المحيط المتجمد الشمالي··· بقعة صراع جديدة

في شهر أغسطس الماضي، سافر فريق من العلماء والمشرعين الروس إلى القطب الشمالي، وغاصوا لمسافة ميلين تحت السطح نحو قاع المحيط المتجمد ليزرعوا علما روسيا، ثم صعدوا إلى السطح مرة أخرى، وصرحوا بأن عملية زرع العلم في قاع المحيط تعزز المطالبات الروسية بنصف مساحة ذلك القاع، وقد أدى نشر تفاصيل هذا الحدث في صدارة الصحف العالمية، إلى تأجيج الجدل الدائر حول المطالبات بأراض في القطب· لم يكن ذلك كل ما في القصة، لأن أبطال تلك اللحظة لم يذكروا أن عملية الغطس إلى القاع كانت لها أصول أميركية· وقد حرص ''الفريد ماكلارين'' وهو ضابط غواصات أميركي كبير متقاعد على توضيح الأمر، بحيث يراه الجميع على حقيقته وبحيث يصبح الكريملن ''مدركا للواقع وحقائق التاريخ الحديث وبنود القانون الدولي بالشكل الصحيح''· ويقول الدكتور ''ماكلارين'' -شخصية معروفة في مجال العلوم والاستكشافات القطبية، والذي أمضى قرابة عام في إجراء عمليات تحت سطح الجليد- إنه هو الذي وضع خطة الغطس في المحيط المتجمد الشمالي، وتقاسم المعلومات بشأنها مع الروس وشركائهم، وهو زعم حرص على تدعيمه بصور الوثائق والرسائل الإليكترونية· من جانبهم اعترف الروس بأن الدكتور ''ماكلارين'' قد لعب دورا مركزيا في تحديد الخطوط العريضة لعملية الغطس، ولكنه لم يلعب أي دور في عملية التخطيط الفعلي، والعمليات اللوجستية· وقد احتفى الرئيس الروسي ''بوتين'' بعملية زرع العلم الروسي في قاع المحيط، وحرص على تهنئة من قاموا به شخصيا عند عودتهم، بل وأعلن الشهر الماضي أن الدكتور ''ساجالافيتش'' واثنين آخرين من أعضاء الفريق، سوف يحصلون على لقب ''بطل الاتحاد الروسي'' وهو أكبر لقب شرفي في الأمة· يشار إلى أن فكرة الغطس تحت قاع المحيط، قد برزت في بدايات عام ،1997 عندما كان صحفي تلفزيوني أميركي يدعى ''جاك ماكدونالد'' يتناول طعام العشاء مع الدكتور ''ماكلارين'' وسأله عما إذا ما كان أي أحد قد قام بزيارة القاع أم لا، وعندما تبين أن أحدا لم يفعل ذلك، قرر الاثنان أن يكتشفا الفكرة، ويتذكر الدكتور ''ماكدونالد'' الذي قرر أن يقدم فيلما وثائقيا عن الموضوع ذلك بقوله: ''لقد أمضينا الكثير من الوقت في استكشاف إمكانية وضع هذه الفكرة موضع التنفيذ''، وفي ذلك الوقت قرر الفريق الغوص إلى قاع المحيط بواسطة غواصة صغيرة، يتم تزويدها بفريق من الأفراد الخبراء، يضم ربانا واثنين من المراقبين، وقرر مصممو المركبة تزويدها بفتحات لديها القدرة على تحمل ضغط الماء الهائل، وتتيح لركابها في نفس الوقت إمكانية النظر خارجها، وكان إجراء غطسة واحدة تحت القاع يتطلب يوما كاملا للنزول إلى القاع ثم العودة منه إلى السطح مرة ثانية· في نهاية عام 1997 لفت الدكتور ''ماكلارين'' اهتمام ''مايــك ماكدويل'' -مشغل رحــلات مغامرات، كان ينظم رحلات إلى القطب- وفي العام التالي 1998 انضم الدكتور ''ساجالافيتش'' الذي يدير غواصتي ''مير'' الروسيتين التوأم إلى الفريق، وفي عام 1999 بدأ الرجال الثلاثة في الغطس باستخدام الغواصة ''مير'' لزيارة البقايا المتهالكة للسفينتين الأسطورتين ''تايتانك'' و'' بسمارك''· وفي عام 2001 صمم الدكتور ''ماكلارين'' خطة غطس قطبية للدكتور ''ساجالافيتش'' في موسكو، وقد وفرت هذه الخطة التي اعتمدت على معلومات قطبية موجودة لدى الحكومة الفيدرالية الأميركية، معلومات مهمة للروس منها على سبيل المثال: متوسط كثافة الجليد (8 أقدام تقريبا) وعمق المياه (2,6 ميل تقريبا) ودرجة الملوحة بالقرب من القاع 34-36 جزءا في الألف)· وقد اهتمت هذه الخطة التي كانت تتكون من سبع صفحات بشكل خاص، بموضوع التأكد من قدرة الغواصتين ''مير'' على تحديد مكان فتحتي الدخول إلى المحيط المتجمد الشمالي، لتجنب احتمال التعطل وعدم القدرة على الحركة تحت الجليد الكثيف، ولذلك أوصى واضعوها بضرورة تزويد تلك الغواصات بمجسات تتيح لطاقم الغواصة الرؤية لأعلى، بعد استلام هذه الخطة كتب الدكتور ''ساجالافيتش'' رسالة بالبريد الإليكتروني إلى الأميركيين يقول فيها ''أشكركم جزيل الشكر على توصياتكم المهمة''· بحلول 2005 كانت هذه الخطة قد سقطت، وذلك بعد الرسائل الإليكترونية الغاضبة التي تبادلها كل من''ماكلارين'' و''ماكدويل'' -مشغل الرحلات القطبية- اتهم فيها الأول الثاني بشطب اسمه فجأة من جدول الغطسات القطبية، وبتجنب تقديم التعهدات اللازمة التي كان يمكن أن تساعده ؟ماكلارين- على جمع الأموال اللازمة لوضع هذه الخطة موضـــع التنفيذ· رد ''ماكدويل'' على الدكتور ''ماكلارين'' باتهام مضاد مؤداه، أن الأخير لم يقم بالاستعانة برعاة لمشروع الغطس تحت قاع المحيط المتجمد الشمالي، ودافع عن شطب اسمه من السجل بالقول: إنه كان شيئا ضروريا، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف المشروع من ناحية، وحاجته هو إلى اجتذاب سائحين لديهم القدرة على الدفع حتى يستطيع مشروعه الاستمرار في عمله، في ذلك الوقت تدخل الكريملن الذي كان يبحث عن مشروعات يستطيع بها أن يبرز عضلاته السياسة على الساحة الدولية وسيطر على المشروع· في الثاني من أغسطس 2007 قام الدكتور ''ساجالافيتش'' والدكتور ''ماكدويل'' بالنزول إلى قاع المحيط مع اثنين من المشرعين الروس· بعد نزول الفريق الروسي إلى قاع المحيط ومطالبته بنصف مساحة قاع المحيط المتجمد الشمالي، فإن دولا آخرى عملت على تقديم مطالبات مماثلة دعمتها بإجراءات لتعزيز تلك المطالبات، في هذا السياق رسمت الدانمرك خرائط للمناطق القطبية، وأطلقت الولايات المتحدة بعثة قطبية، وكشفت كندا عن خطط لإنشاء قاعدة عسكرية قطبية، كما أدلى رئيس الوزراء الكندي بتصريح يتم اقتباسه كثيرا عند الحديث عن هذا الموضوع هو: ''إن المبدأ الأول للسيادة القطبية هو أنك إما أن تستفيد بهذه السيادة فعلا، أو تفقدها إذا ما تركتها دون استخدام''· محرر الشؤون الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز