الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علياء إبراهيم: الانتماء يعزز تماسك «البنية التحتية النفسية»

علياء إبراهيم: الانتماء يعزز تماسك «البنية التحتية النفسية»
27 نوفمبر 2010 20:09
ما علاقة الانتماء ببناء وتنمية الذات وما علاقة الانتماء بتطور وتقدم الوطن؟ يجب أن ندرك أن الانتماء يسهم في تكوين المفهوم الذاتي الصحيح لدى الفرد الذي ينمو ولديه إحساس يحتاجه كل البشر، وهو الاعتزاز والفخر بالانتماء إلى الوحدات الانتمائية الجزئية التي تتمثل في الأسرة والمدرسة والنادي والجامعة والمؤسسة، وكلها تصل به إلى الانتماء إلى الوطن الذي يعد من أكثر الانتماءات ثباتا، ولذلك كان وما يزال «النفي من الوطن» أقصى عقوبة على نفس الإنسان، إن الشعور بالانتماء يساهم في الإعلاء من تقدير الفرد لذاته ويولد الثقة بالنفس والشعور بالاستقرار الداخلي عكس الاغتراب تماما، فالانتماء يجعل المنتمي يطمح باستمرار لتطوير مهاراته وأدائه، ويجعل المواطن يُفعل مواطنته فيمارسها بإيجابية، فينتشر التعاون والتكافل الاجتماعي والحفاظ على موارد الوطن، وتتولد لديه الرغبة في خدمة أهداف هذا الوطن، أو حتى أي وحدة جزئية من هذا الوطن، وتبني مبادئه والحرص عليه والتضحية من أجله، وكلها تصب في مصلحة الوطن وأمنه وأمانه، بل حتى الوافد المستقر على أرض هذا الوطن سوف يتخذ من إيجابية المواطن نموذجا يحتذى به. إن الانتماء هو السبيل الوحيد لتماسك المجتمع وقوة الوطن، وهو خط الدفاع الأول في لحظات مواجهة الأزمات. هذا ما تؤكده عليه الدكتورة علياء إبراهيم محمود الاستشاري الأسري، ومدرب التنمية البشرية المعتمد، وخبيرة التطوير الذاتي. وتضيف علياء إبراهيم: عيد الاتحاد مناسبة وفرصة رائعة يجب أن يحسن استغلالها من طرف المؤسسات المسؤولة عن تربية النشء لتفعيل قيمة مهمة في حياة كل أفراد المجتمع، ألا وهى قيمة الانتماء في عصر لا نستطيع أن ننكر فيه الشكوى الدائمة والمتكررة من فقدان هذا الجيل لتفعيل هذه القيمة، لما لها من مردود عال في إطار التنمية الذاتية ورفع الأداء. وتضيف علياء عن دور تعميق قيمة الانتماء ودورها في تطوير المهارات، فتقول: في ظل عصرنا هذا الذي انفتح فيه العالم على بعض، فذابت المسافات وتقاربت الثقافات وأصبح لازما التماسك أمام هذا الانفتاح والغزو الثقافي، يجب أن نحول قيمة الانتماء من مجرد قيمة نظرية إلى سلوك وعمل وممارسة، وتفعيل قيمة الانتماء هي عملية تكوين كرات دم بيضاء للدفاع عن هويتنا وانتمائنا ووطنيتنا التي هي في النهاية السياج الذي يحمينا من الاغتراب الذي لا شك يؤثر على نهضة وتقدم المجتمعات. قيمة الانتماء تتساءل علياء إبراهيم بقولها: يبقى تساؤل مهم: كيف يمكننا أن نربي أبناءنا على هذه القيمة في ظل انتشار مفهوم سطحي لدى الأجيال الحالية عن مفهوم الانتماء الذي تحول إلى مجرد كلمة نرددها ولا ندرك معناها، فالشباب اليوم يقومون بالتصويت لمطرب من نفس جنسيتهم في برنامج يتنافس فيه مطربون من جنسيات مختلفة، ويعلنون أن ذلك بدافع الانتماء، وربما تنشأ المعارك بين مشجعي الفريق القومي، ويتم تدمير الممتلكات العامة بحجة الانتماء، ولكن على من تقع مسؤولية هذا المفهوم السطحي والمنحرف أحيانا لقيمة الانتماء، خاصة الانتماء للوطن؟ إن الأسرة هي المسؤولة عن إشباع أحد الاحتياجات الأساسية للطفل وهو الشعور بالانتماء، ولذلك فإن التصاق الرضيع بثدي أمه للرضاعة هو بداية انتمائه للأم التي انفصل بولادته عن رحمها الذي يعد الوطن الأول للجنين. وبالتالي فترك الأطفال للخادمة مع خروج الأم للعمل يتسبب في تشتت الانتماء لديهم، ذلك أن الانتماء فطري لدى كل الكائنات الحية، ولكن لدى الإنسان يتفرع تدريجيا إلى وحدات متعددة، فالطفل يُولد ويبدأ في ممارسة الانتماء داخل الحضن والملاذ الأول الذي هو الأسرة فإذا ما لم يلق قبولا في أسرته، من شأن ذلك أن يؤثر على سلوكياته في ما بعد، لأن إشباع حاجة الطفل في جزئية الانتماء يخلق فردا لديه القدرة على العطاء والوفاء، ويساعد على تماسك «البنية التحتية النفسية»، للفرد إن صح هذا التعبير، ولكي نشبع هذه القيمة التي لن يعي الطفل معناها المجرد، لأن القيم لا تتجسد إلا إذا أصبحت سلوكا، كما قال جون ماكسويل في كتابه لليوم أهميته، علينا أن نتيح له الفرصة ليمارسها داخل الأسر، عندما يتوفر لديه النموذج الممارس لهذه القيمة، فإذا نظر ووجد أبا وأما منتميين للأسرة يرعونه ويحبونه ويسود الحب بينهما، سوف ينتقل إليه الشعور بالانتماء من هذه الأسرة المتماسكة المتحابة، وهو ما لا يمكن أن يحدث في ظل أسرة متفككة ومتنافرة، كما أن العملية التعليم تزيد هذا الانتماء، فعندما يتعلم الصغير أهمية الحفاظ على حجرته وألعابه يشعر بالانتماء المكاني الذي لابد أن ينقله إلى الشارع والنادي والحديقة، حيث يبدأ في إدراك معنى الوطن. وتؤكد علياء في سياق نفس الحديث عن الانتماء ومردوده الإيجابي على العطاء. فتقول: إننا نغفل في تربيتنا لأبنائنا أنهم لا يدركون المعاني المطلقة أي القيم مثل الصدق والأمانة، وإنما تنتقل إليهم بالممارسة وبالقدوة التي تنحصر بداية في الأب والأم والمعلمين، وهذه هي التربية بالقدوة، وهو ما فعله الرسول، صلى الله عليه وسلم، مع الصحابة، إنها القدوة التي تؤكد القيمة في نفوس الأطفال. وقد نغفل أحياناً شيئاً مهماً، وهو أننا لابد لنا في هذه المرحلة العمرية من حياة الطفل من استخدام أسلوب القصص والألعاب لترسيخ هذه القيمة، والانتقال بالطفل إلى المؤسسة الثانية المسؤولة عن ترسيخ قيمة الانتماء، وهي المدرسة التي يجب أن تكون العامل الرئيسي لتحفيز هذه القيمة في نفوس الأبناء تجاه وطنهم وحضارتهم، وهذا يتطلب معلماً واعياً ومدركاً لأهمية دوره في تنشيط «عضلة الانتماء» لدى التلاميذ، من خلال سلوكه وربط المناهج بالواقع وبالبيئة، بل الأكثر من هذا أن توجد مادة تهدف إلى ترسيخ مجموعة القيم، ومنها الانتماء، التي تساهم في إيجاد جيل لديه علاقة وثيقة و قوية بوطنه وهذا لن يحدث إلا بانتمائه إلى أسرته ومدرسته اللتين هما جزءا لا يتجزأ من المفهوم المكاني للوطن. تغريب الإعلام تضيف علياء عن تأثير الإعلام على المراهقين وقوة انتمائهم وتقول: نأتي إلى دور مؤسسة لا نستطيع أن نغفل دورها وتأثيرها سلبا وإيجابا علينا، صغارا كنا أم كبارا، في ظل عصر السيطرة الإعلامية، والفضاء المفتوح الذي حمل لنا مئات القنوات الفضائية التي تبث إعلاما يحمل العديد من الثقافات، ومع هذه السيطرة الإعلامية والحصار الفضائي الذي حاصرنا، إذ انقلب هرم القدوات لدى المراهقين والشباب الذين اتخذوا من أنصاف الفنانين قدوات ونماذج يحتذى بها، وأصبحت بعض المواد الإعلامية الجاذبة للشباب هي نسخ من برامج غربية، واتخذ بعض الفنانين مظهرا وقدموا أعمالا متغربة في ظل تعلق فئات المراهقين والشباب بفئة الفنانين. وبالتالي لم يع البعض منهم أن هذا التغريب في الإعلام والإعلان يساهم مساهمة فعالة في فقدان تدريجي لهؤلاء الشباب لانتمائهم لعاداتهم وتقاليدهم وتراثهم التي تعد بدورها جزءا لا يتجزأ من المفهوم الزماني والمعنوي للوطن، وغياب الإنتاج الإعلامي الواعي لتاريخ هذا الوطن من خلال أعمال درامية بلغة إعلامية تجذب الشباب لمشاهدتها وتساهم في تنشيط الانتماء وهذا ما يحدث في العالم كله، وهو استغلال الدراما في البناء لا الهدم، مما يساعد على تقوية الانتماء الفخر والاعتزاز بتاريخ الوطن ورموزه وعظمائه، فالهوية ماض وحاضر ومستقبل. وكذلك التركيز الإعلامي بوسائله المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية على النماذج الايجابية في المجتمع، وطرح السلبيات بصورة لا تنفر المتلقي من مجتمعه، ولعلي أتساءل في ظل عيد الاتحاد لماذا لم يتم إنتاج عمل درامي يخلد ذكرى مشروع الاتحاد الذي جعل من دولة الإمارات خلال سنوات هي قصيرة في عمر الشعوب طويلة بتلك الانجازات التي حققتها هذه الدولة الفتية، في رأيي لابد من عمل يجسد كفاح شخصية مؤسس هذا الاتحاد، المغفور له بإذن الله الشيخ زايد الذي له مكانة في قلوب شعبه والعرب بل والعالم كله، في النهاية يجب أن يساهم الإعلام في استقرار هوية الأطفال والمراهقين والشباب الذين هم المستهدفون الأساسيون من الغزو الثقافي الذي أصبح يفوق في خطورته الغزو العسكري. ولذلك ما أفسده الإعلام لابد أن يصلحه الإعلام بنفسه، لأن الفيروس الأساسي الذي يهاجم جهاز المناعة لدى الشباب هو الانبهار بالثقافات الأخرى والزهد في ثقافتهم، وتغريب الإعلام هو الذي يجعلهم يزهدون في الانتماء لمجتمعهم بكل مفرداته، لأن الانتماء هو العمود الفقري لأمن وأمان الوطن، والشباب هم قلب هذا الوطن. اتساع دائرة الوطن تتابع علياء في سياق تعدد الثقافات ومدى تأثيرها على النسيج المجتمعي وتقول: ربما يخشى البعض من التعددية الثقافية التي نتجت عن تعدد الجنسيات في دولة الإمارات على زعزعة قيمة الانتماء، هنا أقول إن دولة الإمارات دولة جاذبة للجنسيات الأخرى بحكم تطورها وازدهارها وتمتعها بالأمان، وإذا علمنا أبناءنا كيفية التعامل مع الثقافات الأخرى، وفلترة ما يصل إلينا منها في نفس الوقت الذي نقوي فيه قيمة الانتماء لديهم، فإننا نستطيع أن نحصد إيجابيات هذه التعددية الثقافية في ظل الانفتاح الذي نشهده الآن على الثقافات الأخرى من خلال التطور التكنولوجي المذهل الذي يشهده هذا العصر، وفي حقيقة الأمر أن الإسلام يحمل لنا مثالا رائعا منذ هجرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، والصحابة، رضوان الله عليهم، من مكة إلى المدينة، حيث شهدت المدينة وجود تعددية ثقافية. ومع هذا ازدهرت المدينة وأصبحت مركز الحضارة الإسلامية، وفي فترات الازدهار احتوت الحضارة الإسلامية العديد من الثقافات والجنسيات المختلفة في أجواء من الأمن والأمان، وفي ظل قانون طبيعي للتأثير والتأثر بين الحضارات، ولذلك فمن الممكن أن ينتمي الوافد إلى الدولة التي يستقر فيها ويساهم في تقدمها ونهضتها ولا يتعارض هذا أبدا مع انتمائه لوطنه الأصلي. وفي حقيقة الأمر أن هذا الأمر يبدو أكثر سهولة علينا كعرب ومسلمين، حيث تجتمع لدينا العديد من عوامل الوحدة منها اللغة والدين وغيرها مما يجعل دائرة انتمائنا تتسع من الوطن إلى وطننا العربي وعالمنا الإسلامي ومع هذا فإننا نتعامل مع العالم كله من خلال انتمائنا للمجتمع الإنساني العالمي الذي لا نعيش في عزلة عنه. وتضيف علياء عن تعزيز الانتماء من خلال القدوات في المجتمع وتقول: يجب تسليط الضوء على عظماء الماضي ممن خدموا البلاد لتعزيز قوة الانتماء، بل لا يجب الاكتفاء بذلك حيث يجب تسليط الضوء أيضا على العلماء والمفكرين والباحثين والقياديين من الوقت الحالي وذلك لربط الماضي بالحاضر فالانتماء يحمي عقول الشباب ويحميهم من التعلق بالأفكار المتطرفة والسلبية والهدامة. حصن منيع تشير علياء إلى أن هناك كتابا بعنوان «ما يحتاجه الأطفال لكي ينجحوا في حياتهم» يعزز هذه الأقوال، وتقول عن ذلك: هو كتاب مترجم إلا أن أهميته ترجع إلى كونه قائماً على استبيان تم اجراؤه على أكثر من 100000 من النشء والمراهقين في أكثر من 200 مجتمع، وقد خلص الكتاب إلى أهمية وجود عدد من القواعد والقيم التي يجب بثها تدريجيا في الأطفال، ومن ضمن هذه القيم «الأمانة والمسؤولية والتعاون»، وهذه القيم تساعد على إيجاد شباب قادر على اتخاذ القرارات، وتقلل من نسب الانحراف والسلوكيات السيئة، وتزيد ارتباطهم بأسرهم، ومجتمعهم، وهذا باختصار هو الانتماء الذي يساهم في استقرار الفرد وأمن المجتمع، ولذلك يجب أن تلعب المدارس دورا حيويا في إيجاد أنشطة تبث روح التعاون والمشاركة وتنمي شعور الانتماء إلى المدرسة بمفرداتها المختلفة، وإن أهمية عودة النشيد الوطني، وتحية العلم إلى طابور الصباح، وعدم إغفالها، كما أن زيارات الشخصيات العامة في المجتمع إلى المدارس يدعم هذا الشعور لدى الطلاب، والأمر الذي نؤكد عليه هو إحساس الأبناء بالتواصل الإيجابي بين الآباء والمدرسة بدلا من انتقاد الآباء الدائم للمدرسة الذي يقلل من انتماء الأبناء إلى هذه الوحدة الانتمائية المهمة في حياة الفرد، والتي تلي الوحدة الأولى وهي الأسرة، وتشير علياء إلى نقطة مهمة تساهم في ترسيخ وتدعيم قيمة الانتماء في مرحلة المراهقة والشباب التي يبدأ فيها الفرد في الانتماء لدائرة الأصدقاء حيث يكون لها التأثير الأكبر عليه، تبعا للعديد من الدراسات التي أظهرت إحداها أن تأثير الأصدقاء في مرحلة المراهقة هو ثاني تأثير بعد المخدرات، ولأن هذه الدائرة الانتمائية يمكن أن تولد انحرافات إذا التفت حول قيم سلبية، لذلك يجب توجيه المراهقين والشباب إلى خدمة المجتمع والمشاركة في أعمال تطوعية، لأن هذه الخدمة المجتمعية تساهم في ترسيخ قيمة الانتماء في هذه المراحل العمرية، وتساهم في التفاف هؤلاء الشباب والمراهقين حول مفاهيم إيجابية تزيد من ارتباطهم بمجتمعهم وانتمائهم له، وتعمل على تحفيز «الطاقة الانتمائية» لديهم.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©