الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

آليات قياس التصفح تقود توجهات غرف الأخبار

آليات قياس التصفح تقود توجهات غرف الأخبار
28 فبراير 2016 02:58
في الماضي كانت الصحافة أسيرة الأرقام. أرقام التوزيع والمشاهدة. ومع العصر «الرقمي» الجديد، زاد الأمر سوءاً، وأصبحت الأرقام تهيمن على الناشرين، بل تكاد تكون كل شيء، على مواقع الإنترنت. وبالتالي زاد الاعتماد أكثر على آليات قياس معدلات التصفح. هذه الآليات تعصف الآن بغرف الأخبار، فالعالم الرقمي انقسم إلى معسكرين. فهناك هؤلاء الذين يعتقدون أن الاهتمام الذي نوليه لآليات القياس يخلق عالماً تتغلب فيه كيم كارديشيان على موضوعات أكثر أهمية، مثل الصراع السوري. ورغم ذلك، فإن المدافعين عن اتخاذ القرار، المبني على الأرقام، يقولون إن المقاييس تنقل ميزان القوة إلى نظام أكثر ديمقراطية يكون فيه القراء أكثر أهمية من المحررين، لأنهم هم الذي يقررون وفق معدلات التصويت (التصفح) أي القصص أهم؟!. ولكن كيف تلعب هذه القرارات في الواقع دوراً في ثقافة غرفة الأخبار؟ وكيف تؤثر أدوات القياس التقنية، عملياً، على رؤساء التحرير وكبار المحررين في غرف الأخبار ؟ هذا هو السؤال الذي حاولت «كيتلين بيتر»، طالبة الدكتوراه في علم الاجتماع بجامعة نيويورك، الإجابة عليه من خلال بحث إثنوجرافي، كما كتبت إليكسيس سوبيل فيتس في «كولومبيا جورناليزم ريفيو». على مدار العام، قسمت الباحثة وقتها بين مكاتب شركة «تشارت بيت» الرائدة في مجال التحليلات، وغرفتي الأخبار الكائنتين على طرفي النقيض من جدل المقاييس: «جوكر ميديا»، حيث الأعداد هي الحاكم الديكتاتور، و«نيويورك تايمز»، حيث أهمية الموضوع صحفياً هي التي تقرر كل شيء. ومن خلال إجراء العشرات من المقابلات مع الموظفين وتحليل الاجتماعات، يرسم تقرير «بيتر» بعنوان «عوامل جذب الأعداد: آليات القياس في تشارت بيت و جوكر ميديا ونيويورك تايمز»، صورة قوية للتأثير الكبير للأرقام على غرف الأخبار. تقول الباحثة: «القياسات تلهم الصحفيين مشاعر قوية، مثل الإثارة والقلق والشك في الذات والانتصار والمنافسة وتثبيط الهمة». وتكشف بيتر أن هذه الأجواء تؤثر نفسيا وعصبيا على الصحفيين. وخلال الفترة التي أقامتها «بيتر» في «جوكر»، كانت المقاييس تسيطر على ثقافة الشركة، بدءاً من شاشة عملاقة تسمى «اللوحة الكبيرة»، والتي تعرض تحليلات تشارت بيت الرقمية المعلقة على جدار غرفة الأخبار. وتؤثر التحليلات الرقمية حتى على راتب المحررين، حيث يوجد نظام يحسب كم دولاراً يحصل عليه الكاتب مقابل كل ألف زائر يجلبهم للموقع. (لو قل الرقم عن 20 دولاراً، يتم الاستغناء عن الكاتب). ونتيجة لذلك، لاحظت بيتر أن فريقاً من الكتاب يركزون اهتمامهم على جذب أعداد هائلة بأي ثمن. ويستخدم الموظفون بانتظام مصطلحات تتعلق بالمخدرات مثل («مدمن» و «مخدرات») لوصف علاقتهم بالموقع؛ والكثيرون أخبروا بيتر أنهم راجعوا مع معالجين نفسيين علاقتهم المرضية مع أدوات القياس الرقمية . ومما ينم عن الكثير، قال الموظفون إن استعدادهم للتجربة يضعف بسبب الضغوط التي يتعرضون لها لزيادة عدد الزائرين. وكما ذكر أحد المحررين لبيتر، فإن الإصرار على قصص مثل «الأشياء الطريفة التي يقوم بها الأطفال»، أو «الخطابات المعتوهة» لفتيات السكن الجامعي هي وسيلة أكيدة لجذب الأعداد، بدلاً من استكشاف فكرة جديدة رصينة. والصحفيون في «نيويورك تايمز» ليس مسموحا لهم بالإطلاع على معدلات التصفح. لأنه «إذا ما سلكت هذا الطريق، سينتهي بك الحال وأنت تكتب الكثير عن، أنجيلينا جولي أو ما شابه، كما قال محرر في «تايمز» لبيتر. وحجب أدوات القياس عن المحررين العاديين يجعل الأمر بيد كبار المحررين الذين يحتفظون حينئذ بسلطة تحديد ما هي أفضل القصص الواجب نشرها. وقد قامت صحيفة«تايمز»، بتعيين عدد من الصحفيين الرقميين المحليين وفريق لمشاركة الجمهور للرد على سؤال كيف يجب أن تأخذ التحليلات الرقمية القرارات التحريرية في الحسبان. وعلى الجانب الآخر، فإن موقع مثل جوكر، مدفوعاً بالفشل في منافسة أرقام« بازفيد» الصاروخية، انقلب في الاتجاه الآخر، ليقدم نظاماً جديداً يملي فيه المحررون، وليس الأرقام، مفردات مرتب الموظف.«هذه التطورات الأخيرة تشير إلى أن جوكر وتايمز، اللذين كانا على طرفي النقيض في توجهاتهما نحو أدوات القياس، يقتربان من بعضهما البعض».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©