الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل تأكل السينما أولادها؟

هل تأكل السينما أولادها؟
28 أغسطس 2013 20:12
فقدت السينما العربية قبل أيام إثنين من أعمدتها، هما “سندباد” السينما المصرية المخرج توفيق صالح، والناقد والسيناريست الدكتور رفيق الصبّان، ولهذا الفقد والرحيل الذي جاء وسط زحام وضجيج ودخان القاهرة، معناه ودلالاته الكبيرة، حيث تم تشييع جثماني الفقيدين وسط غياب كامل للفنانين ورفقاء المهنة، نظرا للظروف الأمنية التي تعيشها مصر. وفي السّياق لا أعرف لماذا مرّ بخاطري رحيل المخرج الكبير حسين كمال صاحب فيلم “أبي فوق الشجرة”، الذي اعتكف في بيته لمدة ثلاثة عشر عاما، مهملا بدون أي عمل، فمات مهموما، متحسرا في الرابع والعشرين من مارس عام 2003، بعد أن قدّم للسينما أكثر من ثلاثين فيلما في إطار مدرسة السينما الواقعية، كان أولها “المستحيل” عام 1965، ثم تتابعت أعماله التي تركت بصمة في تاريخ السينما المصرية مثل: البوسطجي، شيء من الخوف، ثرثرة فوق النيل، نحن لا نزرع الشوك، إمبراطورية ميم، كما أخرج للفنان عادل إمام مسرحية “الواد سيد الشغال” التي نقلها على شريط سينمائي. لقد أثار رحيل المخرج حسين كمال في ظروف صعبة قاسية، كثيرا من علامات الاستفهام، وكثيرا من الأسف على السينما حينما تأكل أولادها. مخرج متمرد ربما تتماهي حالة رحيل حسين كمال، مع حالة المخرج وأستاذ السينما المتمرد توفيق صالح (مواليد عام 1926) الذي انزوى في بيته لسنوات طويلة، بدون عمل حتى رحيله، ويعرف فنيا بإخراجه لعدد قليل من الأفلام الجريئة (قدم للسينما خلال أربعين عاما 7 أفلام روائية طويلة، و7 أفلام قصيرة)، إلا أنّه صنف كواحد من أبرز المخرجين السينمائيين من رواد الواقعية الجديدة، واشتهر خاصة بفيلم “المخدوعون” عن رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس”، وفيلم “درب المهابيل” المأخوذ عن قصة النوبلي نجيب محفوظ عام 1955، وسجل هذا الفيلم علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية، أسلوبا ومعالجة وإنتاجا وتقنيات وموضوعا، وهو ما جلب له اضواء الشهرة والنجاح ودخول محافل السينما العالمية بقوة وثقة، ثم “صراع الأبطال” عام 1962، التي تجري أحداثه في الريف المصري، حيث وضحت فيه إشتغالاته الذكية في متانة السرد الجمالي والفكري، ومهارته في توظيفه المتقن لمفردات اللغة السينمائية المبتكرة، ثم فيلم “سيد البلطي” عام 1969، قصة وسيناريو وحوار صالح مرسي ثم فيلمه الشهير “المتمردون” عن قصة الكاتب صلاح حافظ عام 1968، وكان الفيلم قبل عرضه بالشكل الذي يريده مخرجه، قد تعرّض لانتقادات حادة من الرقابة والحكومة، التي أجبرته على تغيير نهاية الفيلم بالكامل، ولم يعرض إلا بعد إنتاجه بعامين كاملين، ثم فيلم “يوميات نائب في الأرياف” المأخوذ عن قصة بنفس الاسم للكاتب الراحل توفيق الحكيم. وسط هذه الأجواء من تقييد حرية التعبير، والقيود المفروضة على صناعة السينما، قرر صالح عام 1972 مغادرة مصر، وفي دمشق أخرج أخطر أفلامه السياسية بعنوان “المخدوعون” من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وتدور أحداثه حول تبعات نكبة شعب فلسطين عام 1948، ثم فيلمه “الأيام الطويلة”1981، وصوره في بغداد، وهو آخر أفلامه الروائية الطويلة وفيه برع في صياغة مفاهيم جديدة في تيار الواقعية في السينما المصرية، التي تمحورت موضوعاتها حول الكثير من الآفات الاجتماعية والفساد والبيروقراطية جراء معاناة حالات الفقر وسيطرة الاقطاع والتهميش والتسلط بفعل سطوة مراكز القوى، والارتهان إلى تقاليد إجتماعية بائدة، لا تستقيم مع حركة التاريخ والتقدم الحضاري المتسارع. عاش توفيق صالح في العراق منذ عام 1973 لتدريس فن السينما، قبل أن يعود إلى مصر عام 1984 مكتفيا منذ ذلك الحين بعمله كأستاذ غير متفرغ لمادة الإخراج في المعهد العالي للسينما بالقاهرة. وقد عرف لدى مختلف الأوساط بأنه زميل دراسة للمخرج الراحل يوسف شاهين في (فيكتوريا كوليدج) وحصل على بكالوريوس الأدب الانجليزي من جامعة الاسكندرية قبل أن يغادر إلى باريس لدراسة فن السينما في جامعة السوربون، حيث عمل أثناء دراسته هناك كمساعد مخرج في ثلاثة أفلام فرنسية، فيما تؤكد مسيرته الفنية، أنه يختلف جوهريا مع يوسف شاهين في مسألة التناول السينمائي، وتركيزه الشديد على حرفيات سينما الواقعية، سعيا منه لبناء سينما جماهيرية تخدم ذائقة المتفرج. ما لا يعرفه البعض عن توفيق صالح أنه كان مهتما بقوة بفن المسرح، فقبل إنهاء دراسته بجامعة الإسكندرية في كلية ا?داب وقتها قام بإخراج مسرحية توفيق الحكيم “رصاصة في القلب” وتم عرضها في جمعية الصداقة الفرنسية هناك. ولقب الراحل بسندباد السينما العربية لانتقاله بين عدة بلدان عربية والاشتغال فيها، وكان آخر ظهور للمخرج الراحل توفيق صالح في حفل افتتاح مهرجان الإسماعيلية السينمائي الدولي قبل ثلاثة أشهر من رحيله، حيث ألقى كلمة السينمائيين المشاركين في المهرجان. إنه الرحيل المفجع والمؤلم، لتلك النهاية التي يبدو أنها تطال كل من تسوّل له نفسه الخروج من تحت عباءة وصاية ثقافة السلطة. توفيق صالح، لم يكن مخرجاً عادياً، فقد أثارت أعماله مجتمعة أصداء إيجابية، وجدلا في العديد من محافل الفن السابع، عربيا وعالميا، وذلك لجرأة أسلوبه الدرامي، وطريقة معالجته للمواضيع ضمن مفهوم السينما العربية الجديدة، التي قامت على أنقاض السينما السائدة في ذلك الوقت، حتى غدت أعماله اليوم من كلاسيكيات السينما العربية، والتي ما زالت تعرض بنجاح وإهتمام نقدي وجماهيري في ملتقيات التذوق السينمائي وأندية السينما التي لا تنفك بين فترة وأخرى عن تكريم صانع جملة أفلامه على طريقته الخاصة، بعيدا عن توظيف السينما لخدمة ثقافة السلطة. سينمائي محترف من غرائب الأمور أن يتزامن رحيل الكاتب والناقد والسيناريست السوري المقيم في مصر الدكتور رفيق الصبان (مواليد دمشق عام 1931)، مع رحيل المخرج توفيق صالح، على الرغم من أنهما لم يجتمعا معا في أي عمل سينمائي، فيما جمعهما الموت في لحظة منفردة خارج سياق الزمن. يعرف الصبان أنه بدأ مسيرته الفنية عن طريق المسرح السوري، وأخرج عددا من الأعمال المسرحية هناك، منها “براكسا جورا” لأرسطو فانس عام 1960، و”طرطوف” للفرنسي موليير عام 1966. وكان محمد رفيق الصبان وهذا هو اسمه الحقيقي، قد شغل منصب مدير المسرح القومي السوري، كما أسس فرقة الفن والفكر المسرحية، ثم إنتقل بعدها إلى القاهرة، وكتب فيلم “زائر الفجر” عام 1972، من إخراج ممدوح شكري، وقد أثار هذا الفيلم الكثير من الإشكاليات والجدل في مصر لناحية موضوعه الجريء جدا، ويحكي عن سلبيات الفساد السياسي، وقد جرى منع عرضه لسنوات طوال، لتبدأ بعدها مسيرته السينمائية الطويلة التي إمتدت لأكثر من ثلاثين عاما أنجز خلالها كتابة سيناريوهات لما يزيد عن خمسة وعشرين فيلما، بالاضافة إلى جملة كتبه ودراساته النقدية المتخصصة، وعمله كأستاذ لمادة حرفيات السينما في أكاديمية الفنون بالقاهرة، حيث عدّ الصبان من بين الأقلام السينمائية الجريئة في معاينتها للعديد من النتاجات السينمائية العربية والعالمية، حيث كان الراحل أشبه بموسوعة متحركة أثمرت كتابة أكثر من مؤلف نقدي رفدت المكتبة العربية بألوان من تيارات الفن السابع الجديدة، وسبق أن منحته الحكومة الفرنسية وسام الآداب والفنون بدرجة فارس، لمنجزاته في الحقل السينمائي وخدمة هذا المجال خلال عمله عضوا في اللجنة العليا لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وأيضا المستشار الفني لمهرجان الإسكندرية السينمائي، كما كان عضواً مؤسساً في جمعية كتاب ونقاد السينما في مصر، وجال في العديد من المهرجانات العربية والدولية، وعمل على تغطية وقائعها وبرامجها في العديد من الصحف والمجلات والدوريات المصرية والعربية، وكان له زاوية ثابتة في النقد السينمائي في صحيفة “القاهرة” الثقافية الأسبوعية. من أبرز الأفلام التي كتبها الدكتور الصبان، “الإخوة الأعداء” عام 1974، من إخراج أحمد السبعاوي وتمثيل نور الشريف، حسين فهمي، ميرفت أمين، عماد حمدي، نادية لطفي، ويحيى شاهين. وأيضا فيلم “قطة على نار” عام 1977 من إخراج سمير سيف، والفيلم مقتبس عن مسرحية الأميركي تينيسي وليامز “قطة على سطح صفيح ساخن”، وقد تحولت المسرحية إلى فيلم بذات الاسم من بطولة اليزابيث تايلور وبول نيومان، إنتاج عام 1958، أما النسخة العربية من الفيلم فقد جسد أدوارها كل من نور الشريف، فريد شوقي، بوسي، حسن حسني، مريم فخر الدين، وليلى طاهر. كما كتب الصبان سيناريو فيلم “ليلة ساخنة” عام 1996، من إخراج الراحل عاطف الطيب وتمثيل نور الشريف، ولبلبة. وكان آخر السيناريوهات التي كتبها بعنوان “الباحثات عن الحرية” مع المخرجة إيناس الدغيدي عام 2004، من تمثيل أحمد عز، داليا البحيري، وهشام سليم. وللصبان سيناريوهات ناجحة كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر: رحلة داخل امرأة، حساب، البؤساء، قاهر الظلام، حبيبي دائما، ويبقى الحب، قفص الحريم، عنتر زمانه، دانتيلا، فتاة من إسرائيل، الرغبة. كما كانت له مساهمات مع المسرح والسينما السورية من خلال تعاونه مع الممثل دريد لحام، بفيلم “كفرون” عام 1990، وفيلم “الآباء الصغار” عام 2005، كما قدم عدداً من سيناريوهات المسلسلات في التلفزيون وبلغت ستة عشر سيناريو، كان أولها المسلسل السوري “الدغري”. ربما تجب الإشارة هنا إلى القيمة الفنية والوجدانية التي شكلها الصبان برقي فنه وقلمه، وسمو ودماثة خلقه، في جنبات الوسط السينمائي المصري والعربي، إذ تأكد بعد رحيله بسبع ساعات فقط، إعلان رئيس مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية الدكتور سيد فؤاد، عن أهداء الدورة الثالثة من المهرجان إلى روح الصبان، تقديرا لجهوده وإخلاصه لفن السينما، وبخاصة في مصر التي قدم لها الكثير من جانب التأسيس الفكري والنظري، بإعتباره واحدا من أبرز نقاد السينما في الوطن العربي، وله بصمة واضحة في تاريخ الأدب والسينما العربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©