الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الظمأ تحظى بتقدير النقاد في مهرجان دمشق المسرحي

16 نوفمبر 2006 00:31
متابعة ـ عمّار أبوعابد: استقبل النقاد السوريون والعرب بارتياح وإعجاب مسرحية (الظمأ) الإماراتية في عرضها الأول عربياً، وأثنوا على الفكرة التي تثيرها، وعلى أداء الممثلين، كما أشادوا باجتهادات المخرج في تكويناته البصرية والتشكيلية في هذا العرض المميز الذي كان مسك الختام في مهرجان دمشق المسرحي الثالث عشر· العمل كان مفعماً بالرمزية والإيحاء ـ رغم بساطة الفكرة ـ فقدم إسقاطات كثيرة اجتماعية وسياسية· واستطاع المخرج ببراعة أن يمسك بوحدة الشكل والمضمون، وقدم اقتراحات بصرية ملفتة، حين استخدم الجسد الإنساني للإيحاء بالخلفيات المكانية والزمانية، كما نجح في ضبط إيقاعه الصوري وإيقاعه السمعي والحركي، وهذه العناصر الأساسية نادراً ما تتوفر في عروض تدّعي الخبرة القديمة· فكان المخرج رساماً بامتياز على خشبة المسرح، أعطى المتفرج فرصة للتلقي السليم والتأويل· فماذا يقول النقاد عن هذا العرض المميز· مشاهد غنية بالصراع الناقد المسرحي السوري أنور محمد يرى أن العرض قدم أفكاراً تتحرك!· حركها المخرج فيصل الدرمكي على الخشبة في مشاهد غنية بالصراع، غنية بمضمون انفعالي كان يرفع حرارتنا ونحن نتفرج على الحقيقة الدرامية لأسطورة البحث عن الماء في صحراء· وهذه الرحلة فيها تعذيب للذات قام بها الممثلان: جمعة علي وأحمد ناصر بفعل مرئي حاولا فيه القبض على ما هو غير مرئي بصفته، وقد تحول في رأسيهما إلى هدف، إلى مثال معين· المخرج فيصل الدرمكي وإن فرجانا فعلاً حفلاً مرئياً أداه الممثلان بعنف، إنما لنمسك بالدوافع الخبيئة عند أحد بطليه، حين يجدان الماء في الصحراء، فيقرر أحدهما أن يقتسمه مع زميله، فلا يوزعه لتشرب منه قريتهما، فنشوف (أنا) غليظة، جائرة، مستبدة، خائنة!· فيصل الدرمكي في (الظمأ) مثلما لعب على الحوار، لعب على لغة الجسد، فالممثلون الآخرون وعددهم عشرة استخدمهم كمؤثرات جمالية، كأن لأجسادهم ـ وليس جثثهم ـ تأثيراً نفسياً، إذ نشر على الأجساد أفكاره فسحرنا بالصورة التي تشكلت، والتي كانت تخدم الفعل، وتخدم الحقيقة الدرامية، فسحرنا، فتتنا، هزّنا، فكانت حركاتهم وتشكيلاتهم التي رسموا فيها صوراً زيتية وأعمالاً نحتية مشحونة بمعان كشفت عن أفكار أجسادهم التي ليست كأفكارنا، فهم ممثلون ونحن متفرجون· المخرج فيصل الدرمكي كان يحرك على خشبة مسرح الدراما في دار الأوبرا بدمشق مركباً ثرياً من الصور تغلي فيها أفكاره· وأنا بصفتي ناقداً فوجئت كثيراً بهذا العرض، وبالمستوى الفكري والفني الذي قدمه، فلم يخلط المخرج فيه الجمال بعلم الجمال· الظمأ مسرحية مثقفة· قوة النص المسرحي وامتلاؤه الناقد المسرحي السوري جوان جان قال للاتحاد: المسرحية تقدم حالة إنسانية، تتمثل في سعي شخوصها الرئيسة نحو تحقيق أحلامها المتمثلة بالحصول على الماء في ظرف طبيعي لا يتيح المجال أمام تحقيق أهداف قد تبدو للوهلة الأولى سهلة المنال، لكن الوقائع تشير إلى عكس الاتجاه، حيث الاصطدام بأكثر من عثرة قد يكون من بينها اختلاف المصالح الذي يتماشى مع اختلاف النظرة إلى الأشياء، وبالتالي فإن ما جمع في البداية قد يفرق في النهاية، وما فرّق في النهاية لا يمكن جمعه من جديد· إن مسرحية (الظمأ) لفرقة كلباء للفنون الشعبية والمسرح من المسرحيات التي تعتمد على قوة النص المسرحي وامتلائه بالعديد من الأفكار الملحة والصور المشكلة للضمير والوجدان، في الوقت نفسه الذي تعتمد فيه على الشكل الفني المنسجم مع طبيعة النص ومعطياته· ولكن هذا لا يعني أن العمل يخلو من النواقص، إذ لا شك أن هناك ملاحظات يمكن طرحها على بساط البحث، ليس أقلها خلو العمل من نصف الحياة الذي لا تكتمل دونه، إذ كيف لنا أن نطرح الحياة بمآسيها وأفراحها وإخفاقاتها وطموحاتها، دون العنصر الذي يعطي قيمة للأشياء وبريقاً لا حدود له· دلالات رمزية الناقدة والمخرجة والممثلة المسرحية العراقية خالدة مجيد عدت المخرج الدرمكي واحداً من أهم الناشطين المسرحيين في إمارة الشارقة، فهو مخرج (باحث) إضافة إلى كونه كاتباً مفكراً، حيث امتزج ذلك في حالة إبداعية نتج عنها عرض جميل جداً· وقالت: (أعتقد أنه إذا استمرت هذه المجموعة في العمل على هذا المنوال وبهذه الطريقة التفكيرية التحفيزية، فسيثبتون وجوداً على مستوى المسرح في الوطن العربي)· وأضافت: (هذا العرض مأخوذ من المسرح الصوري الإيحائي، وفيه دلالات رمزية كثيرة للصراعات والنزوات الإنسانية· فقد شاهدنا على مدى خمس وأربعين دقيقة عرضاً لم يتوقف فيه الصراع الدرامي، بالإضافة إلى الصورة الجميلة التي ميزت العرض، وهي صورة نابعة من هذا الصراع وليست هجينة عليه)· ورداً عن سؤال حول اختلاف هذا العرض عن العروض التي قدمت في أيام الشارقة المسرحية، قالت الناقدة المقيمة في (الإمارات): (عندما عرضت المسرحية في الإمارات كان هناك حوالي ثلاثين ممثلاً يؤدون مشاهد الديكور في العرض، أما الآن فكانوا عشرة فقط، لكن هذا لم يؤثر على الأداء أو المضمون، بل إن الأداء الآن هو الأفضل، وهذه مهارة تحسب للمخرج)، وأضافت: (إن الممثلين الذين أدوا هذا العرض هواة، وعلاقتهم بالمسرح موسمية، وهذا هو حال معظم الفرق المسرحية في الإمارات، وليس كما هو الحال في دمشق والقاهرة، ومع ذلك كانوا على قدر المسؤولية ولا يقلون كفاءة عن بقية العروض التي قدمت)· تكوين تكاملي أما الدكتور قاسم البياتلي المفكر والناقد المسرحي المعروف فقال: إن العرض ينتمي إلى المسرح التقليدي الذي نعرفه في المسارح التقليدية· والمخرج عمل على الأزياء وعلى وحدات تكوينية متعددة بحيث بنى العمل على الصورة وأفعال الممثلين· وكانت السينوغرافيا مترابطة مع بعضها في رؤيته الإخراجية، وهذه مفردة من المفردات المهمة في العمل المسرحي لإيصال رؤية وفكرة المخرج وليس اعتماداً على تفسير النص فقط، وكان موفقاً جداً في هذه العملية، بالإضافة إلى حساسيته الواضحة في تعامله مع الأجساد والأزياء نفسها التي دخلت في توظيف تكوينات المشهد المسرحي، والتي كانت عنصراً من عناصر البناء الدرامي، وهذه مسألة جيدة جداً نحو تكوين تكاملي وليس تفتيتياً· فالمخرج جسد أفكاراً متوازية مع النص، فكان هناك تزاوج جيد ما بين النص المنطوق وبين النص الإخراجي· أما الممثلون فأبدوا قابلية جيدة في التمثيل، رغم أنه كان هناك بعض التلكؤات في عملية الصوت وحفظ النص، والتي أرجعها إلى عناء السفر ربما، لكني أعتقد أن العرض يحتاج إلى عمل أكثر على المسائل الصوتية، حيث كان بالإمكان مثلاً أن يتم توظيف (الكورس) في نهاية العرض بصوت عار دون تسجيل موسيقي· عرض سيميائي الناقد المسرحي العراقي الدكتور حميد صابر البصري رأى أن نجاح هذا العرض يعود بالدرجة الأولى إلى معرفة نبيه عارف ببواطن اللعبة التشكيلية على خشبة المسرح، فقد حاول المخرج بوضوح أن يستخدم البعد الصوري معادلاً موضوعياً للفكرة، وقد وفق في ذلك· فهو مثلاً استخدم قطعة القماش البيضاء للدلالة على المكان، لا باعتباره جغرافيا، بل باعتباره حالات متنوعة عبرت عن دواخل الشخصيتين الرئيسيتين، ثم إن حركة المجموعة بهذه البلاستيكية، وبهذه التلوينات التشكيلية دلت أيضاً على مقدرة المخرج في إشغال الحيز والفضاء المسرحي، بصورة كلية، لتتشظى الصورة بعد ذلك إلى مجموعة من الصور التي صبت في الصورة الكلية الشمولية للعرض· فالصورة كانت مكثفة لا سائبة، وتدل على مخيلة وأفق واسع للمخرج الذي أحسن تحريك جوقته أو مجموعته على الخشبة بطريقة تكاد تكون شعرية موسيقية· وأضاف البصري: إن هذه التجربة تؤكد لي أن هناك إمكانية كبيرة لمسرحيي الإمارات الشباب في أن ينطلقوا إلى مسرح يجتهد ويجرب دون ادعاء، وقد جربوا واجتهدوا في نص واضح المعالم درامياً، ساهم المخرج في إعطائه هذه الرمزية وهذه الدلالية، وأعتقد أنهم قدموا عرضاً سيميائياً دون مبالغة· سؤال لابد منه أخيراً، فإن عرض (الظمأ) لفرقة جمعية كلباء للفنون الشعبية والمسرح، ترك انطباعات مهمة في اليوم الأخير من أيام مهرجان دمشق المسرحي الثالث عشر، وقدم صورة جديدة ومهمة للمسرح الإماراتي الناهض· ولعل أكثر ما استرعى الانتباه في هذا المجال، أن المسرح في الإمارات، رغم كونه مسرحاً موسمياً للهواة غير المتفرغين استطاع أن يثبت حضوره عربياً بجدارة، وفي واحد من المهرجانات العربية التي تجتمع فيها فرق عريقة ومحترفة، فماذا لو هيئ للمسرح الإماراتي أن يدخل في طور احترافي؟!·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©