الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

من يقدر على تويتر ؟!

من يقدر على تويتر ؟!
26 أغسطس 2015 23:16
أحمد مصطفى العملة «خليها تخيس» و«خليها تعفن» و«طلعتكم ريحتكم».. ثلاث حملات مهمة اندلعت شرارتها، بصورة متزامنة تقريباً، خلال النصف الثاني من الشهر الحالي ضد تجار الأسماك واللحوم.. والسياسة، في الكويت ومصر ولبنان. ومع أن موضوعاتها وأماكنها مختلفة، إلا أنه يجمع بينها عفويتها، وانخراط كثيرين في صفوفها، ونجاحها في إحداث تأثير حقيقي.. لكن الأهم، أنها جميعها خرجت من رحم «تويتر» موقع التواصل الشهير، الذي مازال يثبت يوماً وراء الآخر نجاحه المذهل متعدد الأوجه منذ ظهوره قبل 9 أعوام. في حالتي الكويت ومصر، استهدف المشاركون خفض أسعار أهم سلعتين بالبلدين، السمك واللحوم، بعد ارتفاع الأسعار، بحسب العرض والطلب. وقرر المستهلكون المقاطعة، باعتبارها أضعف الإيمان. ولم يكن هناك حل أمامهم سوى «تويتر». الحالة اللبنانية مختلفة، لكن القضية خطيرة، فأزمة النفايات تعصف بالبلد، ولم يعد الناس يتحملون العيش وسط أكوام القمامة، ولم يعد من سبيل لحل المشكلة التي تتقاطع بقوة مع أزمة سياسية خانقة تتراكم في رحمها مخلفات وخلافات سياسية معقدة. فبدا كل شيء في السلطة.. إما عاجز أو متعطل. يستوي في ذلك الحكومة ومجلس النواب والرئيس. ولم يكن هناك حل «أيضاً» سوى «تويتر». وبحروف صغيرة لا تتعدى الـ 140، انتشرت الحملات كالنار في الهشيم، بعيداً عن كل سلطة أو نفوذ أو تدخل رسمي. فقط ناشطون شبان أجبرتهم أزمات مجتمعية عادية للغاية على التحرك الإيجابي، في سابقة ربما هي الأولى في العالم العربي. صحيح أن «تويتر» لعب دوراً مهماً في موجة الاحتجاجات السياسية التي عصفت بالعالم العربي خلال 2011 وما تلاها، لكن هذه هي المرة الأولى التي يسخر فيها ناشطون عرب الموقع من أجل شعارات مجتمعية.. وبدلاً من «يسقط النظام»، ارتفعت أخرى من نوع «تسقط الأسعار»، و«ارفعوا النفايات». وفي الحقيقة، لا يمكن اعتبار الفاعلين في الحملات ناشطين محترفين بالمعنى التقليدي. إنهم بالأساس أفراد عاديون، بل في حالة مصر بدأ الحملة شباب من الصعيد. ولمن لا يعرف الصعيد، فهو أفقر مناطق مصر، وأقلها مستوى من حيث الخدمات. وعلى الرغم من ذلك، اندلعت شرارة الحملة من هناك، وليس من القاهرة التي هي موطن النخبة «الناشطة» والمحرك الأساسي لكل شيء في مصر رسمي وشعبي.. (25 يناير 2011 مثالاً). ويعكس ذلك أحد وجوه قوة «تويتر»، التي تكمن في أنه «يمكن» بعبقرية وببساطة شديدة من لا قوة لهم. ليس ذلك فحسب، بل هو يثبت مجدداً قدرته الهائلة على الحشد والتأثير وراء قضية أو مطلب. والمدهش أنه عندما ظهر عام 2006، كان الغرض منه فقط، أن يقول كل مستخدم أين هو الآن، بالنظر إلى محدودية عدد الكلمات المتاح استخدامه. أي أنه ظهر فقط كي تقول لأصدقائك «أنا الآن في طريقي للسفر إلى لندن» مثلاً. لكن، وللطبيعة المتفجرة للتكنولوجيا، يكشف «تويتر» لمستخدميه عن إمكانات خارقة.. والعكس صحيح أيضاً، فالمستخدمون يكتشفون فيه دوماً إمكانات عبقرية، لكون التكنولوجيا «حمالة أوجه» بجدارة. وساعد على ذلك ميزة «تويتر» الأساسية وقدرته قدرته على صنع شبكة ودوائر آخذة في الاتساع لتضم أفراداً ثم عشرات ثم مئات ثم آلافاً ثم مئات الآلاف والملايين، في تجمعات هائلة، قبل أن يرتد إليك طرفك في بعض الحالات. ولم يحدث من قبل في التاريخ أن تمكن أحد من ذلك.. لا أوراق بردي الفراعنة ولا ألواح السومريين، ولا حتى منشورات ثورات العصر الحديث. بكلام آخر، استطاع «تويتر» بـ 140 حرفاً أن يفعل ما تعجز عنه آلاف الكلمات والصور بوسائل الإعلام التقليدي بالصحف والإذاعة والتلفزيون. بل إن محطات «سي إن إن» التي كانوا يقولون، إنها غيرت تاريخ الإعلام عندما غطت حرب العراق قبل سنوات بالصوت والصورة، تكاد تبدو الآن، هي والفضائيات عموماً، إلى جوار «تويتر» و«فيسبوك»، مثل «ديناصور» عملاق ثقيل الخطى، بطيء الفهم، غير قادر على التواصل بفعالية وكفاءة وبسرعة مع محيطه، يكافح للبقاء في مواجهة عوامل التعرية التكنولوجية والتاريخية. ومن هذه الزاوية، يعيد «تويتر»، بما يفعله، تعريف وسائل الإعلام وما يمكن لها أن تفعله أو تقوم به. والدليل على ذلك، ليس فقط حجم التأثير والتغيير الناجم عن الحملات في الكويت ومصر ولبنان، بل أيضاً الكيفية التي سحب بها «تويتر» وراءه الإعلام التقليدي، صحافة وتلفزيون، وأجبره على فرد مساحات واسعة لتغطية ومتابعة ردود الأفعال، بما يجعل المرء يتساءل افتراضاً، في بعض الأحيان، كيف كان العالم سيتغير لو أن «تويتر» ظهر قبل 5 قرون مثلاً؟! amustafa2@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©