السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تترات المسلسلات» تعيش أكثر وتسرق الأضواء من الأعمال الدرامية

«تترات المسلسلات» تعيش أكثر وتسرق الأضواء من الأعمال الدرامية
3 سبتمبر 2011 23:19
لكل مسلسل تلفزيوني عنوانه الموسيقي الذي يقرأ من خلاله، أغنية تكون غالباً معبرة عن فحوى العمل، أو تستبطن بعض الرمزية المتصلة به، تقيم بفعل العادة صلة وثيقة مع المسلسل، تصير موازية له، أو متلازمة معه جراء الاستعادة والتكرار، تستدعيه من الذاكرة لحظة الترنم بها، كما تتولى مهمة التلطيف من حدة دلالاته الدرامية المفرطة، فغالباً ما تكون الأحداث على قدر من التعقيد والجدية، يحتاج معها المشاهد إلى عوامل مخففة، لعل المقدمة الغنائية التي يبدأ المسلسل وينتهي بها هي إحدى تلك العوامل، خاصة إذا كانت مستوفية لشروط التذوق الفني، أي محركة لذلك الشعور الذي ينسجم مع المؤثر الإبداعي دون مساءلة أو محاججة. ما يمكن إضافته إلى هذا التوصيف استنتاج يفرض نفسه مع انحسار الموجة الدرامية الرمضانية، وهو أن التترات الموسيقية الخاصة بالمسلسلات تعيش أكثر من المسلسلات نفسها، فهي تتحول إلى ما يشبه الفيديو كليب الصالح لردم الثغرات البرامجية في التلفزيونات.. وأشهر هذه التترات خلال رمضان الفائت لمسلسلات «كريمة» و»آدم» اللذين عرضتهما شاشة أبوظبي وحققا نجاحاً كبيراً. وكذلك «الشحرورة» و«في حضرة الغياب» و»الريان» و»الولادة من الخاصرة» وغيرها من الأعمال الدرامية التي أثير حولها الجدل طوال شهر رمضان، سواء من قبل النقــاد أو الجمهور. في الموسم الرمضاني الفائت، تفاهم المشاهدون مع مسلسلاتهم المفضلة من خلال عناوينها الموسيقية، مقاطع مغناة ومترافقة مع مشاهد مفصلية تكشف عن بعض خبايا العمل الدرامي، لكنها تفعل ذلك بقدر من المواربة هي بعض شروط الدراما المؤثرة، يحصل أحياناً أن يقبل المشاهد متعجلاً على متابعة أحداث العمل، قد ينتابه إحساس مخـادع حينها أن ذلك الفاصل الموسيقي نوع من الوقت الضائع، لكن تغييبه أو حذفه سيصيبه بنوع من الدهشة. هل هو لزوم ما لا يلزم؟! أم أنها محض العادة؟! أم ربما في الأمر خفايا وخبايا تجعل المقدمة ضرورة لا غنى عنها؟! أكثر من عادة يقول هشام يوسف «مهندس ديكور»، إنه يشعر كما لو أن المقدمة الموسيقية التي يبدأ العمل بها هي بمثابة معبر إلزامي نحو عمقه الدرامي، وسيشعر بنقصان ما لو أن حلقة من تلك الحلقات التي يتابعها يومياً اقتحمت مزاجه بغتة دون إذن موسيقي أومقطع غنائي يعلن عن قدومها، ويحرض على استنفار ملكة الإصغاء لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور في العمل المرصود بدقة وعناية. لا يعتقد هشام أن للأمر صلة بالتعود، لا بد أن هناك ما هو أكثر من ذلك، يقول متأملاً، ويضيف: الأرجح أن هناك نوعاً من التحضير النفسي للدخول إلى أجواء المسلسل، واستعادة بعض تفاصيله المحورية، والتفكر ببعض نقاطه الرئيسة كونها تشكل ما يشبه الحامل الرئيسي للمقولة السردية التي ينهض بها. يوضح محدثنا، رداً على سؤال، أنه يتابع غالباً مقدمات مسلسله المفضل، لكنه يفعل ذلك بتركيز متفاوت تبعاً لحالات صفائه الذهني، ودوماً ما يتلمس فيها تفاصيل جديدة لم يتنبه لها في المرات السابقة، ربما لكون المقدمة تمر وفق إيقاع سريع، وربما لكوننا نتعامل معها بنسبة متفاوتة من الإصغاء، وربما أيضاً لأننا نرغب في التركيز على أمور وتفاصيل بعينها كونها أكثر انسجاماً مع ما وصل إلينا حتى اللحظة من فحوى المسلسل. اندماج عفوي بدورها توضح يسرى الحمد «موظفة»، أنها كانت تتولى تسجيل تترات مسلسلاتها المفضلة، وتستمع اليها لاحقاً، حيث تستعيد من خلال الأغاني أبرز محطات العمل التلفزيوني، وكانت تجد متعة في ذلك، لكنها أقلعت عن الأمر بعدما تكاثرت المحطات الفضائية، وصارت المسلسلات أكثر وفرة من أن تقبل استعادة أو تذكر، لكن يسرى تؤكد أنها لا تزال تحن لتلك الأيام الخوالي، حيث كان المسلسل الناجح يعيش فترات طويلة، ليس على الشاشة فقط، بل في كلام متابعيه الذين كانوا يجدون متعة كبيرة في استعادة تفاصيله، والتوقف عند أحداثه المهمة. تعترف يسرى أنها لم تسأل نفسها مرة عن مدى مشروعية المقدمة الموسيقية المرافقة للعمل التلفزيوني، هي تتعامل معها بشكل عفوي. كما لو أنها جزء لا يتجزأ من المسلسل.. لكنه جزء دائم التكرار في مقدمة وختام كل حلقة.. ألا يعني ذلك شيئاً من الرتابة؟! ترفض يسرا الرد إيجاباً على سؤالنا، تصمت كما لو أنها تبحث عن وسيلة لنفيه، وبقليل من الجهد تبدو كما لو أنها عثرت على غايتها: في بداية كل حلقة نصغي إلى المقدمة على ضوء ما استجد من أحداث حاسمة، وحلقة إثر أخرى يصير «التتر» بمثابة ملخص سريع للعمل، وتكثيف لمواقفه المحورية، فهذا المشهد يعني كذا، وتلك العبارة المغناة تحيل إلى كذا.. وبالتالي ليس من مبرر للملل.. لأن المقدمة متجددة وفقاً لتطور الأحداث.. سعياً وراء الدلالة لا ينفي خالد سلمان «مدرس»، أنه يضبط نفسه أحياناً متعجلاً مرور المقدمة ليكون في مواجهة الأحداث، لكنه في حالات أخرى يحاول التمعن في مدلولاتها، ويرى أن «التتر» التلفزيوني، ككل عنصر فني آخر، تتناسب طاقته على الجذب مع وفرة المعايير الفنية التي يتضمنها. ويوضح مضيفاً: أحياناً ترى نفسك مشدوداً إلى مقدمة أحد المسلسلات دون أن تعرف السبب، لكن بعض التعمق في المسألة سيمنحك التفسير حتماً: الموسيقى المتقنة، كلمات الأغاني التي تبدو معبرة عن فحوى الحدث، أو صوت المغني الذي يكون مميزاً، عندما تكون المقدمة متقنة يصير الإقبال عليها منطقياً، فالهدف في الأساس هو البحث عن المتعة المشهدية، وعن الدلالة أيضاً، عندما تتحقق الغاية لا يعود السؤال ملحاً عن طريقة تحققها.. ترميز مكثف من جهته يعترف طارق يوسف، أنه لم يسأل نفسه مرة عن مقدار الانجذاب أو التنافر بينه وبين مقدمة العمل التلفزيوني، يتابع المشاهد المتسارعة بقدر من الحيادية، يستعرض أسماء بعض الشخصيات التمثيلية التي تكون قد لفتت نظره في سياق الأحداث المتسلسلة، كذلك يحاول استقراء بعض المشاهد التي تشي بما ستؤول إليه أمور الحبكة الدرامية، صراع بين متحالفين، أو اقتراب بين متخاصمين، أو موقف مفصلي يوحي بتحول حاسم في مسار العمل.. هاني يؤكد أنه يحفظ بعض المقاطع الغنائية التي تتضمنها مقدمات بعينها، في حين يتجاهل مقاطع أخرى، أما السبب فليس محسوماً من وجهة نظره، لكن يرتبط على الأرجح بانسيابية اللحن، وعذوبة الكلمة المغناة، إضافة إلى طاقتها الدلالية، فالمقدمات الغنائية تمثل ترميزاً مكثفاً لفحوى العمل، والبديهي أن تتضمن مقولات حكمية عميقة الأثر، الأمر الذي يجعلها قريبة إلى ذهن المشاهد، وقابلة للاندماج في الذاكرة بسهولة. عبر اللاوعي تقول كلوديت كرم، وهي تقنية مونتاج سبقت لها المساهمة في مجموعة أعمال درامية، أن المقدمة عنصر أساسي في المسلسل التلفزيوني، وهي واجهة العمل التي تحرض المشاهد على قبوله أو تدفعه نحو رفضه. وإذ توضح محدثتنا أن الأمر لا يمر بالضرورة من خلال وعي المشاهد، بل هو يتسلل إلى دواخله في حالات كثيرة بطرق خفية، فهي تؤكد أنه لا يمكن الاعتماد على التكرار وحده لترسيخ التيمة الغنائية في ذهن المتلقي. وأن المقدمة لا بد لها أن تكون على درجة كبيرة من الإتقان الفني حتى يسعها اختراق الحاجز الذي يقوم بينها وبين مشاهد متحمس لمتابعة عمله الفضل. كثير من الوقت والجهد تقول كلوديت كرم «تقنية مونتاج»: «قد يتعجب البعض إذا علم أن الإعداد لمقدمة مسلسل يحتاج إلى الكثير من الجهد، وأن هذه اللحظات القليلة التي تمر سريعة على الشاشة تستنزف الكثير من الجهد والوقت، وتحتمل مرات لانهائية من الإعادة والتصحيح والاستبدال، ومقارنة المشاهد لاختيار الأفضل بينها، والأكثر تعبيراً عن طبيعة العمل، ويكون قد سبق ذلك جهد مواز لكاتب الكلمات الذي يجدر به قراءة السيناريو أكثر من مرة في بعض الأحيان، ومتابعة بعض المشاهد، ليكون بوسعه الدخول إلى الأجواء الحقيقية للعمل، واستنباط ما يلائمه من تعابير، ثم تأتي مهمة الملحن الذي عليه أن يتعامل مع المقدمة الموسيقية بنفس احترافية، آخذاً بالاعتبار أنها ستتكرر بصورة دورية ما يجعلها عرضة للاستهلاك والملل، بالتالي إذا لم تكن على سوية ملائمة، وفي الختام يكون على المغني الذي يؤدي الأغنية بصوته أن يتوج كل هذه الجهود المبذولة عبر إحساس مرهف، الأمر الذي يستدعي إندماجاً كلياً من قبله في خضم الأحداث.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©