الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغربُ وإسْرائيلُ.. واختبار غزّة

الغربُ وإسْرائيلُ.. واختبار غزّة
18 سبتمبر 2014 09:34
علينا ألا نتعب من العودة إلى موضوع الغرب وإسرائيل. فالعدوان الذي شنته إسرائيل مؤخراً على غزة لم يكن ممكناً، على النحو الذي تم به، لولا مباركة الغرب. وأثبتت إسرائيل، مرة أخرى، أنها لا تملك غير القتل والتدمير. قتل الأبرياء دون أي تمييز، وتدمير الأبنية مهما كانت طبيعتها، وتعطيل الآليات، اللازمة للحياة اليومية. تفعل ذلك كله وهي مطمئنة إلى أن الغرب يضع جداراً بينها وبين أي غضب على ما ترتكبه، يرفع الجدار عالياً ويبارك. منذ أن كتب إدوار سعيد كتاب “الاستشراق” لم يعد أصحاب الفكر النقدي في الغرب يؤمنون بأن حملة نابليون على مصر كانت وراءها الرغبة في تحرير مصر من زمن العبودية، كما لم يعد من المقبول عربياً أي حديث عن إيجابيات هذه الحملة العسكرية. بل هي، كما أوضح إدوارد سعيد، البوابة التي رجعت منها جيوش الغرب لاحتلال البلاد العربية، بعد أن كانت أوروبا المسيحية في العصور الوسطى جندت أبناءها للاستيلاء على القدس ونزعها من ملكية أصحابها تحت سلطة المسلمين. تلك رواية لم تنته فصولها حتى اليوم. وعلى غرارها صدرت فكرة إسرائيل في العصر الحديث عن اليهودية الغربية، ومن الغرب خرج المنظرون والدعاة، قبل المحرقة اليهودية على يد الغرب المسيحي وبعدها. فلماذا نندهش أو نصدم من تجديد الولاء الغربي لإسرائيل؟ يتواصل الولاء في السلم ويتضاعف في أيام الحرب. ونحن لا نكاد نصدق هذا الرابط الذي يضع إسرائيل فوق القيم والمبادئ أو فوق القوانين والأعراف الدولية. تأييد أميركي نندهش ونصدم لأننا نثق في الكلمات التي يوجهها لنا الغرب، مرة تلو المرة، وهو يستعمل المعجم التقليدي للقيم الغربية ذاتها. كانت أميركا هي السباقة لإعلان تأييدها للعدوان على الشعب الفلسطيني في غزة. جاء ذلك على لسان السيد باراك أوباما. كان من قبل، في بدء ولايته الأولى، جاء إلى القاهرة وألقى علينا جميعاً خطاب البشرى بحلول زمن أميركي يناقض ما قامت عليه السياسة الأميركية من احتقارها للشعوب العربية وعدم اكتراثها بأي موقف مناهض لخطابها ولمواقفها في الساحة العربية. ثم كان له أيام الربيع العربي كلمات يختارها للتعبير عن حق العرب في الحرية والكرامة. تلك كلمات ومواقف وضعت خطاً أحمر بين عهدين. لكن أخذ يتكشف لنا أن السيد أوباما يفضل المصالح على حساب المبادئ. وبسرعة ظهرت من جديد صورة أميركا المناهضة للعرب. كل حديث عن الحرية والكرامة في العالم العربي ليس له من معنى إن هو لم يكن ينطلق من حق الشعب الفلسطيني وينتهي إليه. وهذا بالضبط ما لم يجرٍؤ عليه السيد أوباما في اختباره الأول مع إسرائيل. وكل ما أتى لاحقاً بخصوص القضية الفلسطينية كانت فيه الكلمة العليا لإسرائيل. هي الحقيقة والفلسطينيون، وهمٌ يسعى على الأرض. نفاق أوروبي موقف أميركا هو ذاته موقف فرنسا، سيدة الثورة الفرنسية والناطقة باسم قيم الحرية والعدالة والأخوة. أكثر من ذلك، نحن الآن في زمن الاشتراكيين، أحفاد جان جوريس. هل من حقنا أن نصدق أم نكذب ؟ صمت يطول على العدوان، ثم تأييد للعدوان تبعاً للازمة الغنائية: “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”. لا سيبل إلى إخفاء النفاق هنا كما هو نفسه هناك. بين أميركا وفرنسا. ثم لك الجوقة الغربية بكاملها، على لسان الاتحاد الأوروبي أو الدول الأوروبية، واحدة، واحدة. لا خوف عليك من انتظار موقف عادل من هذا أو ذاك. تلك هي مواقف الدول. ونعني بالمواقف استعداد كل دولة للمزيد من الدعم العسكري لإسرائيل، التي يحتل جيشها المرتبة الرابعة بين الجيوش في العالم. كما نعني بها ترقب المزيد من تأييد الحصار على غزة، وتجريد الفلسطينيين من أرضهم. يضيفون إلى الأسلحة أسلحة أخرى. ويضاعفون الكذب والصمت في الإعلام. أين الشعب الفلسطيني؟ أين الضحايا؟ أين الدمار؟ أين الحقوق؟ أين الإنسان؟ لا شيء. مجرد تخمين. وحرب غزة لم تقع. جاهزية أروبية لوضع الحواجز ثم الحواجز حتى لا صوت للفلسطيني ولا صورة. مواقف أصبحت مفضوحة أمام الرأي العام العربي. لا نحتاج إلى بلاغة لمعرفة ما الذي تعنيه القيم والمبادئ لديكم. فقط أقول: من لا يجرؤ على قول الحقيقة لا حجة له في الكلام عن القيم الإنسانية. العرب والغرب! أخص الغرب هنا بالحديث. والسبب هو أنه مصدر أحلام العرب الحديثين ومصدر حقد الإسلاميين عليه وعلى أنصاره من العرب. ليست هذه هي المرة الأولى التي نصبح فيها عراة أمام أحلامنا، وليست المرة الأولى التي يفضح فيها مثقفون عرب هذا الغرب ذاته. لذلك قلت في البدء علينا ألا نتعب من العودة إلى الموضوع. إن العالم العربي ينجرف بعنف نحو رفض الغرب ككل، ويبادر برؤية عمياء إلى الانطواء على الذات. وأعتقد أن هذه هي هزيمتنا الكبرى أمام العدو الإسرائيلي. هزيمة بلا رأس ولا ذنب. نحن نعيش مرحلة يسود فيها الجهل على المعرفة، والاندفاع على الرأي، ورد الفعل على الفعل. وهي جميعها جالبة لأبعد الانكسارات وأشدها فتكاً بجسد الأمة. لنا أن نتذكر من جديد أن هناك فرقاً بين الغرب الاستعماري والأمبريالي وبين قيم ومبادئ الحرية والعدالة والأخوة. هذه القيم والمبادئ ملك للإنسانية، بل إن الأنظمة السياسة الغربية أول من عمل على خيانتها. والغرب حين يستعملها اليوم لا يتجاوز استعماله لها حدود استغلالها من أجل فرض إرادته والمحافظة على مصالحه. لقد انتهى ذلك العهد الذي جاءت فيه الثورة الفرنسية ورفعت إلى الأعلى قيماً ومبادئ من أجل جميع الأفراد والشعوب. على أن من واجبنا أيضاً ضرورة التذكير بمواقف أفراد ومؤسسات غربية، لا تتخلى عن المبادئ والقيم العليا. ثمة كتاب وفنانون وقانونيون ومواطنون، من بين الرجال والنساء، مستمرون في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وإدانة العدوان الإسرائيلي على غزة. وهم يشكلون قوة لا نكاد نراها لشدة طغيان الإعلام الغربي المنحاز لإسرائيل. لذلك كلما تأملنا في هذه القوى الغربية المضادة للعدوان الإسرائيلي ولمواقف بلدانها حاصرَنا ما نلمسه من عجز عن فرض رأيها في سيرورة الأحداث، وانعدام صداها في المجتمع الإسرائيلي. فهذه القوى تبقى ضعيفة مهما ارتفع عددها، لأننا اليوم في زمن العولمة الذي يسيطر عليه الإعلام والاستهلاك. لابد من الإقرار بهذه المفارقة حتى لا نبني أوهاماً ينتج عنها المزيد من الخيبة. هذه واقعة علينا التعامل معها بكل صرامة. ونقصد بالصرامة أننا واثقون من وجود قوى غربية مساندة للشعب الفلسطيني، ومدركون في الوقت نفسه ما يحكم الغرب نفسه من سيادة مجتمع الإعلام والاستهلاك عليه. لست هنا بصدد استخلاص أمل أو يأس. فقط أريد للوعي النقدي أن يبقى يقظاً، تحت سماء غزة، يتتبع عن قرب مشاهد الجريمة الإسرائيلية، وينصت إلى صرخات الفلسطينيين، أمهات وأطفالاً، في مواقع الدمار والمستشفيات والمقابر. وعي يتعلم من المقاومة الفلسطينية كيف يقاوم اليوم وبعد اليوم، في أفق هو أفق الحرية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©