الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بالين: من السياسة إلى التهريج!

26 نوفمبر 2010 21:25
مع أن برنامج تلفزيون الواقع الذي تشارك فيه "سارة بالين" لم يبدأ إلا يوم الأحد الماضي، فقد ظلت حاكمة ولاية ألاسكا السابقة تدافع عنه باستماتة لأسابيع طويلة قبل ذلك. فبعدما تساءل "كارل روف" ساخراً عن قدرة البرنامج في تعبيد الطريق أمام بالين لولوج البيت الأبيض، أتاحت "فوكس نيوز" للحاكمة السابقة فرصة لا تعوض للرد، بحيث سعت إلى استدعاء مقارنة غريبة بينها وبين الرئيس الأسبق ريجان، مفادها أنه إذا كان هو ينحدر من وسط فني ترفيهي وسبق له أن كان ممثلاً وشارك في بعض الأفلام والعروض التلفزيونية ليصبح في النهاية رئيساً للولايات المتحدة، فهي أيضاً يحق لها المشاركة فيما يحلو لها من برامج. لكن بالين، وفي معرض دفاعها عن نفسها، أخطأت في تحديد اسم الفيلم الذي شارك فيه ريجان، بل قفزت، بسبب جهلها ربما أو عن قصد، على برنامج شهير شارك فيه ريجان بعنوان "مسرح جنرال إلكتريك". لكن بتجاهلها لهذا البرنامج الشهير والعميق في حمولاته السياسية، أثبتت بالين مرة أخرى أنها لا تملك سوى معرفة سطحية للغاية عن الرجل الذي تسعى للتماهي معه ومقارنة نفسها به، وأن اطلاعها على مبادئه وسياساته لا يتعدى القشور. ومع ذلك، ورغم هذا الجهل الذريع بالأسس الأيديولوجية للرئيس ريجان، تواصل بالين التلويح باسمه كما لو كان شعاراً إعلانياً. بل أسوأ من ذلك تسعى بالين إلى توظيف اسم ريجان وتاريخه للتغطية على سياساتها وتجنب الدخول في التفاصيل وطرح أفكارها الخاصة. والأمر لا يتعلق هنا بمجرد الخلط في سيرة ريجان وعدم الإلمام بها، بل يمتد إلى الطريقة التي تستعرض بها تاريخ الرئيس الأسبق والأسباب التي تدفعها لذلك. ولنأخذ ما تقوله بالين بشأن السياسية الخارجية، فبعد خطابها في الاجتماع الوطني لحركة حفلة الشاي والذي بدأته بالصراخ أمام الحضور: "عيد ميلاد سعيد، رونالد ريجان"، انتقلت إلى تلقي الأسئلة، وكان أحدها عن الأمن القومي، فردت قائلة: "إن الأمر سهل وبسيط ويمكن إيجازه فيما قاله مرة الرئيس ريجان عندما تحدث عن الحرب الباردة، بحيث يمكن تطبيق ذلك على حربنا اليوم ضد الإرهاب، الخلاصة هي: نحن نفوز وأنتم تخسرون". ويبدو أن بالين تحب تكرار أقوال ريجان والاستشهاد بها في جميع المناسبات، بل وأحياناً تضيف إليها بعض التلوينات الخاصة لإضفاء نوع من الأهمية عليها. ففي أبريل الماضي عندما وقّع أوباما ونظيره الروسي على معاهدة ستارت لخفض ترسانة البلدين من الأسلحة الاستراتيجية، ظهرت بالين على فوكس نيوز وصرحت: "لا توجد إدارة في التاريخ الأميركي توافق على تقليص أسلحتنا النووية، وفي هذا الإطار نفتقد ريجان الذي كان عندما ينظر إلى أعدائنا يقول: ستخسرون وسنربح". والحقيقة أن ما لم تشر إليه بالين، وهي تتشبه بريجان، أن الأخير بذل جهوداً كبيرة للتخلص من الأسلحة النووية، لاسيما بعد لقائه جورباتشوف، حيث اعتبر ريجان تقليص الأسلحة النووية أولوية مهمة لرئاسته، بل أشار إلى هذا الجهد في مقدمة مذكراته "حياة أميركية"، فبعد اعترافه بالتناقض بين ما اعتاد على ترديده بشأن خسارة الأعداء وبين مساعيه الرامية إلى نزع السلاح النووي، قرر المضي قدماً في الاجتماع بجورباتشوف في جنيف. أما بالين فهي عاجزة عن إدراك هذه الحكمة التي انطوت عليها مواقف ريجان، إذ تلجأ فقط إلى تبسيط القضايا الأساسية والقفز على التفكير الجدي، وهذا يظهر بوضوح في مذكرات بالين "رحلة المروق" التي استشهدت فيها كثيراً بمواقف وتصريحات ريجان، لاسيما في فصلها الأخير. وسواء تعلق الأمر بالاقتصاد أو بالسياسة الداخلية، ظلت بالين وفية لنهجها التبسيطي في عقد التشبيهات بينها وبين ريجان دون تحليل القضايا والغوص في جوهرها. وإذا كان من عادة السياسيين استدعاء الرؤساء السابقين، سواء تعلق الأمر بالديمقراطيين الذين يستحضرون روزفلت أو بالجمهوريين الذين يستشهدون بريجان، أو بهما معاً عندما يرجعون إلى الآباء المؤسسين، فإن الأمر يختلف مع بالين التي يبدو أنها تستعيد فقط الآباء المؤسسين على طريقة "حفلة الشاي" بحيث تتحول هذه الاستشهادات من أسلوب لفتح النقاش إلى آلية لإغلاقه، وهو ما يعيدنا مجدداً إلى إصرار بالين على البحث عن أوجه شبه بينها وبين ريجان. فكلما كثفت من ظهورها العلني ملمحة إلى احتمال ترشحها للرئاسة، زاد استحضارها لريجان، فقد صرحت في تجمع للحزب الجمهوري خلال سبتمبر الماضي، احتفالا بذكرى ريجان، قائلة "إن سياسة أوباما الخارجية بعيدة كل البعد عن مثيلتها في عهد ريجان". وفي تجمع آخر للحزب نفسه خلال الشهر الماضي استضافته ولاية فلوريدا، بدت بالين أكثر وضوحاً خلف الكواليس عندما دافعت عن حظوظها في الترشح للانتخابات الرئاسية، قائلة إن ريجان كان يعتقد أيضاً بأنه لن يفوز حتى استطاع دخول البيت الأبيض. غير أن المشكلة التي لا تدركها بالين أنه في الوقت الذي استخدم فيه ريجان صورته كممثل ليصبح سياسيا، تقوم بالين باستخدام صورتها كسياسية لتتحول إلى مهرجة. فريجان، بالإضافة إلى مشاركته في البرامج التلفزيونية، كان أيضاً يقرأ ويتأمل ويختبر فلسفته السياسية. ورغم الصعوبات التي واجهها، فقد استطاع في النهاية الاشتغال على مضمون الخطاب السياسي الذي طرحه والذي سيتحول إلى فكر سياسي قائم بنفسه، وهو ما فشلت فيه بالين التي لا تعرف الانتقال من التهريج على المسرح الإعلامي والدعائي إلى العمل الجاد على المسرح السياسي. كريج فيهرمان محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©