السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

المساجد والمعابد مسؤولية الحاكم شرعاً

27 أغسطس 2015 23:00
مسؤولية رئيس الدولة شرعاً هي حراسة الدين وسياسة الدنيا، وقد أكَّد علماء الإسلام أن السياسة الشرعية التي يسوس بها الحاكم أمور الناس تتطلب منه اتخاذ قرارات وأنظمة ليتحقق الأمن والطمأنينة، وينتظم بها معاش الناس وتعايشهم، وهذه الأنظمة والقوانين تتطور وتتغير مع الزمان وتكون مرنة تحقق المصالح ولا تخالف ثوابت الشريعة. ولما كان عصرنا يتميز بالتداخل البشري واختلاط الثقافات والأديان واللغات والألوان بما لم يكن سابقاً، وهنا لابدَّ من وقفة شرعية مع هذه الحالة: 1- هؤلاء الواردون عن غير المسلمين ليسوا بأهل ذمة - في المصطلح الإسلامي - كما يعتقد بعض الناس، بل جاءوا في إطار اتفاقات بين دولهم والدول الإسلامية وهذه الاتفاقات تدخل في اتفاقات دولية عالمية، ومن المعلوم شرعاً أن من حقوق الحاكم إبرام الاتفاقات مع البلاد الأخرى والشعوب الأخرى وهذا داخل في اختصاصه وحده، وقد دخل المسلمون بلاداً غير إسلامية بناء على اتفاقات خاصة أو دولية عامة وبإجراءات محددّة. 2-إذا أراد هؤلاء الواردون أن يقيموا شعائر دينهم أو عادات زواجهم أو ما يمكن أن يكون من دينهم فهل لهم ذلك؟ نعم لهم ذلك للأدلة التالية: 1- لم يمنع الإسلام غير المسلمين من إقامة شعائر دينهم أهل الكتاب والمجوس وأمثالهم في بلاد الإسلام، بل إن وفد نجران أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وحاوروه وصلوا في مسجده ولم يمنعهم ولم ينكر عليهم. 2- كان غير المسلمين من الأديان الأخرى بدءاً من العهد النبوي وعبر العصور في جزيرة العرب وغيرها من بلاد المسلمين، فقد كانوا في وادي نجران وتيماء وفدك وخيبر وأطراف الجزيرة العربية، ولما اتسعت بلاد الإسلام اتسع وجودهم وبقي من بقي على دينه وكان يقيم شعائره وعباداته في معابدهم ولم يمنعهم من ذلك أحد، ولم يأتنا خبر أن الصحابة رضي الله عنهم أو الفاتحون قد هدموا معبداً، بل إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله على الأمصار: أن لا يهدموا بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار. وقرر العلماء أن المسلم إذا تزوج كتابية لا يمنعها من عبادتها وشعائرها ويسمح لها بالذهاب إلى معبدها. 3- إن تنظيم أمور هؤلاء الواردين والوافدين، سواء كان وجودهم طويلاً أو مؤقتاً، هو مرتبط بالحاكم، وهنا يتساءل هل يجوز له أن يسمح لهم بإقامة معابد؟! نؤكد أن إقامة المعابد لغير المسلمين في بلاد المسلمين داخل في إطار السياسة الشرعية التي يراها الحاكم، وليس هناك نص شرعي يقيده أو يمنعه إلا نص واحد أمسك به بعض الناس وفهموه فهماً غير صحيح، ولربما كانوا من غير أهل التخصص الشرعي وهذا النص هو قول النبي صلى الله عليه سلم: «لا يبقين دينان في أرض العرب» ولهذا الحديث روايات تدور حول هذا المعنى. وقد رأى العلماء من صدر الإسلام أن غير المسلمين موجودون في جزيرة العرب بطولها وعرضها، وكان لهم معابدهم ويقيمون شعائرهم مما دعاهم إلى تخصيص عموم هذا الحديث وبيان المقصود منه. فقد ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل إلى أن الحديث مقصود به الحجاز ونواحيها، قال الإمام الشافعي: «لم أعلم أن أحداً أجلى أحداً من أهل الذمة من اليمن وقد كانت بها ذمة وليست بحجاز»، من كتاب الأم، وقال البيهقي: والمراد بالحديث: «أرض الحجاز خاصته»، معرفة السنن والآثار للبيهقي، وقال الإمام الرملي الشافعي: «ليس المراد جميع جزيرة العرب، بل الحجاز منها» وفي سنن أبي داود قال الإمام مالك: «عمر أجلى أهل نجران ولم يجلوا من تيماء لأنها ليست من بلاد العرب، فأما الوادي - أي وادي القرى - فإني أرى أنما لم يُجل من فيها من اليهود أنهم لم يروها من أرض العرب» وبهذا يؤكد أن المقصود بالحديث هو الحجاز خاصة. وقد أجلى عمر أهل نجران لأنهم نقضوا العهد الذي أبرموه. وقال الإمام أحمد بن حنبل: «جزيرة العرب الحجاز وما والاها»، وقال ابن قدامة المقدسي في المغني: «فكأن جزيرة العرب في ذلك الحديث أريد بها الحجاز...» وهو مذهب محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة كما في مشكل الآثار للطحاوي فقال: «فمثل مكة والمدينة والطائف والربزة ووادي القرى» وهو ما يفهم من كلامه في الموطأ، وقال الشرنبلالي الحنفي: يُمنعون من استيطان مكة والمدينة. وتحديد جزيرة العرب جغرافياً معروف وهو أوسع من هذا بكثير ولكن هؤلاء العلماء المجتهدين بينوا المقصود من الحديث وخصصوا عمومه، بل جاء في بعض الروايات: التحديد بالحجاز وحيث جاز لهم السكن جاز لهم أن يقيموا شعائرهم بإذن الحاكم، وبنظامها الذي لا يتعارض مع ثوابت الشريعة، وبهذا يتبين أن تهويل بعض الناس في غير محلِّه وتعميم الحديث غير صحيح. وقد كانت للدول الإسلامية المتعاقبة في الأندلس والمغرب والمشرق منذ مئات السنين معاهدات كثيرة من غير المسلمين من الدول والجماعات منها ما يتعلق بالتجارة ومنها ما يتعلق بالدخول والإقامة، ما يتعلق بالأمور الدينية أو السلم أو الحرب... وكان يقوم بها صاحب الاختصاص والصلاحية، الحاكم، وكانت هذه المعاهدات تراعي أحوال الزمان والمكان والحاجة إليها. وإن العالم اليوم قد دخل نوعاً جديداً من العلاقات والمعاملات لكثرة التقارب والتعامل واحتياج البلاد بعضها لبعض. فمن حق الحاكم اليوم أن يعطي من يقيم في البلاد من الجاليات غير المسلمة، إذا رأى مصلحة في ذلك، أماكن يقيمون فيها شعائرهم الدينية والدنيوية - عدا الحجاز، للنص والمقصد-مع مراعاة أحوال المجتمع والبيئة التي هم فيها ضمن القوانين والأعراف التي تتصل بتميز المجتمع وهويته فلا يؤذي هؤلاء الوافدون من غير المسلمين المسلمين في دينهم أو معتقداتهم أو عاداتهم وأعرافهم. فمن كان في صدره حقد دفين رآها فرصة ليظهره باسم الغيرة على الدين، ويتباكى على الوطن والمسلمين، ومن أخذ الأمر بالنظرة الشرعية والعلم الصحيح دعا لصاحب السمو ولي العهد، أيده الله، الدعاء الصالح لأنه أظهر بذلك أعظم ميزة للإسلام وهي التسامح الذي أمر الله به في كتابه، وطبَّقه نبينا عليه الصلاة والسلام في هديه وعمله وسيرته، وفي هذا يقول العلامة الإمام محمد الطاهر بن عاشور: لقد مازج المسلمون أمماً مختلفة دخلوا تحت سلطانهم من نصارى العرب ومجوس الفرس، ويعاقبة القبط، وصابئة العراق، ويهود أريحا، فكانوا مع الجميع على أحسن ما يعامل به العشير عشيره فتعلموا منهم وعلَّموهم وترجموا كتب علومهم، وجعلوا لهم الحرية في إقامة رسومهم واستبقوا لهم عوائدهم المتولدة من أديانهم، وربما شاركوهم في كثير منها بعنوان عوائد كما كان عملهم في عيد النيروز وعيد الغمس في مصر. ولم يحفظ التاريخ أن أمة سوّت رعاياها المخالفين لها في دينها برعاياها الأصليين في شأن قوانين العدالة ونوال حظوظ الحياة بقاعدة: لهم مالنا وعليهم ما علينا، مع تخويلهم البقاء على رسومهم وعاداتهم مثل أمة المسلمين فحقيق هذا الذي نسميه التسامح بأن نسميه العظمة الإسلامية. اللهم احفظ قيادة هذا الوطن الرشيدة الواعية وسدّدها في الحق وللحق يا رب العالمين. بقلم: المستشار الدكتور فاروق حمادة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©