الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مكائد الجاسوسية.. متاهاتها القذرة

مكائد الجاسوسية.. متاهاتها القذرة
17 سبتمبر 2014 21:34
«ليس هناك جواسيس» هو عنوان الرواية التي استوحى منها المخرج روجر دونالدسون تقاسيم وحبكة ومسارات فيلمه الجديد (رجل نوفمبر TheNovemberMan) المعروض حالياً بصالات السينما في الإمارات، الرواية من تأليف الكاتب بيل غرانغر، ويستعيد فيها أجواء وظلال الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفييتي، ولكن بصيغة معاصرة على إثر انهيار جدار برلين، وامتداد الأذرع الطويلة لعملاء الاستخبارات في قوس واسع يبدأ من أميركا، ويعبر إلى صربيا وسويسرا والجبل الأسود والشيشان، وصولاً إلى روسيا الحديثة الناهضة من ركام الماضي وخيباته، والمفعمة بالحيوية السياسية والقوة العسكرية، والباحثة بطموح عن موقع عالمي مؤثر ومحوري في القرن الجديد. يعمل فيلم رجل نوفمبر باتجاه معاكس شكلاً ومضموناً لعنوان الرواية، استناداً إلى الكم الهائل والمتداخل من الجواسيس والعملاء المزدوجين والخونة والمرتشين، الذين يعبرون في هذا الشريط البصري الفائض بالمطاردات والصدامات الدموية والانتقام وردات الفعل الشرسة والمعززة بإيقاع لاهث تتحول فيه الشخصيات الرئيسية أحياناً إلى أدوات قتل مبرمجة، وقد تخرج عن سيطرة المتحكمين بها أيضاً. يبدأ الفيلم بمشهد يجمع بين بيتر ديفرو (الممثل بروس بريسنان) العميل المحنك في جهاز الاستخبارات الأميركية الـ(سي آي إيه)، وبين العميل المستجد ديفيد مايسون (الممثل الشاب لوك بريسي)، وفي أول مهمة تجمعهما في أوروبا يخفق العميل المستجد في تنفيذ تعليمات ديفرو بدقة ويتسبب بريسي في قتل فتاة بريئة ولكنه في ذات الوقت ينقذ حياة ديفرو بعد تصفيته لشخص حاول قتل ديفرو وسط حشد من المدنيين. تتسبب الحادثة في إعفاء ديفرو من عمله في جهاز الاستخبارات الأميركي وإحالته للتقاعد في العام 2008، بينما يستمر بريسي في عمله بعد تغطية خطئه من قبل ديفرو، كنوع من رد الجميل أو التضحية الذاتية بعد إنقاذ هذا العميل المستجد لحياته رغم التبعات الخطيرة التي ترتبت عليها المهمة بأكملها. مهمة في روسيا يظل شبح الحادثة حاضرا في ذهن الاثنين، كطيف لصداقة لم تكتمل ولكنها لا تزال حية ونابضة في العمق، يستقر ديفرو بعد تقاعده في إحدى المنتجعات الهادئة في سويسرا، وهو الهدوء الذي لن يستمر طويلاً ، حيث يتم استدعاؤه وبعد خمس سنوات من تلك الحادثة المشئومة، لتنفيذ مهمة أخيرة في روسيا لكشف فضائح المرشح الرئاسي فيدروف (الممثل لازار ريستوفسكي) الأكثر حظاً للفوز، وغير المرغوب به من الإدارة الأميركية، وانطلاقاً من هذه المهمة الأخيرة والخطرة تبدأ المسارات السردية للفيلم وكذلك المنابع العاطفية للشخوص الرئيسيين في الفيلم بالتصادم المدمر للجميع، وبالانكشاف المؤلم على خبايا الجاسوسية ومكائدها، والتي يمكن أن يتحول فيها العميل إلى ضحية لخطط بديلة ومفاجئة وقد تكون مدبرة مسبقاً وغير معروفة سوى للدائرة المغلقة من السياسيين، وصناع القرار في جهاز الاستخبارات المركزي. يتوجه ديفرو إلى موسكو كي يستلم وثائق تؤكد تورط المرشح الرئاسي في عمليات قتل متعمدة لأبرياء وعملية اختطاف فتاة قاصر نفذها سابقا أثناء مهمة عسكرية قديمة في الشيشان، وكان من المقرر استلام ديفرو لهذه الوثائق من خلال لقاء سري مع عميلة روسية تعمل كموظفة لدى المرشح الرئاسي، وقبل اللقاء بقليل تكتشف المخابرات الروسية حقيقة الموظفة وأثناء مطاردتها وإنقاذ ديفرو لها، يتدخل رجال المخابرات الأميركية الموجودين في روسيا من أجل تصفية العميلين الأميركيين، وإنهاء العملية قبل انكشاف خيوط المؤامرة وتدهور العلاقة بين البلدين، يؤدي هذا التدخل العنيف والدموي إلى قتل العميلة الروسية (الممثلة ميديا ميسليوفيتش)، والتي نكتشف علاقتها العاطفية السابقة بديفرو وإنجابهما لطفلة تعيش معه في سويسرا، وفي ردة فعل انتقامية ومضادة لكل أهداف العملية يبدأ ديفرو منفردا في تتبع خيوط هذه اللعبة الاستخباراتية القذرة، فيشرع في تصفية قتلة عشيقته السابقة الذين أوكلتهم الـ(سي آي إيه) للتغطية على أي فشل محتمل، ولكن العميل المستجد مايسون الذي دربه ديفرو والمنضم للفريق في روسيا ينجو وحيداً وبأعجوبة من الانتقام، وتبدأ لعبة أخرى من الكر والفر بين الصديقين اللدودين وسط فضاء مريب وشكوكي وملتبس بين الطرفين، فمن جهة نرى ديفرو وهو في سباق محموم للظفر بالفتاة المختطفة لدى المرشح الرئاسي فيدروف، ومن الجهة المقابلة نرى العميل المستجد مايسون وهو يحاول انتزاع الأدلة من ديفرو قبل وصولها لوسائل الإعلام، وفي النهاية يزيح لنا الفيلم عن مفاجئة أخيرة وهي أن العميل هانلي (الممثل بيل سميتروفيتش) صديق ديفرو الذي أوكل له المهمة الأخيرة هو المتسبب في كل هذه الفوضى وهو الذي أعطى أوامره لتصفية ديفرو وعشيقته معاً كي يستحوذ على الوثائق ويسلمها للمرشح الروسي طمعاً في مكافأة كبيرة ومنتظره لصيده الاستخباراتي الثمين. تفكك فيلم (رجل نوفمبر) ورغم اعتماده على حبكة معقدة ومتشابكة تنقل واقع عالم الجاسوسية ومتاهاتها، فإنه لم يستطع التخلص من متاهة السيناريو وعبء الشخصيات وازدحامها في الفيلم نفسه، وجاء الأسلوب التقليدي للإخراج، الأشبه بأسلوب السبعينات، كعبء إضافي على الفيلم، ما أفرز الكثير من المشاهد المترهّلة والمقحمة دون مبرر درامي مقنع، مع أخطاء كثيرة في القطع والمونتاج وزوايا الكاميرا، رغم أن مخرج الفيلم روجر دونالدسون سبق له تقديم أعمال جيدة ومتماسكة موضوعيا وبصريا كما في أفلامه (قمة دانتي) مع بروس بريسنان أيضا، و(رمال بيضاء) مع صامويل إل جاكسون، ومايكل دافو، و(المجنّد) مع آل باتشينو وكولين فاريل. الممثل بروس بريسنان حاول أن يؤكد في هذا الفيلم على حضوره وجاذبيته وعافيته الأدائية رغم تقدمه في السن، ورغم ارتباط شهرته السينمائية بدوره اللافت في سلسلة أفلام العميل البريطاني الوسيم والصلد (جيمس بوند)، ولكن طبيعة الشخصية الرئيسية التي نفذها هنا كانت متناقضة كرونولوجيا، ومشتتة بين التعاطف الداخلي والقسوة الظاهرية، ففي المشاهد الاستهلالية استمعنا لديفرو وهو يقول للمتدرب الجديد: “إما أن تكون إنساناً أو قاتلًا. . لا حلول وسط في مهنتنا هذه”، وعلى عكس هذا التوجيه أو النصيحة الضمنية، نرى شخصية ديفرو متأرجحة بين الضعف والوحشية، خصوصاً بعد فقده لزوجته، وبعد خطف ابنته الوحيدة وتهديده بقتلها مقابل تسليمه للصور والوثائق السرية، وهي ردات فعل لا تتلاءم من شخص عديم الرحمة ولا يتقن سوى لغة الترويع وحوار المسدسات. وبروسنان الذي شارك في إنتاج الفيلم أيضاً كان لديه خيار أفضل لو قرر تحويل الرواية مع مخرج آخر إلى جزء جديد من سلسلة أفلام (جيمس بوند)، حيث إن الأرضية السردية والتقاطعات المشهدية المثيرة في النص الأصلي، مع الاستعانة بالتقنيات والمؤثرات البصرية الحديثة، وصياغة سيناريو ذكي ومرن وانتقائي للخطوط العامة في الرواية، كانت ستنتج دون شك عملاً أكثر التصاقاً بعالم الجاسوسية ودهاليزها، ضمن قراءة بصرية جديدة للأوضاع السياسية الراهنة، وتحولاتها الخطرة، وسط حرب الجاسوسية الشرسة وغير المعلنة بين الأقطاب الدولية الكبرى في العالم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©