الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

على خط النار

14 نوفمبر 2006 00:39
وصفت مجلة (تايم) الرئيس الباكستاني برويز مشرّف بأنه يتولى (المهمة الأكثر خطورة في التاريخ)، وهو الذي اقترب مرتين ولمسافة بضع بوصات فقط من قبره، ونجا بأعجوبة من محاولتين لاغتياله· ومن كثرة ما تعرّض للموت خلال حياته، آثر أن يطلق على نفسه لقب (القط ذو الأرواح التسعة)· وما زال حتى الآن هدفاً لنشطاء تنظيم ''القاعدة'' الارهابي بمن فيهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري· ثم إن دولة الباكستان ذاتها اقتربت في عهده مرتين من شفير حرب نووية لا تبقي ولا تذر مع جارتها اللدود الهند منذ فجرت قنبلتها الذرية الأولى عام ·1998 ويبدو من الأمور غير المسبوقة بالنسبة لرئيس دولة لا يزال على رأس منصبه، أن يؤلف مذكراته بمثل التفصيل الذي أدرجه مشرف على صفحات كتابه (على خط النار)· وهنا، وللمرة الأولى يكون في وسع قراء هذا الكتاب ذي الغلاف الأنيق، أن يطلعوا عن كثب على بعض الحقائق المتعلقة بما يسمى (الحرب على الإرهاب)، وأن يقوموا بجولة خاصة إلى مسرحها الرئيسي· ويتحدث الرئيس مشرَف في مذكراته بكل إطالة وإسهاب عن خطط ملاحقة بن لادن والظواهري والكثير من كبار أعوانهم، عارضاً بوصف مشوّق لخفايا لعبة القط والفأر التي تكررت عبر حملات عسكرية مركزة، وشارحاً ما رافقها من أحداث ومفارقات واشتباكات كان أبطالها الرئيسيون الدم ودوي الانفجارات وحطام البيوت والأكواخ · ولا يكتفي مشرّف في كتابه بالتحدث عن محاولات اغتياله الشخصية فحسب، بل وأيضاً عن المرات المكرورة التي نجا فيها من الموت لكثرة ما عرّض نفسه للأخطار خلال حياته الخاصة· وفي كتاب (على خط النار) أيضاً شرح مسهب للعمليات العسكرية الشعواء التي طالت مساحات هائلة من المناطق الجبلية التي تنتشر على طول الحدود المعقدة التي تفصل باكستان عن أفغانستان، والتي تتداخل وفق تركيب عجيب مرّة في هذا البلد وأخرى في ذاك· ثم يخوض في الحقائق العسكرية القائمة في منطقة وزيرستان التي ما زالت حتى الآن تعد المعقل الرئيسي لعمليات تنظيم ''القاعدة''· وعلى الرغم من كل هذا، فإن (الحرب على الإرهاب) ليست إلا أحد العناوين البارزة في كتاب (على خط النار)، فهو يضم أيضاً شرحاً مسهباً لمسلسل الأحداث التي أتت بمشرّف إلى السلطة عام ،1999 وهو يتعرّض إلى تفاصيل جديدة حول الصراع مع الهند بشأن كشمير والاقتراحات العملية التي تقدم بها لوضع حدّ لحالة الاقتتال الدموي المزمنة التي تسودها· كما أن بين أهم القضايا التي تناولها مشرف في كتابه، رؤيته الشخصية للعالم الإسلامي في القرن الحادي والعشرين بالإضافة الى تحليل مفصل عن نظرته نحو إسرائيل وقضايا تحرير المرأة المسلمة· وسوف يتم استعراض ملخّص وافٍ لهذه الشروح· كتاب (على خط النار) عامر بأطرف القصص والحكايا حول نشأة وطموحات مشرّف منذ طفولته وحتى الآن؛ وهو يعكس الكثير من الصور الواقعية منذ أصبحت باكستان دولة مستقلة عندما كان صبياً صغيراً لم يتجاوز سنته الرابعة· والكتاب سيتم عرضه عبر ثلاث حلقات· يمكن إدراج كتاب الرئيس الباكستاني برويز مشرّف في باب المذكرات التي تتضمن أحداثاً مثيرة ومتلاحقة وخطيرة كتب لرجل منفرد أن يكون فيها صاحب القرار المتعلق بمصير أمة· وهو أيضاً نافذة واسعة يمكن للمرء أن يستقرئ منها تفاصيل التاريخ الحديث والمضطرب لدولة الباكستان· ويستهل مشرّف الكتاب بالإشارة إلى مبررات ودوافع تفكيره بكتابة مذكراته فيشير إلى أنه اتخذ هذا القرار عندما لاحظ كيف كتب للباكستان أن تتحول بين عشية وضحاها إلى مركز ثقل في الصراع الجديد الذي يشهده العالم وخاصة ما يتعلق منه بما يسمى (الحرب على الإرهاب)· ويقول في هذا الصدد إنه قرر كشف الكثير من الحقائق التي تحتاج إلى المزيد من التوضيح أمام العالم· وتتميز القضية الباكستانية بالكثير من العناصر الحساسة، فالباكستان أمة تضم تنوّعاً مثيراً مدهشاً من التناقضات، فهي موطن الغنى الفاحش والفقر المدقع، وموئل الفلاحين وأهل الحضر، وهي تجمع النخب التي نالت حظاً وفيراً من الثقافة مع أعداد هائلة من الأميين الذين لا يفكّون الخطّ· ويتحدث سكانها الذين يبلغ عددهم 160 مليوناً، العديد من اللغات والرطانات، وربما كان الأهم من كل ذلك أنها بلد تتصادم فيه الوسطيّة بالتطرّف الأعمى، والتوجّهات الغربية بالتوجهات المحافظة، مما يجعل حكم هذه الدولة العمل الأكثر صعوبة وتعقيداً في العالم· وجاءت أحداث 11 سبتمبر المريرة لتفجّر المزيد من التحديات والصراعات في هذه الدولة الأشبه بقدر لا يتوقف عن الغليان، ولتزيد من حدة التناقضات القائمة فيها للدرجة التي تجيز القول إنها كانت كافية لإعادة تشكيل سياستها الخارجية· وهكذا، كتب لدولة الباكستان أن تلعب الدور الأساسي في تاريخ بدايات القرن الحادي والعشرين· وربما كان الأهم من كل ذلك أن ما سوف يحدث في الباكستان خلال السنوات القليلة المقبلة في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، هو الذي سيحكم على النتائج الحقيقية للحرب على الإرهاب، كما أنه سيقدم فكرة عن الصورة الحقيقية التي ستؤول إليها علاقة الإسلام بالغرب في المستقبل· ويقول مشرّف ''وأنا أطمح إلى أن يكون المستقبل مفعماً بالسلام والرخاء ليس فقط لدولة الباكستان بل وأيضاً بالنسبة للمجتمع الدولي برمته ولن يتحقق ذلك أبداً ما لم يُظهر طرفا النزاع وهم مسلمو العالم من جهة والغرب الذي تقوده الولايات المتحدة من جهة أخرى رغبة حقيقية في حلّ المشاكل العويصة العالقة بينهما''· مواعيد مؤجلة مع الموت ويخوض مشرّف في مواضع عديدة من كتابه وبكل إسهاب وتفصيل، عن محاولات الاغتيال المتعددة التي تعرّض لها فيروي قصة التفجير المروّع الذي استهدف سيارته بتاريخ 14 ديسمبر من عام 2003 وحيث وجد نفسه لأول مرة وجهاً لوجه أمام الإرهاب· وفيما كان يستقل سيارته خارجاً من قيادة الأركان في طريقه إلى البيت بعد أن هبطت طائرته في إسلام أباد قبل دقائق، قام أحد المتطرفين بإطلاق قذيفة نحو سيارته· ونجا مشرّف من هذا الحادث باعجوبة ولم يُصب أي من مرافقيه بأذى· وليست هذه هي المرة الوحيدة التي يبتسم فيها الحظ للرئيس مشرّف، بل إن ذلك حدث مرات عديدة مما جعله يكرر الشكر لله في صلواته لأنه بات أشبه بالقطّ ذي الأرواح التسعة!· وهي كناية تحمل صيغة المبالغة عن وصف دارج للقطّ من أنه ذو سبعة أرواح· وتعود المرة الأولى التي نجا فيها مشرّف من الموت المحقق إلى عام 1961 عندما كان صبيّاً مراهقاً حيث صعد إلى شجرة مانجو ليقطف بعض ثمارها، وفيما كان جسمه متدلياً رأساً على عقب وهو يستند بيديه على أحد أغصان الشجرة، انكسر الغصن فجأة فسقط على رأسه فوق الأرض حتى ظن زملاؤه أنه مات· وفي عام 1972 كان مشرف يقود فرقة من القوات الخاصة (الكوماندوس) في المناطق الجبلية الشمالية للباكستان، حين سمع بتحطم طائرة تابعة للخطوط الجوية الدولية الباكستانية PIA فوق القمم الثلجية الشامخة لجبال الهمالايا فيما كانت تقوم برحلة من مدينة جيلجيت إلى العاصمة إسلام أباد· وكان من المفروض أن يكون مشرّف أحد ركابها إلا أنه قرر العدول عن القيام بهذه الرحلة القاتلة في الدقيقة الأخيرة بعد أن ابلغ بخبر العثور على جثتي اثنين من جنوده الذين ماتوا بانهيار ثلجي فقرر هو ومساعده التخلي عن مقعديهما في الطائرة المكتظة حتى يمكن نقل جثتي الجنديين إلى العاصمة· ولم يتم العثور على حطام الطائرة بعد ذلك أبداً· وكان من المفترض ذات مرة أن يكون مشرّف مع الرئيس الباكستاني الراحل ضياء الحق في طائرة نقل عسكرية من طراز -130 عندما تحطمت في 17 أغسطس من عام ·1988 وبعد أن تم اختياره ليكون مرافقاً عسكرياً للرئيس، شاء الحظ أن يعاد اختيار بديل له في اللحظات الأخيرة التي سبقت موعد إقلاع الطائرة· فقد قرر الموت أن يختار المرافق الجديد للرئيس بدلاً منه· وكان السفير الأميركي في إسلام أباد أرنولد ليوس رافائيل من بين ذوي الحظ العاثر من ركاب تلك الطائرة التي هوت وتحطمت فقضى نحبه مع بقية الركاب بمن فيهم الرئيس· ولم يتم كشف أسرار وملابسات هذا الحادث الجلل الذي يبقى حتى الآن أحد أكبر الألغاز في تاريخ الباكستان· وفي عام ،1998 وحيث كان مشرّف آمراً عاماً لفرقة مانجلا، دعته القيادة الجوية في راولبندي لحضور مؤتمر· وبعد أن أكمل إلقاء كلمته الرسمية، غادر القاعة مع صديقه العقيد إسلام شيما الذي دعاه للعب البريدج في مكتبه الواقع في منطقة منعزلة· وكان أحد كبار ضباط سلاح الجو يحلق بطائرته الهليكوبتر عائداً إلى مانجلا للبحث عن مشرّف، وكان يريد العودة به إلى مانجلا حتى يجنبه القيادة لمدة ساعتين بالسيارة· ولو عثر عليه لما كان تأخر أبداً عن ركوب طائرته· وهكذا كان الحظ الطيّب لمشرّف مرة أخرى الحاجز الصلب الذي حال بينه وبين قبره· فقد باءت جهود إسلام في البحث عنه بالفشل فيئس من الاستمرار في المحاولة واتجه بطائرته نحو مانجلا حيث سقطت وتحطمت ومات قائدها· وفي هذه المرة أنقذته جولة بسيطة بلعبة البريدج من موت محقق· وفي 12 أكتوبر من عام ،1999 وحين كان رئيساً لهيئة الأركان، وهو أعلى منصب عسكري في الباكستان، كانت طائرته على وشك الهبوط في مطار كراتشي قادمة من كولومبو عندما اختطف رئيس الوزراء نواز شريف الطائرة من الأرض وأمر بإغلاق كل مطارات الدولة، ووجه الأمر لطائرته بالخروج من المجال الجوي لدولة الباكستان· وكان عدّاد كمية الوقود المتبقي في خزانات الطائرة يشير إلى أنه لن يكون في وسعه مواصلة التحليق بها لأكثر من 7 دقائق، وابتسم له الحظ من جديد عندما نجح بالهبوط بالطائرة في مطار كراتشي الذي لم يكن قد وقع تحت سيطرة الجيش الذي طلب منه تنفيذ أوامر رئيس الوزراء· وكان هذا هو التحدي الذي أوصل مشرّف إلى السلطة وعزل شريف من منصبه، وهي القصة التي يشرحها بالتفصيل في الفصل الثالث من كتابه· حرب بلا نهاية وعلى الرغم من خطورة هذه الأحداث إلا أن أحداث ديسمبر من عام 2003 هي التي وضعت مشرّف على الخط الأمامي من جبهة الحرب على الإرهاب، بل كانت أيضاً الدافع الرئيسي الذي أوحى له بفكرة كتابة مذكراته العامرة بالأحداث الجسام· ففي 14 ديسمبر من عام 2003 هبط بطائرته القادمة من كراتشي في قاعدة شاكلالا الجوية التي تبعد أربعة كيلومترات عن قيادة الأركان في راولبندي وعشرة كيلومترات عن العاصمة إسلام أباد· وما كاد يغادر المكان بسيارته العسكرية حتى فاجأه مساعدوه بخبرين صاعقين، الأول يفيد بفوز باكستان على الهند في لعبة البولو، والثاني بإلقاء القبض على الرئيس العراقي المخلوع صدّام حسين· وسرعان ما غيّر مشرّف طريقه قاصداً قيادة الأركان، وراح يتشاور مع مساعده العسكري الميجور جنرال نديم تاج الذي كان يجلس إلى يمينه حيث سمعا صوت ضجيج فعلم أن جماعة من (الإرهابيين) كانت تدبّر له عملية اغتيال مرتبة بكل دقة· ويقول مشرّف في وصفه لما حدث بعد ذلك أنه شخصياً، وخلافاً لما هي عليه حال القادة المدنيين، فقد كان جندياً بطبعه، كما أنه القائد الأعلى للبلاد، والآمر الأول لكل القوات المسلحة في الدولة؛ ويقول أيضاً أنه خلق أصلاً حتى يكون في لجج المعامع، وتدرّب وتسلّح بكل ما يلزم حتى يكون خبيراً بخوض مثل هذه المواقف الحاسمة· ونجا مرة أخرى من هذه المؤامرة الجديدة بعد أن أخطأه انفجار القنبلة ببضع ثوانٍ· ويقول مشرّف أنه بات يدرك تماماً من خلال هذه السلسلة من الأحداث المتلاحقة، أن الباكستان كلها ومعها هو شخصياً أصبحا في خضم حرب شعواء على الإرهاب· وأصبح الآن على يقين من أن عليه أن يكون جاهزاً على الدوام لمتابعة هذه الحرب التي لا يعرف أحد لها قراراً· وفيما أكملت سيارة مشرّف وزميله تاج قطع الجسر القريب جداً من قيادة الأركان، انفجرت قنبلة موقوتة مزروعة على أحد جانبي الطريق، وكان لها أن تقذف بالسيارة لارتفاع كبير في الهواء· وعلم مشرف فيما بعد بضخامة القنبلة التي استهدفت سيارته عندما رأى السحابة الهائلة من الدخان والغبار والحجارة التي تطايرت في السماء عقب انفجارها والفجوة الكبيرة التي ظهرت في الجسر بعد ذلك· وعندما وصل مع تاج إلى قيادة الأركان التي تبعد 400 متر عن مكان الانفجار علم أنه نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال مريرة· ويروي مشرّف أن زوجته صهبا كثيراً ما شاركته الأحداث المؤلمة والسعيدة التي مرّ بها· فقد سمعت صوت الانفجار لأن بيت مشرّف لم يكن بعيداً عن المكان· وعندما دخل إلى البيت بادرته بسيل من الأسئلة حول حقيقة ما حدث فأخبرها بأن (الإرهابيين) خططوا بدقة لقتله ولكنه نجا· وقرر بعد ذلك العودة إلى مكان الواقعة فرأى الجسر وقد انشطر إلى نصفين، وعلم أنه لو حدث الانفجار قبل ثانية واحدة لتحول هو ومساعده والسيارة إلى أشلاء· ولاحظ بعد ذلك أن الناس الذين تجمهروا هناك كانوا يهتفون ويصرخون منادين بسقوطه، وقد عقدت ألسنتهم الدهشة حين رأوه سليماً معافى· واحتلت أخبار هذه المحاولة الواجهات الأولى للصحف ونشرات الأخبار التلفزيونية التي أذيعت في اليوم التالي وغطت على أهمية خبري فوز الباكستان على الهند بالبولو والقبض على صدام· وكان مشرّف قبل تنفيذ محاولة الاغتيال الأخيرة يقود سيارته بين أرتال السيارات العادية ويحرص على التوقف عند الإشارات الحمراء، إلا أن الأمور بدأت تتغير بعد ذلك، فقد صدرت الأوامر إلى الشرطة بغلق حركة المرور بالاتجاهين في كل الطرق التي يعبرها موكب الرئيس، وأصبح محاطاً بطبقات سميكة من الإجراءات الأمنية في كل تحركاته، كما تحولت برامج نشاطاته إلى أسرار لا يمكن إلا لكبار مساعديه الاطلاع عليها· وما كاد الناس يتناسون أخبار هذا الحادث حتى تعرّض مشرّف لمحاولة اغتيال ثانية مشابهة للأولى تم تنفيذها في 25 ديسمبر من عام ·2003
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©