الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فسيفساء فنية جامعة

فسيفساء فنية جامعة
17 سبتمبر 2014 21:30
«معرض الصيد والفروسية» في العاصمة أبوظبي، حدث سنوي تقليدي، نجح عبر دوراته المختلفة، في إعادة الاهتمام الجماهيري باللوحة الفنية، من خلال المعرض السنوي الذي ينظمه لعدد كبير من الفنانين التشكيليين والمصورين والنحاتين والخطاطين، من مختلف المدارس الفنية والأجيال، على المستوى المحلّي، والعربي، والدّولي. ومما يلفت الانتباه في المعرض هذا العام، اجتماع أعمال أكثر من خمسة عشر فناناً، اتسمت غالبيتها بالقيمة الفنية، والسّوية الابداعية، فضلاً عن ارتباطها موضوعياً بمنظومة الصيد والفروسية وجانبها التراثي. إن نظرة شاملة على أعمال الفنانين في المعرض، التي تزيد على 400 عمل فني، تظهر بشكل كبير ذلك التباين الواضح في سوية الأعمال، إذ إن بعضها يتطلب وقتاً طويلاً من المشاهدة والتدقيق، وبعضها اعتاد الجمهور رؤيته لتكرار مواضيعها وأسلوبها وعرضها في أكثر من مناسبة. لقد توزعت اللوحات في أركان مختلفة من المكان بعبقه التراثي وزخمه الجماهيري، كي ترسم مجتمعة ما يشبه الفسيفساء الشاملة للمشهد التشكيلي العام، ما بين واقعية وكلاسيكية وحداثية منضبطة، ورمزية تجمع ما بين الخيال والحركة وقوة اللون والحس الفلسفي، غير أننا هنا نحاول أن نقرّب الصورة بإلقاء المزيد من الأنوار الكاشفة التي قدّمها لنا تشكيليون محترفون، لا نملك إلا الاعتراف بجمال إبداعهم، وبمميزات صنعتهم الاحترافية في التعامل مع الأفكار والألوان وفنيات الصقل وخليط الخامات والسطوح البارعة في احتضان الفكرة والمخيلة. بدور آل علي: الرسم بالسكّين في جناح التشكيلية «بدور آل علي»، ثمة تجلّيات لونية عن مشاهد تراثية، تعيدنا من خلال أسلوبية فرد اللون بالسكين، إلى جمال الحياة البرية في الصحراء، فهنا ثمة قوافل جمال تجتاز الرمال الذهبية، جمال متراصة بحركتها القوية كجنود في معركة رسمتها ألوان من الأصفر والبني وبعض الترابيات لتصوير حركتها الاندفاعية وتفاصيل أجسادها المتعطشة لاكتشاف صحرائها، وثمة صقور بديعة محلّقة، بألوان وأشكال وحركات مختلفة، كما ترسم آل علي وجوها «بورتريه» مألوفة لدينا، لكنها تبدو من خلال الصقل، وواقعية التعبير، والانسجام بين الخطوط، بحيث بدا لنا وجه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد «طيب الله ثراه»، ووجه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أكثر جمالاً وعفوية، من خلال تلك الجمالية الحاذقة والتلوينات الدافئة التي تستخدمها بحرفية عالية. كين ويلكنز. . تجانس أكليريكي التشكيلي البريطاني الذي يرسم بألوان «الأكرليك» وورق رسم عال الجودة، عرض لنا 12 لوحة فريدة في جمالها وهندستها اللونية، لصقور وطيور جارجة، بالإضافة إلى طائر البوم. وقد استوحاها نتيجة لدراسته المتقنة للطيور وعروض الصقور في أرجاء العالم، لكن ويلكنز، يدهشنا بتركيبه للوحة التي تتداخل فيها العناصر والألوان مع سيطرة واضحة للبني، ففي تجربته التي يمتزج فيها الطائر مع إحدى أدوات الصيد يتخذ الفنان لوناً واحداً لكل لوحة، إلى جانب تدرجاته الكثيرة مع الانزياح نحو بعض الألوان وبخاصة الذهبي المشع، والترابيات، بحيث يبدو لن الخليط في النهاية، لوحة متماهية مع الطبيعة نحو بصرية مريحة. إيليف كونست. . ثراء البازلت الثراء فوق السطح، هو أهم ما يميز لوحات التشكيلي الهولندي «إيليف كونست»، فقد رسم لنا مجموعة من الخيول والثيران البرية والجمال الصحراوية، بألوان مذهلة من الأكريليك، والرصاص، لنجد فيها عشرات التدرجات اللونية ليجلب إثارة وتعبيرية أكبر للمشاهد الذي لا يكلّ المدرك البصري لديه من تتبع حركات الخيول القوية الجامحة في الفضاء، فيما تمتاز منحوتاته بلزوميات إبداعية تبرز ذلك الصقل الجميل للخيول والصقور البرونزية بأحجام مختلفة، حيث تجد تمثال «الثور الجامح» من خامة البازلت تميز بخاصية عالية من التعبير في الشكل والمعنى. هدى الريامي: تراثنا هويتنا التشكيلية الإماراتية الشابة «هدى الريامي» التي ترتبط بعلاقة وثيقة مع المعرض، من خلال حضورها المتتالي مع معظم دوراته بلوحات، نابعة من الموروث االشعبي المحلي، حصدت العام الماضي بجائزة المركز الثاني لأفضل لوحة تراثية في المعرض عن لوحتها «صقر الحر الشامخ»، قدّمت معالم تراثية وتاريخية من دولة الإمارات، وجناحاً خاصاً بقصر الحصن، وتصدرت لوحات، قصر السراب، قلعة الجاهلي، قائمة جهدها الفني، في حين أن لوحة «نور البترول» التي مزجت فيها بين قوافل الجمال التي تعبر الصحراء وجانب من آبار البترول، تعبر عن عمق تجربتها وموهبتها في استخدام الألوان الصحراوية. لقد وفرت لها تنويعات اللوحات ومواضيعها حرية الحركة في نشر الألوان، وتحقيق فضاءات جميلة تلامس أجواء التراث المحلي بكامل مفرداته وتقاليده. ابتسام أبو عنان. . انضباط لوني التشكيلية المغربية «ابتسام أبو عنان» منضبطة في ألوانها وشخصيتها وأسلوبها، ففي جناحها الذي حمل عنوان «العلاقة الروحية بين الخيل العربي الأصيل والإنسان»، ثمة تطبيق عملي ما بين العنوان ودلالاته، وبين المواضيع والأفكار التي جاءت في لوحات تتمتع بهارمونية فائقة الدقة، ولأن الفنانة حالمة ومتأملة، فقد نشدت من خلال الأكرليك الممتزج بخطفات لونية ما بين الأبيض والبني، صورة تتمتع بقوة الحركة والجموح، فهذه الخيول الجميلة بسيطرة اللون الأبيض وخلفيات تكتسب من السماء زرقة خفيفة، وهيئات تتماهى مع الروح الإنسانية، بدت التطبيق الأمثل لشعار الجناح. هنا في الواقع لوحات عميقة، فلسفية في رمزيتها، تستخدم فيها الإسفنجة والريشة والسكين لرصد ألوانها الشفافة مثل لوحات: الهروب، عنفوان وخجل، انكسار، وجميعها تصوغ مشهداً بصرياً يجمع بين القوة والهدوء الشاعري. منصور الحناوي. . واقعية وحداثة لا يكفي مجرد الوقوف أمام لوحة فنية وتأملها، والولوج في عالمها دون أن تناقش وتحاور ذاتك، هذا ما يمكن أن تقوله أو تفكّر فيه، وأنت تقف بشغف وافتتان أمام 21 لوحة عرضها التشكيلي السوري «منصور الحناوي»، فقد شغلت الخيول الجامحة، والأدوات النحاسية من دلال ومباخر وخناجر، جزء مهما من تجربته، لكنه يرسمها ويجسدها بألوان يسيطر عليها الأصفر القشي كحالة، وليس مجرد تصويرات فوتوغرافية للتراث، فهو ينجح بضربات ريشته الرشيقة في التقاط حالات معينة للخيول، فيرسم رؤوسها وعيونها ونظراتها، فلوحة الخيول الأربعة في حركتها الاندفاعية الجامحة وضجيجها، على أرضية يملؤها غبار الصحراء، هي أروع تعبير يوفر انفتاحا للعين كي تتمتع بإحساس نبيل تملكته الخيول بفضل لوحة ذات بناء واقعي، لكن حداثتها تكمن في استخدام اللون وتجاوراته. كانا السيد. . حالة فزع إن المتأمل لرسومات التشكيلية الأميركية «كانا السيد» يجدها تتكلم باللون كلاما معقولاً، فقد قابلت بين الرسم بالحبر، والتعبير بالرصاص، فعدا عن لوحاتها العشرين المعروضة في جناحها، فهي قادرة على جمع جمهور كبير، لمشاهدتها وهي ترسم مباشرة، مواضيع صحراوية، عناصرها الخيول والإبل والصقور، مع أدوات زينتها بألوانها، فأعمالها تولد أمامك مباشرة، وكأنك قد أصبحت شريكاً في هذه التجربة التشكيلية الحيّة. إن أهم ما في أسلوب كانا السيد، مقدرتها على رسم «حالة الفزع» في عيون حيواناتها التراثية، بأبسط ما تستطيع من التكنيك والأدوات، في همس مرسوم يحمل جمال الصنعة، وروعة الأداء، وفلسفة التعبير بالحبر الممزوج بالأكرليك الذي هجرناه بعد تكنولوجيا ثورة المعلومات. آنجل كورتز. . سحر الأبيض والأسود سلاح التشكيلي الإسباني «آنجل كورتز»، قلم رصاص رشيق، يعيدنا إلى زمن لوحة الأبيض والأسود، فهنا عشر لوحات ساحرة، تمثل صقوراً، ووجوه نساء، غابات، خيول، ولعل أجمل لوحة قدمها كورتز في جناحه، للفارس الإماراتي «سلطان المهيري» يمتطي جواده في إحدى منافسات الفروسية، في تفاصيل دقيقة تعكس تطور حركة الجواد وفارسه، أما بقية أعماله فتصنف في المدرسة الحداثية، فهنا وجه مأساوي لفتاة إسبانية، ومناظر ووجوه ومفردات تعبر عن بيئات من المكسيك، أميركا، البرازيل، عكست في جمالها جانباً من جولاته في تلك البلدان، بيد أن هذا الفنان الحساس يدفعك بقوة لمعايشة ملامح لبحيرات وصحارى وكهوف على جدرانها آثار زمن غابر، وربما أكثر ما يميز تجربته أنه يصوغ المشهد بتأن شديد، وصياغته لهذا تعتمد على فكرته بأن الطبيعة قادرة على تنظيم ذاتها في خضم الفوضى. تورلان بازهيروف. . جداريات مذهلة جاء التشكيلي «تورلان بازهيروف - متخرج من كلية نيكولاي جوجول للفنون في ألمانيا» من كازاخستان، وفي جعبته عشر جداريات ضخمة أذهل بها جمهور المعرض، جداريات درامية بكل ما تحمله الجملة من معنى، فهنا لوحة ذات عناصر ملحمية، قوافل الخيول وهي تعبر الصحراء ورمالها الذهبية، وعلى ظهوره فرسان أشداء يحملون صقوراً، هي في الواقع ترنيمة لونية، يلعب فيها الرصاص والباستيل دورا مهما في تشكيل العمل الفني الذي يشدّك، ويدخلك بقوة في الرحلة الصحراوية، وهذا التداخل البديع بين الألوان الترابية، والسطوح المنتعشة بلوني الأصفر القشي والبني ولمسات خفيفة من البرتقالي، تدفعك إلى مزيد من التأمل الفكر التصوفي العالي الذي يحمله هذا الكازاخي من عمق وفلسفة في استخدام ثراء اللون لتحريك عناصر اللوحة وكأنها لمسة تشكيلية ثلاثية الأبعاد. وتجدر الإشارة إلى أن أعمال تورلان الفنية هي من بين الأعمال التي تجمعها صالات العرض العالمية، وبعض رؤساء الدول مثل كازاخستان، روسيا، بريطانيا، اليابان، الصين، والهواة في عدد من بلدان أوروبا، لجمالها وتفردها، وخصوصيتها، وتدفق ألوانها وفلسفة مواضيعها، ومهارة حرفة اليد في تشكيلها وصقلها. لوسي ميلا. . احتفالية اللون والمعنى تنفرد التشكيلية الألمانية «لوسي ميلا» عن بقية رسامي المعرض، بأسلوبها وطريقته الاحتفالية في تشكيل العمل الفني، فهنا عشرون لوحة لصقور رسمت بالألوان المائية، ووجوه وحضور مؤثر لشخصيات وطنية إماراتية التقطت خلال العديد من المناسبات الوطنية التي تقام في الدولة، واتسمت مجمل معروضاتها بالروعة والدقة وجمال الكادر، وهو ما لم نكن نتوقعه من فنانة غربية، قلما تعرف عن بساطة الشرقي في حياته الاجتماعية، لكن ما يثير في تجربة ميلا، أنها تعشق التعبير عن أفكارها وموضوعها باللون الأسود، مع البني المتوافق من حيث التكنيك مع الأبيض، انسجاماً مع تجوالها في عديد الأمكنة في الإمارات والعالم. كازارو ريناتو. . فن تركيبي أسلوب التشكيلي الإيطالي «كازارو ريناتو» معقد، وتركيبي في تأكيد عناصر لوحته، وربما هي المرة الأولى التي نشاهد فيها رساماً في هذا المعرض يرسم الحيوانات، خاصة الإبل، في قالب تركيبي، فهنا قافلة من رؤوس الجمال، وقد تراصت بشكل هرمي أخاذ، وتتجاور معها لوحات متطورة في الذوق والتركيب والمعنى والمزج اللوني لخيول وصقور وفهود ونمور وفيلة وأسود جائعة، فيما تبرز أجمل صور الجناح التركيبية، وهي صور المغفور له الشيخ زايد، بألوان زيتية مشعة، وإلى يمينه رأس حصان، وعلى يساره رأس صقر متحفز، باللونين الأصفر والبني، ولمسات من الأسود الخفيف، وأسفل كادر اللوحة تكوين عام لجامع الشيخ زايد الكبير بأبوظبي، وما بين الأسود والأبيض، وتداخلات من ألوان خفيفة يقدم لنا الرسام لوحة تركيبية ذات أبعاد ثلاثة، بمنتهى الدقة والحذر ورشاقة الريشة. رموز إماراتية ومشغولات يدوية الفنانة الإماراتية لطيفة، التي اعتادت المشاركة في الحدث منذ سنوات، قدمت في جناحها رموزاً تراثية إماراتية، تتصدرها وجوه الشخصيات الوطنية من رجالات الدولة الكبار: المؤسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “رحمه الله”، و صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، وتسجل لطيفة من خلال هذه اللوحات أحداثاً ومواقف تاريخية، جسدتها عن طريق الرصاص والفحم والخشب والألوان الزيتية والباستيل، وربما يكون أهم ما يميزها كتشكيلية هو دقتها في التشريح ورصد تفاصيل الوجوه، والعناية بالخطوط والظل والنور مستفيدة من دراستها للهندسة المعمارية وفن التصاميم. في المعرض صور فاتنة للرسام السويسري «كيرت بلوم» الذي رسم لنا أروع لوحة لخيول جامحة، يمتطيها فرسان مغامرون في قلب الصحراء، وتتقدمهم كلاب السلوقي العربية، فيما يحتضن معرض الفنون والمشغولات اليدوية أعمالاً مختارة لمعظم التشكيليين والتشكيليات المشاركين في المعرض، في خطوة لإلقاء الضوء على أبرز عمل لكل فنان، فيما قدمت الهيئة السعودية للحياة الفطرية نحو ثلاثين صورة فوتوغرافية تمثل: المها العربية، خيول، صقور، حبارى طواويس، إوز بري، غزلان، وجميعها التقطت بعناية شديدة، ما يعكس جمال صحراء الجزيرة العربية من خلال كادر منضبط. ربما كان علينا أن نختتم بما قالته التشكيلية المغربية «ابتسام أبو عنان» من أن اللوحة ليست مجرد موضة، بل هي فعل إنساني، وإبداع منفرد وشكل فني ثقافي لتصوير الحياة والسياسة ومعاناة الفرد. وإذا كان هذا الحدث في مجملة تظاهرة ثقافية وتراثية ورياضية جامعة، فإن جمع كل هذا العدد من الفنانين في مكان ومناسبة كبيرة، يعد أكثر من تظاهرة تحتفي باللوحة، وتروج لها جماهيرياً، ولعل أهم ما يلفت الانتباه بشكل عام هو بروز قوي للوحة المرأة التشكيلية بمقاييس ومواصفات عالمية، كذلك تشكيل ملتقى للحوار الفني بين الجمهور والفنانين، حيث شكلت الأجنحة نقلة نوعية في الارتقاء بمفهوم الحوار ونقل التجربة والحرفة إلى الجمهور العادي ببساطة ما كانت لتتحقق بهذا الجمال والبهاء في غير هكذا مناسبة ترفع من قيمة العاصمة أبوظبي ثقافياً وفنياً وإنسانياً وسياحياً، ما يحقق استراتيجية واعية للاحتفاء باللوحة واللون وسط جموح تكنولوجيا العصر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©