السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

من فندق القدس في عمّان إلى دبي

17 نوفمبر 2006 00:37
أحمد خضر: اعتقد العديد من الفلسطينيين وأنا منهم، في العام ،1994 على إثر اتفاقية (غزة ـ أريحا أولاً) أن الوطن أوشك أن يتحول إلى حقيقة، وليس حقيبة ينقلونه من منفى إلى منفى، ومن مطار إلى مطار، وما هي إلا عدة سويعات يستطيعون أن يقطعوها مشياً على الأقدام، فإذا بهم على أطراف الضفة الأخرى من نهر الأردن، يستقبلهم أبناء شعبهم القابع في أسر الاحتلال، حيث يعلو صوت الحرية والعدالة والسلام· كان مركز إقامتي في تلك الفترة العاصمة الأردنية الجميلة عمان، لكني كنت أقتطف بعض الأيام في المناسبات والأعياد ومواسم الزيتون للعودة إلى فلسطين، حيث أهلي، وقريتي، ووطني الذي أستطيع العودة إليه في أي وقت أشاء رغم أنف الاحتلال· هذا التواجد في عمان معناه أنني كنت في قلب الحدث السياسي، فمن هناك كانت تمر القوافل إلى مؤتمر مدريد عام ،1991 وحتى وصول ياسر عرفات إلى أريحا، التي اعتقد أهلها أن الزعيم الفلسطيني سيتخذها مقراً لقيادته، فقاموا بترميم قصر هشام بن عبدالملك كي يليق بزعيم الشعب الفلسطيني الكبير· كانت حنان عشراوي هي دينامو الوفد الفلسطيني الذي كان متأهباً للسفر إلى مدريد للتفاوض، وكان الدكتور حيدر عبدالشافي يحمل على كاهله سنوات طويلة من النضال الوطني أهلته ليكون رئيساً للوفد، أما بقية الأعضاء فكانوا من الكوادر السياسية الشابة الذين حرصوا على الظهور بمظهر حضاري متأنق، يتعلمون أصول البروتوكول، حيث تحسبهم وهم يسيرون في صف واحد عند الدخول إلى فندق القدس بمدينة عمان، أو الخروج منه، وعدسات المصورين تلتقط لهم الصور، كأنهم تلاميذ في مدرسة ابتدائية· لم يكن العميد منير العبوشي محافظ مدينة سلفيت حالياً، أحد المفاوضين آنذاك، بل أحد الأصدقاء الذي أمضى ثلاثة عشر عاماً من حياته في سجون الاحتلال، وتم تهريبه إلى الخارج، عبر قطاع غزة، لأن قوات الاحتلال بدأت تطارده بعد خروجه من المعتقل بعدة اشهر، ثم لحقت به زوجته التي لم يكن أتم شهر العسل معها بعد· وحين التقيا في عمان استأجرت لهما منظمة التحرير الفلسطينية شقة في الشميساني، وهو أحد الأحياء الراقية بمدينة عمان، وبعد عدة أسابيع إذا به يفاجأ في جلسة جمعت المرحوم أبوعمار مع كوادر حركة فتح، بأن عرفات طلب منه قائلاً بالحرف: يا منير الحقني على تونس· وحين حاول منير أن يبرر بأنه متزوج حديثاً، ويسكن البيت منذ أيام قليلة رد عليه عرفات باللهجة المصرية: ايه يعني تجوزت·· دانا تجوزت كمان· وكان ذلك أول تصريح علني من قبل أبوعمار أنه متزوج من سهى الطويل· مضى منير والعديد من إخوته إلى تونس الخضراء، وبعد ثلاث سنوات حضر الجميع ثانية تأهباً للعودة إلى أرض الوطن الذي خرجوا منه ملاحقين مطاردين، منفيين، عبر فترات متفاوتة وعلى رأسهم أبوعمار نفسه مع 25 ألفاً من المناضلين الأحرار· ألح علي هؤلاء الإخوة والأصدقاء، أن أعود معهم، خاصة أنني لم أكن بعيداً عن رؤيتهم السياسية للأمور، من أجل أن نبني معاً دولتنا حجراً فوق حجر، لكن صوتاً آخر أكثر إلحاحاً كان يناديني من الإمارات العربية المتحدة هو صوت شقيقي الذي يصغرني بخمس سنوات، والذي استطابت له الحياة فيها منذ العام ،1982 وحقق عيشاً رغيداً، وتجارة رابحة· المهم أن الطائرة أقلعت شرقاً من مطار عمان إلى دبي، وكان يجلس إلى جانبي في الطائرة رجل يضع على كتفيه كوفية فلسطينية، أخبرني أنه يسكن في عجمان، أما أنا فأخبرته أنني مسافر إلى دبي، وما هي إلا ثلاث ساعات حتى بدأت المدينة الإماراتية الشهيرة سابحة في بحر من الأنوار المتلألئة، وشوارعها تخفق بالحياة، تعكس صورة ناطقة بالفرح والسعادة· وحين حطت الطائرة أرض المطار لازمتني لحظات من التأمل مثل شاعر رومانسي عثر على فردوسه المفقود، كنت مملوءاً بالإعجاب والانبهار من هدوء المكان ونظافته، وبالمستوى الراقي للسلوك الإنساني المتحضر الذي يستقبلك به الموظفون في مطار دبي الدولي· تقدم مني أحد هؤلاء الموظفين محيياً، وقال لي بدماثة خلق: هل هذه هي المرة الأولى التي تزور فيها الإمارات العربية المتحدة؟ قلت له: نعم· فرحب بي ثانية قائلاً: هذه بلدك وأهلاً وسهلاً بك· وما هي إلا لحظات حتى كنت أعانق شقيقي الذي كان بالانتظار، ولأول وهلة دمعت عيناه فرحاً باللقاء، وبدا وكأنه أراد أن يعتذر لي لأنني تركت أسرتي في عمان، طالباً مني التريث قليلاً، حتى أتمكن من ترتيب أوضاعي، ثم نجتمع كلنا في الإمارات بلد الخير والمحبة· وفي الطريق من المطار إلى المنطقة المجاورة لمركز برجمان حيث يسكن شقيقي استقبلتنا دبي بعطرها، زهور متناسقة، وحشائش، ونوافير ماء، تمتد على بساط أخضر متعة للناظرين، ومعزوفة من الحب التي تنشدها عجلة الزمن التي لا تتوقف عبر حركة الناس في الشوارع من مختلف الأجناس والألوان والشعوب، احتضنتهم الإمارات بدفئها وحنانها وفرصها الاستثمارية· كانت سهرة حتى الصباح مع شقيقي وأسرته، أكلنا عشاء لذيذاً، وحلويات أحضرتها معي من عمان، وتبادلنا الأحاديث عن الأهل والأحباب وذكريات الطفولة، وكان أول كلام قاله لي شقيقي عن الإمارات: إن الإمارات بلد النظام والقانون، وكلما التزم المرء بذلك، واحترم القانون، استطاع أن يضمن لنفسه عيشاً كريماً، وحياة مستقرة، هذه المقولة ما زلت أسمعها منه بعد اثني عشر عاماً من وجودي في الإمارات العربية المتحدة· أما أنا فاكتشفت في الليلة الأولى من قدومي إلى الإمارات، أنني أعيش في بلد يعبر عن الأصالة العربية في حسن الاستقبال، والطيبة والأصالة والبساطة في السلوك الإنساني للبشر، اكتشفت جمال المكان، وطموح الإماراتيين للارتقاء والنهوض المتواصل ومواكبة العصر، كما اكتشفت حب الوافد الناجح للإمارات بلداً وحكومة وشعباً· في اليوم التالي ذهبت مع شقيقي إلى شركته، فوجدنا شريكه أحمد عبيد بن الشيخ الذي أخذني بالأحضان، وهو ما لم أجده في أي مجتمع آخر إلا نادراً، وبعد عدة أيام اصطحبني معه إلى رجل الخير المعروف السيد جمعة الماجد لأمر يخصه، والذي أخبرته أن أهالي مدينة نابلس أطلقوا اسمه على أحد شوارع مدينتهم تقديراً لمواقفه المشرفة إلى جانب الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج فسر الأستاذ جمعة الماجد كثيراً، وسررنا نحن أكثر لحميمية اللقاء وتواضع الرجل·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©