الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

على خط النار

15 نوفمبر 2006 01:48
وصفت مجلة (تايم) الرئيس الباكستاني برويز مشرّف بأنه يتولى (المهمة الأكثر خطورة في التاريخ)، وهو الذي اقترب مرتين ولمسافة بضع بوصات فقط من قبره، ونجا بأعجوبة من محاولتين لاغتياله· ومن كثرة ما تعرّض للموت خلال حياته، آثر أن يطلق على نفسه لقب (القط ذو الأرواح التسعة)· وما زال حتى الآن هدفاً لنشطاء تنظيم ''القاعدة'' الارهابي بمن فيهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري· ثم إن دولة الباكستان ذاتها اقتربت في عهده مرتين من شفير حرب نووية لا تبقي ولا تذر مع جارتها اللدود الهند منذ فجرت قنبلتها الذرية الأولى عام ·1998 ويبدو من الأمور غير المسبوقة بالنسبة لرئيس دولة لا يزال على رأس منصبه، أن يؤلف مذكراته بمثل التفصيل الذي أدرجه مشرف على صفحات كتابه (على خط النار)· وهنا، وللمرة الأولى يكون في وسع قراء هذا الكتاب ذي الغلاف الأنيق، أن يطلعوا عن كثب على بعض الحقائق المتعلقة بما يسمى (الحرب على الإرهاب)، وأن يقوموا بجولة خاصة إلى مسرحها الرئيسي· ويتحدث الرئيس مشرَف في مذكراته بكل إطالة وإسهاب عن خطط ملاحقة بن لادن والظواهري والكثير من كبار أعوانهم، عارضاً بوصف مشوّق لخفايا لعبة القط والفأر التي تكررت عبر حملات عسكرية مركزة، وشارحاً ما رافقها من أحداث ومفارقات واشتباكات كان أبطالها الرئيسيون الدم ودوي الانفجارات وحطام البيوت والأكواخ · ولا يكتفي مشرّف في كتابه بالتحدث عن محاولات اغتياله الشخصية فحسب، بل وأيضاً عن المرات المكرورة التي نجا فيها من الموت لكثرة ما عرّض نفسه للأخطار خلال حياته الخاصة· وفي كتاب (على خط النار) أيضاً شرح مسهب للعمليات العسكرية الشعواء التي طالت مساحات هائلة من المناطق الجبلية التي تنتشر على طول الحدود المعقدة التي تفصل باكستان عن أفغانستان، والتي تتداخل وفق تركيب عجيب مرّة في هذا البلد وأخرى في ذاك· ثم يخوض في الحقائق العسكرية القائمة في منطقة وزيرستان التي ما زالت حتى الآن تعد المعقل الرئيسي لعمليات تنظيم ''القاعدة''· وعلى الرغم من كل هذا، فإن (الحرب على الإرهاب) ليست إلا أحد العناوين البارزة في كتاب (على خط النار)، فهو يضم أيضاً شرحاً مسهباً لمسلسل الأحداث التي أتت بمشرّف إلى السلطة عام ،1999 وهو يتعرّض إلى تفاصيل جديدة حول الصراع مع الهند بشأن كشمير والاقتراحات العملية التي تقدم بها لوضع حدّ لحالة الاقتتال الدموي المزمنة التي تسودها· كما أن بين أهم القضايا التي تناولها مشرف في كتابه، رؤيته الشخصية للعالم الإسلامي في القرن الحادي والعشرين بالإضافة الى تحليل مفصل عن نظرته نحو إسرائيل وقضايا تحرير المرأة المسلمة· وسوف يتم استعراض ملخّص وافٍ لهذه الشروح· كتاب (على خط النار) عامر بأطرف القصص والحكايا حول نشأة وطموحات مشرّف منذ طفولته وحتى الآن؛ وهو يعكس الكثير من الصور الواقعية منذ أصبحت باكستان دولة مستقلة عندما كان صبياً صغيراً لم يتجاوز سنته الرابعة· والكتاب سيتم عرضه عبر ثلاث حلقات· تأليف: برويز مشرّف ترجمة وعرض : عدنان عضيمة 2-3 يتحدث مشرّف في الفصول الأولى من كتابه وبالكثير من الإسهاب والإفاضة، عن ظروف نشأته العائلية؛ فيبدأها من قصة أبيه سيد مشرّف الدين الذي يصفه بأنه نموذج لرب العائلة الملتزمة التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة؛ وهو الذي قُدّر له أن يغادر دلهي مع زوجته وأبنائه الثلاثة مع أفواج الناس الذين هاجروا بالملايين من الهند إلى باكستان إلى غير رجعة عقب إعلان استقلالها· وهي الرحلة المريرة التي عاشها مئات ألوف الباكستانيين الفارّين من البطش الأعمى للسيخ والهندوس·· وحيث كانت القطارات الملأى عن آخرها بأفواج الناس تقوم دون انقطاع بتشكيل قوافل الخوف والألم والدموع· وكان الولد الثاني لهذه العائلة (برويز) قد بلغ عامه الرابع· وهو واحد ممن قذفت بهم أقدارهم في واحد من هذه القطارات· وكل ما يتذكره مشرّف الآن عن هذه الرحلة هو نوبة الذعر الشديد التي انتابت أمه من أن يتعرض الركاب إلى مذبحة من قبل السيخ· وكان خوفها يزداد كلما توقف القطار في احدى المحطات، وحيث كانت ترى جثث القتلى متناثرة في كل مكان· وكان على القطار أن يجتاز ولاية البنجاب التي كانت ترتكب فيها أبشع المجازر بحق المسلمين المغادرين إلى غير رجعة لبلدهم الجديد باكستان· يتذكر مشرّف أيضاً أن أباه الذي لم يكن في هذه الرحلة أقل ذعراً من أمه، كان يخبئ تحت ملابسه علبة بدا شديد الخوف عليها، وهي التي كان يؤثر دائماً أن يكون شديد الحرص على محتوياتها قبل أن ينام وبعد أن يستيقظ· وعلم مشرّف فيما بعد أنها كانت تحتوي على 700 ألف روبية، وهو يعد مبلغاً كبيراً في ذلك الوقت؛ إلا أن هذا المال لم يكن ملكاً له، بل يمثل ميزانية مكتب الأجانب في دلهي الذي كان يعمل فيه مديراً لقسم المحاسبة· وبعد معاناة كبيرة، وصل القطار إلى كراتشي في 15 أغسطس من عام ·1947 ويذكر مشرف كيف أن الناس الذين يهبطون من القطار كانوا يتقبلون التهاني من منتظريهم وكأنهم نجوا من موت محقق؛ حتى أن بعضهم أقام في أرض المحطة صلاة الشكر لله على نجاتهم من المذابح· وبالطبع، لم يكن في وسع مشرّف أن يتذكر كل شيء عن تلك الفترة العصيبة والحاسمة من تاريخ باكستان لأن عمره لم يكن يتعدّى السنوات الأربع؛ فهو من مواليد مدينة دلهي في 11 أغسطس من عام ·1943 وله أخ يكبره بعام ويدعى جاويد ويصفه بأنه عبقري· وأما ثالث هؤلاء الأشقاء وأصغرهم فيدعى نافد· ولم يكن في وسع والدي مشرّف مواجهة أعباء وتكاليف الحياة إلا بالعمل؛ خاصة وأنهما كانا عازمين على تعليم أبنائهما الثلاثة في أفضل المدارس، مما أجبر أمه على العمل مدرسة· ذكريات الرحيل الدائم وكراتشي التي احتضنت مشرّف في طفولته، مدينة عتيقة، تضرب عميقاً في جذور التاريخ، شأنها في ذلك شأن معظم مدن باكستان· ولقد بدأت هذه المدينة تاريخها، كقرية صغيرة لصيد الأسماك؛ وكتب لها أن تتحول عقب الاستقلال مباشرة إلى أول عاصمة لدولة باكستان الحديثة· ثم ما لبثت الحكومة أن اتخذت قراراً بنقل العاصمة إلى إسلام آباد، وهي مدينة جديدة اختارت أن تنبسط على السفوح السفلية لهضاب الهمالايا· وللرئيس برويز مشرّف ذكريات قديمة مع تاريخ (11 سبتمبر) فقد شهد في هذا التاريخ من عام ،1948 ولم يكن قد تعدى الخامسة من عمره، حدثاً سياسياً كبيراً حين تم الإعلان رسمياً عن وفاة مؤسس باكستان الحديثة وبطل الاستقلال محمد علي جناح، وكانت وفاته قد شكلت صدمة كبرى للأمة الباكستانية· وينقل مشرّف عن صحفي أميركي وصفه لهذا القائد الكبير بأنه (يُصنَّف إلى جانب أشخاص قلائل تمكنوا بأعمالهم الفذّة من تغيير مسار التاريخ)· خلّف موت جناح حالة من الضياع وانعدام الثقة بالمستقبل بالنسبة للغالبية العظمى من الباكستانيين؛ وطالما أن حياة أمة يبلغ عدد سكانها بضع عشرات الملايين لا يمكن أن تنتهي بوفاة شخص منفرد، فلقد تم تعيين لياقات علي خان كأول رئيس وزراء للدولة عقب استقلالها؛ وهو رجل اقتصادي بارز نجح في إعادة الأمل إلى الشعب الباكستاني من خلال إخراج البلاد من حالة الركود الاقتصادي· وعلى كل حال، كانت تلك الأيام التي قضاها مشرّف في كراتشي هي الأكثر انطواء على السعادة في مرحلة الطفولة· وكان الترحال الدائم والانتقال من بيت إلى آخر ومن مدرسة إلى أخرى، العنوان البارز في حياة مشرّف في تلك الأيام العامرة بالأحداث المتلاحقة· فما كادت تنقضي سنتان فحسب على استقرار العائلة في كراتشي حتى صدر قرار من وزارة الخارجية بتعيين أبيه موظفاً في القنصلية الباكستانية في أنقرة· وبقي هناك سبع سنوات قال انها كانت ذات تأثير هائل على حياته المقبلة· كانت تركيا وباكستان في تلك الأيام تشتركان في العديد من العوامل؛ أولها أنهما تدينان بالإسلام، وفيما كانت باكستان الحديثة قد تمكنت من انتزاع استقلالها من بريطانيا والهند في عام ،1947 كان مصطفى كمال قد أطلق لتوّه مشروع (تركيا الحديثة)· وفي الفترة التي أعقبت سقوط الخلافة العثمانية، تمكن مصطفى كمال من إنقاذ تركيا من مشروع البلقنة، وأصرّ على ترسيخ نظام جديد عنوانه الوسطيّة والابتعاد عن التطرّف والتقرّب من الغرب· ومع النجاح الكبير الذي حققه في هذا الاتجاه، لم يكن غريباً أن يضيف الأتراك إلى اسم منقذ بلادهم من الفوضى والضياع لقب (أتاتورك) الذي يتألف من كلمتين تركيتين تعنيان (أبو الأتراك)· ومن أغرب ما يرويه مشرّف حول شدة التأثير التركي على الباكستان إشارته إلى أن معظم أنواع المآكل السائدة في المطبخ الباكستاني تركية الأصل؛ وكذلك الأمر بالنسبة للغة الوطنية الباكستانية (الأوردية) المشتقّة من التركية؛ وكلمة (أوردو) Urdu ذاتها تركية، وتعني (الجيش)، ولا ينسى مشرّف أبداً عمق الاحترام الذي يكنّه الأتراك للباكستانيين· كانت رحلة مشرّف إلى تركيا العامل الأساسي الذي أسبغ على شخصيته وتوجهاته الطابع الإسلامي الشرقي؛ وهو يكثر من الإشارة إلى هذه النقطة الحساسة من حياته، من ذلك مثلاً اهتمامه بسرد قصة الرحلة العائلية الأولى إلى تركيا حيث ركبت العائلة باخرة من كراتشي إلى مدينة البصرة العراقية؛ ثم استكملت رحلتها من هناك بالقطار إلى أنقرة· وفي أنقرة أيضاً، برز تعلق مشرّف ببعض أنواع الرياضات الجماعية حتى برع فيها وخاصة منها الكرة الطائرة وتنس الريشة وكرة القدم· تأثّر مشرف أيضاً أشدّ التأثر باللباس العسكري المهيب الذي كان يرتديه الملحق العسكري الباكستاني ومساعده في أنقرة في ذلك الوقت، وبدأ يحلم بأن يحمل فوق كتفيه يوماً ما مثل ما يحملان من نجوم، وأن يزيّن صدره ببعض من تلك الأوسمة والنياشين ذات الألوان الزاهية التي كانت تزيّن صدريهما· الشخصية القيادية في شهر أكتوبر من عام ،1956 عندما بلغ مشرّف عامه الثالث عشر، عادت الأسرة إلى كراتشي· ويتذكر من هذه الفترة أنه شعر بالكثير من الحزن لأنه غادر تركيا التي أحبها من صميم فؤاده· وفي ذلك الوقت كانت كراتشي قد شهدت حركة تطور عمرانية نشيطة جعلتها مدينة حديثة بكل المقاييس· ولا بد أن يكون هذا الفتى قد تأثّر إلى حدّ كبير بالمدارس التبشيرية التي انتسب إليها في تلك الفترة ومنها (المدرسة التبشيرية الكاثوليكية) في كراتشي، وربما كان ذلك من العوامل التي أخرجته من قوقعة التعصّب والتطرّف إلى التقيّد بالوسطية في اعتناقه للإسلام، وذلك بخلاف ملايين الأميين الباكستانيين الذين كتب عليه أن يقودهم فيما بعد· ويروي أيضاً أن من أغرب المؤثرات التي كتب لها أن تساهم في تشكيل عناصر شخصيته العسكرية، اهتمامه بلعبة الطائرات الورقية التي اشتهر بها الباكستانيون؛ وكانت تمارس بطريقة دموية غريبة يرويها بالتفصيل· فلقد كان اللاعبون يحرصون على تصميغ الخيط الطويل الذي تربط به الطائرة ويلصقون عليه مسحوق الزجاج الناعم· وتقتضي قوانين اللعبة أن يطلق المتباريان طائرتيهما حتى تحلقا على ارتفاع كبير؛ ثم يحاول كل منهما حكّ خيط طائرته بخيط طائرة خصمه؛ والفائز هو الذي يتمكن من قطع خيط خصمه حتى تهوي طائرته من السماء· وفي أثناء ذلك تدمى أيدي اللاعبين بسبب الجروح التي ينالونها من الزجاج العالق بالخيط· وما هذه إلا بعض الأمثلة عن مؤثرات كثيرة كتب لها أن تتفاعل في عمق شخصية مشرّف لتجعله ميّالاً إلى الخوض في الحياة العسكرية· كان عليه قبل ذلك إنهاء سنوات الدراسة بنجاح، فانتسب إلى (معهد فورمان المسيحي) في لاهور، وهو من أرقى المعاهد الخاصة في باكستان كلها؛ وفيه تعلّم كيف يصنع قنبلة موقوتة؛ وهي التي استخدمها فيما بعد على نحو فعّال في إحدى جولاته مع الهنود عندما كان ينفّذ مهمة كضابط في قوّات التدخّل السريع· ويعلّق مشرّف على هذه القصة بقوله إنه في هذا العصر الذي نعيشه الآن تحت عنوان الحرب على الإرهاب، فإن من الأمور ذات الخطورة البالغة أن يتحدث المرء عن قدرته على تركيب القنابل الموقوتة، لأنه يسعى بذلك إلى إدراج اسمه في مئات القوائم السوداء لإرهابيي العالم، إلا أن ذلك حدث في وقت البراءة والميل إلى التسامح، ولم تكن في ذلك الوقت قد عرفت القنابل المعدّة بالأيدي سوى قنبلة ''مولوتوف'' الروسية الشهيرة· وفي عام ،1961 ولم يكن قد تجاوز الثامنة عشرة من عمره، انتسب إلى الأكاديمية العسكرية بعد أن خضع لسلسلة طويلة ومعقدة من الاختبارات البدنية والذهنية وفاز فيها جميعاً· وبعد قضاء المدة اللازمة في هذه الأكاديمية ذات الشهرة الذائعة، تخرّج برتبة ملازم ثان في تخصص المدفعية المضادة للطائرات، وتم اختياره قائداً للكتيبة السادسة والثلاثين المضادة للطائرات التي تعمل على الحدود المشتركة الساخنة مع الهند· وفي عام 1965 اشترك في الحرب الشاملة التي نشبت على طول الحدود الفاصلة بين الهند وباكستان في السادس من شهر سبتمبر ولم تتوقف إلا بعد 17 يوماً وبقرار من مجلس الأمن الدولي· وفيها، تمكن الجيش الباكستاني من تلقين الجيش الهندي درساً لن ينساه أبداً بالرغم من أن أحداً من الطرفين لم يحقق هدفاً استراتيجياً مهماً· تتسلسل الأحداث العسكرية في حياة مشرّف فيما بعد، ويشترك في العديد من العمليات المضادة للاعتداءات التي كانت تتعرض لها باكستان بشكل متكرر من جارتها اللدود، وليرتقي من خلالها من رتبة إلى أخرى· في عام 1968 تعرف إلى زوجته صهبا فريد وتزوج منها في 27 ديسمبر من ذلك العام بعد أن ارتقى إلى رتبة نقيب؛ وكان لها دور بارز في حياته لم يتنكّر له أو يغفل عنه للحظة واحدة· وهو يصفها بالزوجة الصالحة التي تنتمي إلى عائلة كريمة النسب· ويصف أهم حدث واجهه بعد ذلك فيقول: (وما لبثت أن وجدت نفسي وقد أصبحت مسؤولاً عن كائن حي جديد عندما رزقني الله بأول أطفالي وهي الطفلة آيلا التي ولدت في 18 فبراير من عام 1970 ليعقبها طفل أطلقت عليه اسم بلال ولد في 17 أكتوبر من عام 1971)· وفي عام 1979 تم تعيين مشرف في قيادة أركان الجيش الباكستاني حيث برزت هناك مواهبه العسكرية، وبين عامي 1985 و1998 ارتقى من رتبة عميد إلى أن أصبح القائد العام للجيش· ومن هذا المنصب انتقل إلى كرسي الرئاسة· الحلقة المقبلة: خيارات باكستان في لعبة الحرب الجديدة
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©