الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لندن.. منطق متناقض تجاه اسكتلندا

16 سبتمبر 2014 23:13
مارك تشامبيون محلل سياسي أميركي إذا وافقت اسكتلندا على ترك المملكة المتحدة في 18 سبتمبر، فمن بين القضايا التي ستتولد عن هذا، قضية القومية الانجليزية الكامنة عند دعاة الاتحاد الذين يحاولون الجدل بإبقاء بريطانيا متحدة وينادون في الوقت نفسه بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي. وأكثر الأمثلة وضوحاً على هذا النفاق أن «نيجل فراج زعيم حزب الاستقلال البريطاني كان في جلاسجو في الآونة الأخيرة لنقل رسالة مفادها أن اسكتلندا ستكون أفضل إذا ظلت ضمن بريطانيا، وأنها لن تحصل على استقلال حقيقي بتركها المملكة، لكن بريطانيا يجب أن تترك الاتحاد الأوروبي، لأنها ستنتعش اقتصادياً وتحقق سيادة حقيقية». وكلتا الحجتين تركز على كلفة ومكاسب الانفصال، لكن العواطف في الواقع هي التي تحرك كلتيهما. وفي كلتا الحالتين تحذر البنوك الدولية ومنتجو السيارات من أن الانفصال قد يجبرهم على ترك الوحدة الأصغر المنفصلة ليذهبوا إلى الجزء الأكبر، مما يعني فقدان ثروات ووظائف. وهذا ينقلنا إلى الجزء «القومي» من هذا الجدل. فالاسكتلنديون بصفة عامة لا يغشى أبصارهم الضباب في نظرتهم إلى بريطانيا. ففي عام 1707 عندما وقعت قوانين الاتحاد اكتظت شوارع لندن بالمحتفلين بينما خلت شوارع ادنبرة وكان المزاج متعكراً هناك بحسب ما ذكرت الروايات التاريخية. ووافق الاسكتلنديون على الاندماج مع انجلترا في الأساس لأسباب أمنية، لأنهم أرادوا الاحتماء بحليف بروتستانتي قوي وكبير ضد تهديدات كاثوليكية محتملة، ووافقوا على الاتحاد لأسباب اقتصادية أيضا لأن اسكتلندا كانت على وشك الإفلاس لأنها منيت بخسائر فادحة في تسعينيات القرن السابع عشر بشكل خاص، بسبب محاولتها التنافس منفردة في لعبة التبادل الاستعماري. وهذا القرار الذي قدم العقل على القلب ظل في صالح اسكتلندا معظم القرون الثلاثة الماضية، لكنه أصبح الآن عرضة للطعن. وكثيرون في انجلترا يجدون الحماس الاسكتلندي للطلاق محيراً وليس ضاراً. لكن هؤلاء الأشخاص يجادلون بحماس عن قرارهم، الذي يقدم القلب على العقل بشأن ترك الاتحاد الأوروبي. الجدير بالذكر أن بريطانيا انضمت إلى الاتحاد الأوروبي ليس لأن البريطانيين يحبون الألمان والفرنسيين لكن لأن الاقتصاد البريطاني كان أداؤه سيئاً بعد الحرب العالمية الثانية، وبحلول سبعينيات القرن الماضي أصبح عاجزاً. وكانت العضوية في التجمع الاقتصادي الأوروبي- كما كان يطلق على الاتحاد الأوروبي في ذاك الوقت- أفضل طريقة لتحقيق نمو يضاهي مستويات النمو الألمانية. ويمثل «فراج» حالة متطرفة. لكن كثيرين في حزب «المحافظين» البريطاني الحاكم، الذي لا يوجد به إلا عضو واحد من 59 عضوا اسكتلنديا بالبرلمان البريطاني يشاركونه وجهة نظره الأساسية الخاصة بوضع اسكتلندا في المملكة المتحدة بما يعارض موقفهم من الاتحاد الأوروبي. هذا المنطق المتناقض أضر بقمة عملية صنع القرار نفسها. فعندما كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يتفاوض على سبيل المثال في بنود الاستفتاء الذي سيجري الأسبوع المقبل، أراد رئيس الوزراء الاسكتلندي «أليكس سالموند» إدراج خيارين في ورقة الاقتراع وهما: الاستقلال أو البقاء في الاتحاد مع نقل سلطات أكبر لاستكلندا، لكن كاميرون رفض ذلك. وبعد ذلك بأشهر فحسب، وعد كاميرون البلاد بإجراء استفتاء بحلول عام 2017، بشأن البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي أو تركه. وفي هذه المرة وحدها سيكون الخيار بين ترك الاتحاد الأوروبي وبين البقاء في اتحاد معدل ينقل المزيد من السلطات إلى بريطانيا. وفي الوقت الذي يرتفع فيه التصويت بـ«نعم» في اسكتلندا يتزايد رعب كاميرون الذي يحاول الآن أن يقنع الاسكتلنديين بأن يبقوا ضمن الاتحاد من خلال وعدهم بأن يعطيهم المزيد من السلطات، وهو الخيار الذي استبعده من أوراق الاقتراع الخاصة بهم لكنه لم يستبعده من أوراق الاقتراع الخاصة ببريطانيا. والأسوأ من كل هذا، أو أفضل ما في هذا، إذا كنت من أنصار «فراج»، أن كاميرون قد يفشل في جعل بقية الاتحاد الأوروبي ينقل مثل هذا النوع من السلطات التي وعد بها الناخبين البريطانيين، مما يعزز إمكانية الخروج من الاتحاد الأوروبي. وهذا يصل بنا إلى أنه لا حاجة لأن تصبح بريطانيا على حافة الانهيار. وأشك في أنه لو تمت معالجة الأمر بذكاء وإخلاص من البداية لما كان التصويت في اسكتلندا مقلقا إلى هذا الحد. وما كانت هناك حاجة لكاميرون لتنظيم تصويت بشأن ترك الاتحاد الأوروبي بمثل هذه الطريقة التي أعدها لتكون، دون قصد، في صالح الانفصال. أكبر سوء فهم هنا هو الاعتقاد الذي يعتنقه القوميون الاسكتلنديون والانجليز المرتابون في أوروبا على السواء بأنه بالاعتماد على أنفسهم سيكونون مستقلين فعلا. سيجد الجانبان أنه يتعين عليهم التفاوض حول علاقات تشبه بشكل كبير تلك التي قطعوها والتي لم تثمر إلا القليل من السلطات أو الحريات الجديدة. وفي عالم يكافح فيه السياسيون لفرض إرادة أممهم في اقتصاد معولم، سيجد الجانبان الحياة في عزلة رفيعة أقل رفعة مما يعتقدون. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©