الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بوصلة القدس المضطربة

بوصلة القدس المضطربة
23 أغسطس 2012
ماذا تمثل القدس في أذهان الشعراء العرب المعاصرين؟ هل ما زالت بيت المقدس هي بيت القصيد؟ هل ما زالت القدس تعيش في الوجدان الشعري العربي، حضورا تاريخيا وأسطوريا نبيلا، وراهنا تعتصره الآلام ويلفه ما لف الأمكنة العربية الأخرى من سواد؟ هذه الأسئلة يقدم إجابات رصدية عنها الشاعر والناقد الفلسطيني عبدالله رضوان في مؤلفه الجديد “القدس في الشعر العربي الحديث”، وهو دراسة نقدية تطبيقية، حيث يعكس الصورة الشمولية التي قدمها 32 شاعرا عربيا والكيفية التي تعاملوا بها مع قضية القدس. النتيجة التي يتوصل إليها الباحث مؤداها قلة القصائد التي اتخذت القدس موضوعا فنيا لها قياسا للعواصم العربية، ممّا يطرح حسب الشاعر رضوان سؤالا يظل قائما ويحتاج لتعمق يبرر الأسباب ويبحث فيها. ومن وجهة نظره أيضا هناك غياب حقيقي وفاعل للمدينة إنسانا وأمكنة وتاريخا عن الخارطة الشعرية العربية التقليدية، وربما يعود ذلك إلى أنها لم تكن عاصمة في يوم ما، لكن عقب هزيمة يونيو 1967 وسقوطها بدأت تأخذ حضورها النسبي في المعطى الشعري العربي وإن ظل هذا الحضور محدودا كما وكيفا. ووفق رضوان فقد أمكن رصد صيغ وأشكال التمثلات الشعرية لمدينة القدس في التوظيف التاريخي والأسطوري والديني والتماهي والتناغم بين الذات والمكان وعرض الوقائع اليومية مع استمرار التعلق الروحاني النبيل، وباعتبارها خصوصية فلسطينية نادرة وحالة نضالية. ومن الصيغ أيضا إدانة الحاضر العربي والتوجع من الواقع اليومي والتباهي والافتخار بالمكان، ونظرة إنسانية حزينة وموقف ديني أيديولوجي واضح ودعوة للثورة والتغيير. عمر وافر يتوقف الباحث عند الشاعرة هلا الشروف وهي من الأراضي المحتلة، التي عمدت في قصيدتها “ودخلت في القدس القديمة” إلى شخصنة العلاقة مع المكان عبر تقديم حالة سردية أقرب للسيرة الذاتية قدمت فيها بوحيها ورؤيتها ووعيها لمدينة القدس وكيف تراها: “والقدس قناديل المقاتل/ والقدس ذاكرة المناضل/ كنا نمر على البلاد كما يمر الغيم فوق البحر/ صوب نهاية مجهولة/ كنا نمر على الجراح/ جراحنا متصوفين”. وتكرر في قصيدتها التي ألقتها في مهرجان فوانيس المسرحي بعمان الشهر الماضي: عمر الجميلة وافر/ أما أنا عمري قصير. ومن وجهة نظر الشروف فالقدس نقطة رئيسة مضيئة في مسيرة النضال الفلسطيني. أقنومة فلسطينية أما القدس التي يقدمها تميم البرغوثي فهي قدس الصراع اليومي بين حضارتين وثقافتين ورؤيتين لا تلتقيان أبدا، بين غريب محتل طارئ يحمل تاريخا مزيفا وبين الإنسان الفلسطيني المتجذر في أرضه وتاريخه ووطنه: “في القدس توراة وكهل جاء من منهاتن العليا/ في القدس شرطي من الأحباش يغلق شارعا في السوق/ رشاش على مستوطن لم يبلغ العشرين/ قبعة تحيي حائط المبكى/ في القدس متراس من الاسمنت/ في القدس دب الجند منتعلين فوق الغيم”. وتطرق الراحل محمود درويش للقدس باعتبارها أقنومة فلسطينية دائمة الحضور داخل الوطن والمنافي معا، ولذا نجده يقول في قصيدته “سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا”: هنا القدس يا امرأة من حليب البلابل/ كيف أعانق ظلي وأبقى/ خلقت هنا وتنام هناك/ مدينته لا تنام/ وأسماؤها لا تدوم/ بيوت تغير سكانها/ والنجوم حصى/ هنا القدس يا امرأة من حليب البلابل/ كيف أعانق ظلي وأبقى/ ولا ظل للغرباء”. ويحاول الشاعر إبراهيم نصرالله في قصيدة “الطريق إلى القدس” بطريقته الخاصة الإجابة عن سؤال يمثل مركزية لديه حين يقول: “نحن من نحن/ نحن الطريق إلى ما نحب/ ونحن بداية ذاك الطريق إلى القدس/ حكمة هذا الشجر”. نظرة حزينة أما الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد وفي قصيدته “القدس” فإن النص يبرز حزن وفجائعية المشهد عبر استعراض ما حدث والمناداة على الأهل والعشيرة لطلب النصرة مع التشكيك بإمكانية الاستجابة: “لها للقدس وهي تئن/ تحت سنابك الحقد/ خطى الغازين تصفعها/ تلطخ جبهة المجد تفض الطهر من عينين/ أنادي لو يهز نداي/ لو يسمع لو يجدي/ أنادي المئة مليون/ من قومي ومن جندي/ أناديهم لعل الصوت يكسر صخرة اللحد”. أما الشاعر سليمان العيسى ففي قصيدته “عن الأقصى” فنجد حزنا إنسانيا ثائرا يشيد بالمقاومة والانتفاضة ويدعو إلى استمرارها مستخدما المسجد الأقصى رمزا للقدس بخاصة وفلسطين عامة: سلام على الأقصى ونحن حجارة تصب عليها النار رعبا جهنم سلام على الأقصى وتخبو انتفاضة لتشتعل ألفا هذه الأرض أكرم هذه الروح الحزينة والمتمردة معا نجدها عند عدد من شعراء الكلاسيكية سواء في الوطن العربي أو المهجر فالشاعر عمر أبو ريشه بقصيدته “عروس المجد” يشير بوضوح لخصوصية القدس ودورها العربي وأهميتها الإسلامية مع التأكيد على ما صنعته الالآم من توحيد المشاعر: يا روابي القدس يا مجلى السنا دون عليائك في الرحب المدى بدوره يؤكد الشاعر زكي قنصل الروح الاحتجاجية الحزينة رافضا القبول مدينا السائد الراهن ومتمردا عليه ففي قصيدته “خرافة السلام” وهي من الشعر الموزون نقتطف منها: لهفي على القدس انطوت أعلامها وكبت بأشباه النضال خيول القدس مسرحه وأولاد الخنى أبطاله وعظاته التنكيل بوصلة المواقف من جانبه يؤكد الشاعر علي الخليلي في قصيدته “ولا تتدحرج من صدرك” حالة الحزن مع التعلق بالقدس باعتبارها وعي الذات وانتمائها الدائم فيقول: “أن تذوب في القدس/ وأن تتحسس المجاعة والتاريخ/ كل جمال وكل حي/ وتقول في سرك أن هذا السور جسدك”. وفي هذه الأبيات النثرية يقدم الشاعر خلاصات وعيه وموقفه تجاه القدس مؤكدا تعلقه بها وتواصله معها مقدما الخطاب الشعري على حساب البناء الفني. ومن وجهة نظر الباحث فإن الحالة الإنسانية الأجمل في التعامل مع القدس باعتبارها حالة إنسانية شاملة ومغلفة بحس رومانسي عميق ومؤثر قد تمثلت في قصيدة الأخوين رحباني، التي غنتها فيروز، وفيها: عيوننا ترحل إليك كل يوم تدور في أروقة المعابد تعانق الكنائس القديمة وتمسح الحزن عن المساجد وقد عمد شعراء على إعلاء البعد الديني بموضوع القدس باعتباره البعد المسيطر انطلاقا من موقف أيديولوجي عقدي لا يرى القدس إلا صرحا دينيا، فالشاعر يوسف العظم يقول: حجارة القدس نيران وسجيل وفتية القدس أطيار أبابيل وساحة المسجد الأقصى ومنطق القدس آيات وتنزيل ويستشف من هذين البيتين أن الراحل يوسف العظم ملتزم إسلاميا حول القدس وفهمه باعتبارها قضية إسلامية أولا وأخيرا من خلال اقتباسات قرآنية وبها يشبه الانتفاضة الفلسطينية التي انطلقت من المسجد الأقصى وعرفت باسمه. وبمثل هذه الروح يعالج أمين شنار في قصيدته “بيت المقدس” موضوع القدس ممزوجا بنظرة رومانسية حزينة فيقول: “هنا المآذن الحزينة التي تسامر النجوم/ تمتد في وجوم/ المسجد الأقصى هنا مسرى الرسول/ مشى المسيح ها هنا وأمه البتول/ وها هنا الفاروق شاد مسجدا”. وفي رائعته “سفينة القدس” اعتبر مظفر النواب القدس بوصلة لقراءة المواقف وكل الجهات بعيدا عنها خيانة: “أيها الجند/ بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة/ حطموها على قحف أصحابها”. صدر “القدس في الشعر العربي الحديث”من دار الخليج بعمان ويقع في 86 صفحة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©