مبعثرة لم تجتمع تحت مظلة مركزية واحدة تجمعها وتحققها وتنشرها''· ويضيف: ''يعتقد الكثير من الناس أن ''تراث الإمارات لم يجمع وأن تاريخها لم يكتب''! وهذا الإدعاء ليس خطأ ولكنه غير دقيق، فكل المواد تم جمعها وكل شيء تمت كتابته، لكن تنقصه الهيئة المركزية العلمية الأكاديمية التي تحققه وتنشره، وهذا الأمر يدرج تحت مادة التقصير في الإعلام التراثي ومثله التقصير في الإعلام التاريخي للدولة''· خلط المفاهيم ويرى د· حنظل أن ثمة خلطاً لدى الكثير من الناس أو الباحثين، بين مفهومي التاريخ والتراث، ويقول: ''يتصور أكثر الباحثين التراثيين أن عرض شكل الحياة الماضية السابقة في الإمارات هو التراث، مثل بناء ''العريش'' أو عرض ما كان موجوداً من أثاث داخله، أو عرض صنوف الصناعات القديمة وغيرها من مواد توحي بالقدم والعتق بأنها تراث· وتظهر في الصحف أحياناً صور لقلاع مهدمة وبيوت قديمة وتحتها كتابة تقول ''من تراثنا'' وكأن البيت المهدّم يمثل التراث، إنه ليس تراثاً بل أثر تاريخي، نشتق منه علم الآثار· مما لا شك فيه هو أن هناك ترابطاً وثيقاً بين التراث والتاريخ، بل إن الحديث عن أحدهما لابد وأن يجرى الحديث عن الآخر، غير أن التفريق بينهما أمر لازم، بل واجب على المحقق الباحث لكي يتمكن من أن يفي كل موضوع حقه إيفاءً تاماً''· وعن التفريق بين المفهومين، وتعريف كل منهما، يوضح د· حنظل، ويقول: ''إن الجذر اللغوي لكلمة ''تاريخ'' هو أرخ يؤرّخ أرخاً وتأريخاً، أي جعل له وقتاً· أما ''التراث'' فإن جذرها اللغوي، إرث، وأوصل الهمزة واواً، والإرث في الحب والنسب، أما الورث والميراث فهو في المال· فإذا قيل إن فلاناً على إرث من كذا، أي على أمر قديم توارثه الآخر من الأول''· ويسترسل مضيفاً: ''التاريخ غير التراث رغم شدة الترابط بينهما، فالتاريخ يروي الماضي وحكاياته التي انتهت· كأن يقال حروب الرعاة أو الحروب الصليبية، فتلك الحروب تاريخ انتهى· أما إذا قلنا إن الإيمان بالرسالة السماوية المحمدية هو الذي نصر العرب في الحرب فهذا تراث، لأن الإيمان بالإسلام هو أهم التراث عند العرب·· لذا فالتاريخ منته أما التراث فهو باق''· التراث والحداثة وعما إذا كان التراث يمتلك صلاحية البقاء، يقول: ''قد يشتط المؤرخ في ذكر الأحداث ونتائجها، والناس قد يختلفون في تفسيرها وتحليلها· أما التراث فهو باقٍ بيننا ورثناه من أجيالنا السابقة ويتمثل في السلوك والرموز والأمثال والأشعار والأقوال المأثورة والحكمة والأخلاق إنه مجموعة المعارف والمعتقدات والأدب والفن والقانون والعادات والتقاليد والأخلاق وكل الممارسات التي اكتسبناها منهم ولا نزال مغارسها، فإذا كان ''العريش'' قد تم وضعه في المتحف لأن أحداً لا يسكن ''عريشاً'' في يومنا هذا فإن الأخلاق السامية الموروثة عن أجدادنا لازلنا نعيشها''· ويضيف: ''هذا التراث وإن كان يتأثر أحياناً بمؤثرات خارجية، ولكنه يملك صلاحية البقاء والتفاعل مع الواقع الراهن ويندفع بالتطور إلى الأمام· خاصة حينما يتحدث البعض ويعتقد أن الاهتمام الزائد بالتراث يتم على حساب الاهتمام بالحداثة، ولهؤلاء أقول: إن الحداثة لا تعني رفض التراث ولا القطيعة مع الماضي، بقدر ما تعني الارتفاع بطريقة التعامل مع التراث إلى المستوى الذي تسميه المعاصرة· وإذا أردت أن أضرب مثلاً معاصراً لذلك فهو المرأة الحديثة في الإمارات إنها حافظت على كل التراث الخلقي لأمها وجدتها، وفي الوقت نفسه ملأت الساحة الثقافية والعملية في الإمارات في يومنا هذا بشكل لم يكن متاحاً لأمها وجدتها سابقاً''· إصدارات قيّمة قدم الدكتور حنظل خلال تاريخه إصدارات عديدة في التراث الثقافي الخاص بالإمارات، يشير إلى بعضها، ويقول: ''إن التاريخ الثقافي للإمارات يتمثل بالتراث الفكري، أي ما قدمته الأجيال السابقة من أدب مكتوب أو قول مروي، وهو ما أثار اهتمامي منذ أربعين عاماً تقريباً، خلال إصداري الأول ''معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية'' وهو بحث ميداني اعتمد على النقل الشفاهي والبحث العلمي، أعقبه إصدار أول ديوان شعر نبطي مشروح ثم تعاقبت المؤلفات والتحقيقات فبلغت العشرات''· ويستدرك قائلاً: ''إن اهتمامي بالوقوف على النتاج الفكري للسلف السابق، انما مبعثه الاهتمام بروحية الشعب وتجاربه· وهو أسر له أهمية قومية بالغة في عصرنا هذا لأننا يجب ألا نقبل دون نقد الآراء التي تساق في كثير من الأحيان بأن التاريخ الثقافي لأهل الإمارات لم يكن موجوداً، أو أنه إذا وجد فهو صغير وقليل لا يسوى أن نبرزه· لقد كنت في بحثي عن ثقافة أهل الإمارات، أفتش عن كل العلوم المتيسرة عندهم والتي صدرت على شكل أدبيات مكتوبة أو مروية· فالأدب ما يصل إلى الناس في عمومهم في كل ضرب من ضروب الحياة''· ركائز أساسية يتمثل التاريخ الثقافي لأبناء الإمارات بركائز أصلية يشير إليها د· حنظل، ويقول: أولاً: التاريخ الثقافي الديني وهو الأساس الذي دار حوله التاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي وإن البحث عما تركه أهل الفقه وعلماء الدين من مخطوطات وكتابات تعتبر أساساً للتاريخ الثقافي العام، ولعلمي فإن أقدم ما وجود الآن من مخطوطات كتبها المغفور له محمد بن سعيد بن غباش، حصلت على بعضها وحققت واحدة منها ووضعت لها عنواناً هو ''الفوائد في تاريخ الإمارات والأوابد''· ثانياً: التاريخ الثقافي العلمي وعلى رأسه ثقافة أهل البحر وعلومهم في مجالات الملاحة والفلك والأنواء وقيادة السفن ومعرفة الأعماق ومكامن اللؤلؤ· وهو إما علم انتهى أو أنه ما زال فعلاً ثقافياً مستمراً، فإذا اتفقنا مع الرأي القائل إن ''ابن ماجد'' ولد في رأس الخيمة وترعرع فيها فهو إذاً المثقف البحري الأول من أهل الإمارات الذي ترك لنا مخطوطات مكتوبة ولكنها غير موجودة في الإمارات، فهي مبعثرة هنا وهناك في متاحف العالم· وعليه فإن دراسة علمية لم تجر عليها في الإمارات، إنما جرت في بلدان عربية أخرى قام بها أساتذة أجلاء، لكنهم لا يعرفون لغة أهل البحر، فاختلط الأمر عليهم، لذا يجب تحقيق هذه المخطوطات بمساعدة ''نواخذة'' أي ربانية سفن من أهل الإمارات أو الخليج ممن أبحروا في ''الغبّات'' و''بندروا'' في الموانئ التي ذكرها ابن ماجد، وهذا التحقيق سيبرز علم هذا الرجل بشكل أوضح''· ويشير إلى أمر هام، بقوله: ''من الأثر الثقافي البحري الذي لا زال علمه مجهولاً هو علم حسابات ''الجو'' التي اعتمدها السلف أسعاراً وقياساً وأقياماً في تجارة اللؤلؤ· هذا العلم لم يقم بشرحه أحد بشكل يروي غليل الباحث· ومثل ذلك علم ''الدرور'' أي الملاحة، ورغم أن البعض شرح بعض هذا العلم، لكنه ليس كافياً''· ممنوع من النشر! ويتابع الدكتور حنظل سرد الركائز، ليشير إلى ركيزة التدوين التاريخي، ويقول: ''يعتبر التاريخ الثقافي للتدوين التاريخي، ثالث الركائز، وهو ما تركه أهل الإمارات من مخطوطات تاريخية تتحدث عن تاريخ البلد· فهناك أربع مخطوطات تاريخية حصلت عليها وحققتها وطبعتها، اثنتان منها للمرحوم عبدالله بن صالح المطوع من أهالي الشارقة، الأولى بعنوان ''الجواهر واللآلئ في تاريخ عمان الشمالي'' تبحث في أحساب وأنساب الأسر والقبائل الحاكمة وتاريخ ظهور كل إمارة على مسرح التاريخ الخليجي· والثانية بعنوان ''عقود الجمان في أيام آل سعود في عمان'' تبحث في قضية البريمي والنزاع السعودي - العماني عليها· كما ألّف المرحوم حميد بن سلطان الشامسي كتاباً في التاريخ والتراث بعنوان ''نقل الأخبار في وفيات المشايخ وحوادث هذه الديار'' أرخ في الكتاب على شكل حوليات الأحداث السياسية التي وقعت في الإمارات· وآخر المخطوطات التاريخية كانت للمرحوم محمد بن سعيد بن غباش· أما كتاب ''رسائل السركال'' فقد حققته مع الدكتورة فاطمة الصايغ، وهو مهم جداً في معرفة أصول الوثائق البريطانية التي أرسلها السياسيون الإنجليز إلى حكومة الهند بشأن الأوضاع العامة والسياسية في الإمارات''· ويفاجئنا د· حنظل بترديده عبارة ''ممنوع من التداول·· ممنوع من النشر'' ويوضح قائلاً: ''هذه المخطوطات لم تنشر! وهي ممنوعة من التداول! اللهم إلا ما أقوم به شخصياً من طبعها بآلة الاستنساخ وأعطيها لمن يريدها وهم كثيرون بالمئات· هذا المنع يمثل إشكالاً ذهنياً عجيباً، فبينما تنطلق الأصوات من هنا وهناك بأن تاريخ الإمارات لم يكتب بعد وأنه يجب أن يكتب بقلمٍ من أبناء الإمارات، يأتي هذا المنع لما تركه أولئك المؤرخون الأفاضل -رحمهم الله- من علمٍ نافعٍ وخبرٍ صادقٍ''· الحسب والنسب والأدب كما يتطرق إلى الركيزتين الرابعة والخامسة، قائلاً: ''هناك ركيزة تاريخ أحساب وأنساب القبائل العربية؛ والثقافة السياسية لنظام الحكم القبلي· وهي ركيزة مهمة، إذ أنني ألمس في كل يوم والتقي مع شباب يتلهفون لمعرفة أحسابهم وأنسابهم القبلية، وهذا أمر يهتم به العرب كثيراً في مختلف أقطارهم وأمصارهم يشدهم الحنين إلى ذلك· وكذلك ركيزة تاريخ الثقافة الأدبية أي الأدب المتوفر بالأشعار والحكم والأهازيج والأمثال والحكايات والسوالف والخراريف والألغاز وغيرها من المأثورات التي تعتبر مصدراً كبيراً من مصادر الفكر والإبداع الشعبي، وهي الثقافة التي يمكن أن نطلق عليها ''تراث''· مصادر الصدور يؤكد د· حنظل أن المؤرخ يتعرض خلال عمله إلى إشكاليات، تصادفها الكتابة التاريخية والتراثية، فيقول: ''هناك بعض إشكاليات الكتابات التاريخية والتراثية في الإمارات، وأولاها هي أن المصادر المحفوظة في الصدور فإن أصحابها يحجبونها، وكذلك المصادر المخطوطة لأنهم يعتقدون أن نشرها سيثير متاعباً ويثير شغباً، وقسم منهم يعتقد أن ما موجود عندهم غير مهم ولا يسوى عرضه· ومن ناحية أخرى فهناك من الرواة الذين إذا وصفوا أو تحدثوا عن حدثٍ ما فإنهم يهوّلونه ويضيفون انتصاراتٍ وانكساراتٍ له، وهنا يكمن الخطر في أن بعض جامعي التاريخ لا يكلفون أنفسهم عناء التحقق من صدق ما سمعوه بل يعتبرون شهادة الرواة شهادة ثابتة''· ويضيف د· حنظل: ''هذا يقودنا إلى وجوب بذل الاهتمام لفك الإشكال الذهني الوارد في موضوع كتابة تاريخ الإمارات، وهو الإشكال المتأتي من أن هناك شريحة من الناس تخاف إظهار تاريخها تصوراً منها أنه سيثير مشكلة، وأخرى لا تثق بالمؤرخين من غير أهل الإمارات، وثالثة حجبت مؤلفات أهل الإمارات عن النشر والتوزيع، ورابعة لا تثق بما كتبه الانجليز باعتبار أنهم كتبوا تاريخاً مصنوعاً يبرز فضل الاستعمار على البلاد، وخامسة اعتمدت على كتابات الانجليز ونشرت كتبها اعتماداً على هذا المصدر فقط! والأدهى من هذا وذاك هو وجود مجموعة من الناس ممن تتصور أن تاريخ الإمارات وتراثه لم يكتبان بعد، وتراهم يوجهون النقد الجارح لكتابات الآخرين، ومشكلة هؤلاء الناس هي أنهم لم يكتبوا شيئاً مفيداً إلى الآن، والأغلب أنهم غير قادرين على الكتابة''· جديد * جديد كل ما سبق من حوارنا مع المؤرخ د· حنظل يدفع بنا إلى سؤاله عما يتطلبه العمل البحثي، وعن جديده، بعد عشرات المؤلفات، يقول: ''إن البحث في الأمور التاريخية والتراثية يحتاج للمران العقلي ووضوح الفكرة عند الباحث الذي يتصدى لكتابة موضوع يصور هيكل التاريخ أو التراث، وهذا يتطلب فهماً تاماً للبيئة وعلاقتها بالمعنى الإنساني· إنني غارق هذه الأيام في الكتابة النهائية لكتابي القادم وهو ''جامع الأمثال والحكمة والكتابات عند أهل الإمارات'' فلقد كتبته عدة مرات ومزقت الكتابة عدة مرات، فكلما أكتب كلما اكتشف أن هناك طريقة أخرى لكتابة الأمثال· ابتدأت أولاً بسردها تحت نظام الألف ياء، ثم اكتشفت أن هذا لا يفي الأمثال حقها من البحث العلمي· وبعد دراسات ومحاولات انتهيت إلى جمعها تحت المادة العلمية والاجتماعية التي قيلت بسببها· فهي دراسة في الفكر الجمعي لأهل الإمارات، وحكم وعبر ومواعظ تسري على ألسنة الناس، وهي مظهر لحياة الناس وعقليتهم وتفكيرهم'
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©