الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبدالله الكعبي: التاريخ يسكن بيتي

عبدالله الكعبي: التاريخ يسكن بيتي
28 أغسطس 2015 01:11
أشرف جمعة (أبوظبي) متحف عبدالله راشد الكعبي في مدينة العين، يحمل ملامح الزمن القديم، فكل قطعة تروي قصة، وكل دلة قهوة وراءها حكايات تفوح منها رائحة الماضي، فقد امتد متحفة الكبير ليشمل أجزاء كبيرة من بيته، وقد شكله بمنطق فني خالص، ومحبة عارمة للوطن الذي علمه في صباه الباكر أبجديات المواطنة الصالحة والولاء والانتماء، فضلاً عن أن الكعبي من هواة جمع كل ما يتعلق بالمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ويبلغ عدد الكتب في متحفه عن القائد المؤسس نحو 400 كتاب، ونحو 40 ديواناً لشعراء يتغنون بـ «زايد الخير»، فضلاً عن 17 دلة متنوعة، وكذلك عملات ومسكوكات نادرة، فمتحفه الشخصي يمثل رحلة في صميم حياة الأجداد، يحتفظ بين طياته بأدق التفاصيل، فغدا بيته الوسيع مكاناً رحباً لمحبي التراث الوطني، والثقافة الشعبية، حيث الفخاريات، والأواني، والكتب القديمة، والسيوف العتيقة، كل ذلك يظلله الجمال الآسر، فتشعر العين بأنها سافرت إلى الماضي، ويأنس القلب بحديث الكعبي الذي ينم عن ثقافة واسعة، واحتفاء من نوع خاص بالعلم والأدب والتاريخ. جمع المقتنيات في البداية، يقول عبدالله راشد الكعبي عن متحفه الخاص في مدينة العين الذي أطلق عليه عبارة «شواهد في حب زايد»: «منذ أربعين عاماً وأنا أتلمس كل ملمح يعبر عن أجدادي، وأذكر أنني حين كنت أتلقى العلم في سنوات عمري الأولى، حيث كانت المدارس محدودة، كنت أجتهد في حفظ الأناشيد الوطنية، وأشارك في الأنشطة المدرسية، وأحاول أن تكون موضوعات التعبير الاختيارية في حب الوطن»، لافتاً إلى أنه لا يزال يحتفظ بكراساته القديمة التي كلما عاد إليها اكتشف فيها شيئاً جديداً في مرحلة تشكله، ويشير إلى أن عملية جمع المقتنيات التراثية بصورة أكبر بدأت منذ خمسة وعشرين عاماً، حيث وجد نفسه أمام محتويات وأشياء من تراث أجداده، فترجم شغفه التاريخي بأرشفتها، ووضعها في المكان الذي يليق بها، فكانت الفخاريات القديمة وجرار الماء والسيوف والخناجر ودلال القهوة خط إلهامه الأول ودافعه إلى جمع ما يتسنى له من موروث. دلالة تاريخية ويؤكد الكعبي أنه جمع مقتنيات بسيطة، لكن دلالتها التاريخية عميقة، وكانت مرحلة البحث الأولى في نطاق العائلة وبين الأقارب، وفي بيوت الأصدقاء إلى أن امتد سعيه الدؤوب إلى الأسواق المحلية يفتش في دهاليزها، ويقارن بين معروضاتها التي تسجل لحظات في حياة الأجداد أو قصة لها طابعها الخاص، لافتاً إلى أنه سافر في رحلات حول العالم، وكلما وضع يده على مقتنيات إماراتية سارع إلى شرائها رغم عدم وجود دعم مالي، يذكر أنه يشعر بسعادة غامرة عندما يضم هذه القطع إلى متحفه الخاص الذي حين الولوج إليه يجد المرء نفسه أمام مقتنى تراثي من كل شكل ولون ينطق بآيات الفن والجمال، لكنه يعترف بأن عدداً كبيراً من المقتنيات والقطع التراثية وصل إليه عبر الإهداء؛ نظراً لمعرفة الناس أنه من جامعي الموروث الشعبي الأصيل. أبواب مفتوحة وعن مجلسه الذي احتوى عدداً كبيراً من مقتنياته، يقول إن هذا المجلس هو الدنيا لديه، ولأنه الدنيا ترك أبوابه مفتوحة للزوار من كل جنس ولون، مبيناً أن الزيارات المدرسية وطلاب الجامعة والكثير من العائلات لا ينقطعون عنه، وهو ما شجع الكعبي على استقبال بعض الضيوف الذين يأتون من البلاد الأجنبية، إذ يطلعهم على نماذج وافية تشرح حياة الأجداد ومفردات الحياة القديمة في بيئاتها المتنوعة، وحرص على وضع صور المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في كل مكان، ليعرف الزوار بقيمة ومكانة «زايد الخير». محتويات وقطع تلتصق على جدران بيت الكعبي بعض الرسومات واللوحات التي تعبر عن حياة الإنسان الإماراتي، وأثناء الدخول يجد الزائر أمامه مجلساً كبيراً يضم بعض الجرار والدانات التي كانت تستخدم في الحروب، وأحجاراً من مختلف الأنواع يبدو عليها التقادم ودروعاً وتروساً وخرائط، فضلاً عن رفوف بكاملها ضمت بين طياتها كتباً معرفية وتراثية وتاريخية وشعرية وأدبية زاخرة بمعلومات قيمة وقصائد لشعراء قدامى في الدولة، وبالأخص بعض الكتب التي تتناول سيرة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ومسيرته وإنجازاته في سجل العطاء الإنساني والمرثيات التي كتبت بعد رحيله، ونسخ من صحف قديمة تناولت أخباره، وتسجل مواقفه التاريخية التي لا تزال محفورة في الوجدان، وفور الوقوف في منتصف المجلس الذي هو جزء من متحفه تسمع صوتاً خفيفاً شجياً من عبدالله راشد الكعبي، وهو يقول «مجلسي متحفي»، ثم يتابع حديثه، ويقول: «هذه الدلال الكثيرة التي تنوعت في ألوانها ما بين الأصفر واللون الفضي بأحجامها ومعادنها النفيسة المختلفة اجتهدت كثيراً لكي تزين هذا المكان؛ فوراء كل دلة قصة تحكي عن الكرم الإماراتي الأصيل، وقد تنوعت مسمياتها ما بين المخمرة والملقمة، وغيرهما من الأسماء، وخلف كل حجر كريم رواية من الزمن القديم، ويرى أن بعض قطع العاج والسيوف العتيقة وبعض ما يدل على طبيعة البيئة الجبلية في الماضي والأدوات الشخصية والعامة في البيوت القديمة تذكر الناس بهذا الإرث الحضاري العريق، مؤكداً أنه وثق لرحلات الحج القديمة عبر احتفاظه بما كان يأتي به حجاج الدولة من قطع منقوش عليها الكعبة المشرفة». بدأت جمع المقتنيات التراثية منذ 25 عاماً متحف جديد يحرص عبدالله راشد الكعبي على المشاركة في الفعاليات الوطنية والمهرجانات التراثية لكي يبرز بعض محتويات متحفه الذي قرر أن يتوسع في نشاطه هذا نظراً لكثرة المقتنيات وتنوعها، وذكر أنه بصدد افتتاح متحف شخصي جديد، لكي يتسنى للجمهور متابعة الإرث الحضاري للدولة عبر الجهود الفردية، ويوضح أنه حصل على عديد من التكريمات وشهادات التقدي والدروع نظراً لمشاركاته الغزيرة في مثل هذه الفعاليات. أرشيف «صحيفة الاتحاد» عبر مجلد ضخم الطول والارتفاع «أرشف» نادر عبدالله الكعبي بذكاء صحيفة «الاتحاد»، حيث إن احتفاظه بالصحف القديمة والنسخ الأولى، منها كونت لديه مادة ضخمة في مختلف المجالات، وتتنوع موضوعات الصفحات المؤرشفة، فقسم منها يتناول شخصية المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وصفحات أخرى تتعلق بالموضوعات التاريخية والأحداث المهمة ولا يزال عبدالله راشد الكعبي على دأبه القديم يؤرشف للصحيفة لكي يعرضها على الزوار، ووصل به إلى أن أرشف أيضاً للقصائد التي قيلت في أحداث مهمة، وهو ما يدل على قدرته البحثية المنظمة، ومحاولة إبراز جوانب الموروث بشكل موثق وصحيح، وليس هذا الأرشيف الوحيد لديه، إذ يمتلك عدد من المجلدات الضخمة في ميادين مختلفة. مسيرة الأجيال لا يخفي عبدالله الكعبي أنه جد واجتهد في جمع أشياء تراثية متنوعة حتى تظل رائحة الأجداد موجودة في دهاليز حياة الأبناء، ومن ثم تستمر المسيرة بين الأجيال، إذ يشعر بأنه من الواجب أن نظل نذكر الأبناء بملامح التاريخ القديم حتى لا تنسيهم التطورات الحضارات وعوالم الاتصال الحديثة ومظاهر الرفاهية معاناة من كان قبلهم، وكيف تواصلت الجهود لتصل الإمارات إلى قمة الرقي والتنوع الثقافي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©