الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفنون الإسلامية تسخر أدواتها لخدمة العلوم الطبية والتطبيقية

الفنون الإسلامية تسخر أدواتها لخدمة العلوم الطبية والتطبيقية
30 أغسطس 2013 20:31
لم تتخلف الفنون الإسلامية عن تلبية احتياجات العاملين في المجالات العلمية الطبية والتطبيقية، وظلت طوال عصور الازدهار الحضاري تواكب تطورات تلك العلوم، وتعمل على توضيحها وتحويلها لأدوات وأشكال مادية قابلة للاستخدام.وقد لقيت حزمة العلوم الطبية اهتماما واسعا في الحضارة الإسلامية وهو ما ساعد على تطورها الكبير في القرون الإسلامية الأولى من ناحية المعارف النظرية ترجمة وتأليفا أو الممارسة المهنية مثل إجراء الجراحات أو تصنيع الأدوية. د. أحمد الصاوي (القاهرة)- اهتمت الفنون الإسلامية بتطوير علم الصيدلة أو التداوي بالأعشاب والمستحضرات الطبية المستنبطة من الطبيعة والتجارب الكيميائية، وهذا الدور يعبر عن نفسه بوضوح في الكم الكبير من المخطوطات العربية المصورة والأدوات والأواني التي كانت تستخدم في تحضير وتخزين الأدوية وتداولها. فمنذ عهد الخليفة العباسي المأمون انطلقت حركة ترجمة كتب العلوم القديمة من اليونانية أو السريانية أو البهلوية الفارسية والسينسكريتية الهندية وكانت علوم الطب دائما في مقدمة هذه الكتب وأشهرها وأغزرها إنتاجا في القرون الهجرية الأولى كتاب العالم اليوناني ديسقوريدوس المعروف باسم خواص العقاقير أو خواص الأعشاب ويعد الأساس لعلم الصيدلة في العصور القديمة وبدايات العصور الوسطى. نباتات طبية وثمة نسخ من الترجمة العربية لهذا الكتاب أنتجت في القرنين السادس والسابع للهجرة 12-13هـ وزودت الصور الموضحة لما جاء في متن الكتاب من حديث عن النباتات الطبية وأوصافها وطرق استخلاص المواد العلاجية منها وقد جرى رسم هذه الصور التوضيحية وفقا لأسلوب مدرسة التصوير العربية المعروفة باسم مدرسة بغداد نسبة لأكبر مراكزها الفنية بحاضرة الخلافة العباسية. مخطوطات ومن أقدم هذه النسخ المخطوطة واحدة أنتجت في شمال العراق أو سوريا في عام 626 هـ وهي محفوظة بأحد المتحف خارج الدول العربية ومن صورها المهمة صورة توضح نبات العنب بجذوره وسيقانه وأوراقه وقد حرص الفنان على أن ينقل بدقة وواقعية صورة النبات معطيا كل جزء منه ألوانه التي يظهر بها في الطبيعة من دون تحريف ومن المعروف أن جذور وأوراق العنب كانت تستخدم في التداوي. ونظرا لأهمية كتاب خواص العقاقير لدارسي الطب فقد أضاف الفنان المسلم لصور النسخ المترجمة من الكتاب صورا لم تكن لتوجد في النسخ اليونانية أو السريانية التي تمت ترجمتها وهي تمثل بعضا من أطباء وعلماء النبات من الإغريق بمن فيهم المؤلف ديسقوريدوس والذي يظهر في واحدة من الصور كرجل أشيب اللحية معتمرا عمامة عربية متعددة الطيات وقد جلس عند قدميه أحد طلابه الشبان ليستمع لشرح عن أحد النباتات الطبية. والصورة تحمل تعبيراً واضحاً عن ملابس النخبة العباسية من علماء بغداد في بدايات القرن السابع الهجري بألوانها الزاهية والتي تخلو من الرسوم بمثل ما تفصح عن الاحترام الذي كان يكنه الطلاب لأساتذتهم. زخارف وثمة نسخة معروفة من هذا الكتاب توزعت صورها بين مكتبة أيا صوفيا باستانبول ومتحف المتروبوليتان بنيويورك وقد تم نسخها وتصويرها بمدينة بغداد في عام 631 هـ وتحمل صورها طابع مدرسة التصوير العربية. ومن صور نسخة أيا صوفيا صورة شهيرة لنبات الأتراجاليوس، وكعادة الفنان المسلم في حشد أعماله بالزخارف لم يكتف المصور برسم النبات بأوراقه منفردا بوسط الصورة بل أضاف له منظر مطاردة لغزال وذلك بوسط المتن الذي يوضح أن هذا النبات إذا شرب منع إسهال البطن وإذا جفف استخدم كمدر للبول. أما نسخة نيويورك فأشهر صورها تلك التي تمثل واحدة من صيدليات بغداد كما عاينها الفنان ونقلها في رسمه. ومن المعروف أن مهنة الصيدلة كانت قد صارت مهنة مستقلة بذاتها عن العطارة أو تجارة الأعشاب منذ مطلع القرن الثالث الهجري “9 م” ببغداد حيث عرف من يمتهنها بالصيدلاني. ونظرا لخضوع حوانيت الصيدلانية لرقابة المحتسب لضمان الالتزام بالأصول الطبية والتقاليد الصحية فقد كانت حوانيتهم عنوانا واضحا للتنظيم الدقيق للأرفف والنظافة حتى لتعد باعتراف مؤرخي علم الصيدلة المحدثين الأصل الحقيقي للصيدليات الحديثة. تصنيع الدواء ويبدو من الصورة أن حانوت الصيدلاني كان يتألف من طابقين الأول منهما بمثابة المعمل الذي تتم فيه عملية تصنيع الدواء من الأعشاب الطبية وهو ما يمثله شخص الصيدلاني الذي يعمل على إنتاج عقار في قدر ضخم من تحته نار مشتعلة بينما الطابق الثاني كان يستخدم في تخزين العقاقير في قواريرها التي رتبت بشكل منظم يشرف عليه متخصصون وهم الذين يقومون بمناولة الأدوية لأصحاب الوصفات ضمانا لعدم حدوث أخطاء. ومن المخطوطات الأولى في علم الصيدلة التي حرص الفنان المسلم على تزويدها بالصور التوضيحية كتاب جالينوس الذي ترجم للعربية باسم الترياق وهو كما يبدو من اسمه من كتب الصيدلة المتخصصة في معالجة السموم. ومن نسخ هذا المخطوط واحدة تحتفظ بها المكتبة الأهلية بباريس وهي مؤرخة بعام 595 هـ ومن موضوعاتها المصورة قيام طبيب بمعالجة أحد الأشخاص المهمين ببلاط الأمير من حالة تسمم باستخدام لدغة أفعى ويبدو المنظر منقسما لعمق يعبر عنه بمستوى مرتفع يجلس فيه الأمير ممسكا بكأس من الشراب بينما الطبيب يمسك في مقدمة الصورة بالأفعى التي لدغت لتوها الرجل في قدمه. ولا جدال في أن الصورة تمثل بصدق مناظر البلاط التي كانت معروفة آنذاك ببغداد إبان سيطرة السلاجقة على أمورها. وثمة مخطوطات عربية خاصة ألفها علماء عرب ومسلمون من أمثال ابن البيطار الأندلسي بمالقا والغافقي الذي توفي بالأندلس عام 1165م والدينوري والرازي أيضاً وهي تتناول النباتات ولاسيما الطبي منها وهي حافلة بالتصاوير الفنية الرائعة للنباتات الطبية وكيفية استخلاص العقاقير منها وقد ظلت هي المرجع الأساسي لعلم الصيدلة في أوربا حتى القرن 15 م على أقل تقدير. ولم يتوقف دور الفنون الإسلامية في خدمة علم الصيدلة عند حد تزويد المخطوطات العلمية بالصور بل امتد أيضاً لصناعة أواني حفظ وتداول العقاقير ناهيك عن أدوات صناعتها. ومن أشهر أنواع الأواني التي اشتهر الشرق الإسلامي بصناعتها وتصديرها لأوروبا نوع من الأواني الخزفية يعرف باسم البارلو ويتميز بأنه قدر يستند لقاعدة متسعة نسبيا وبدن اسطواني يضيق في الأسفل ليتيح للصيادلة فرصة الإمساك به بإحكام ثم بفوهة يسهل سدها بغطاء يحفظ ما بداخلها من عقاقير حتى عند نقلها من مكان لآخر. «الخزّاف الإسلامي» كان الخزاف المسلم يقوم من أجل تسهيل مهمة تنظيفه بطلاء داخل وخارج البارلو بطلاء زجاجي شفاف وهو ما نراه في أمثلة هذا النوع من الأواني التي اشتهرت مدينة سلطانا باد بإنتاجها في إيران وكذلك مدن شمال العراق وسوريا “الجزيرة الفراتية” وخاصة في القرن السابع الهجري ويظهر أنها عرفت طريقها لأوروبا خلال فترة الحروب الصليبية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©