الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شباب أيرلندا... يجرب حظه في الخارج

26 نوفمبر 2010 21:25
تلال شمال أيرلندا الخضراء المتماوجة تمتد حتى الأفق البعيد، وتتخللها مراعي خصيبة، ترعى فيها الخراف، وتنعكس عليها في الغسق أضواء البيوت الواقعة في القرى البعيدة. وعند نقطة ساحرة في الوادي الممتد أسفل التل، يقف "بادي برونتي" وخطيبته الحسناء" جولي مولين"، وسط موقع تتناثر فيه كتل اسمنتية كان يفترض أن تُستخدم كأساس لمنزلهم الجديد. بعد أن فقد "برونتي" عمله المنتظم، توقف العمل في المنزل الصيف الماضي، وهو أمر لم يكن أحد يتخيل إمكانية حدوثه منذ أسابيع قليلة. قال ذلك وهو ينظر متحسراً لمنظر التلال والأودية الخضراء ويضيف متحسراً: "هل سيكون المنظر الذي يطل عليه منزلنا الجديد في إدمونتون بكندا جميلاً مثل هذا المنظر الساحر". يقول "برونتي"، وهو نجار يبلغ من العمر 26 عاماً، حصل مؤخراً على وظيفة في "البيرتا ـ كندا"، وتقدم هو وخطيبته للقنصلية الكندية للحصول على تأشيرة الدخول. وكانت أخت "برونتي" قد رحلت لأسترليا منذ عدة أسابيع، كما أن صديقه المقرب يحزم أمتعته الآن استعداداً للسفر لسيدني، لبناء حياة أفضل هناك. وهؤلاء جميعاً يلتحقون بموجة من الأيرلنديين المهاجرين بأعداد لم يسبق لها مثيل منذ سنين طويلة، ما يؤشر على فتح فصل من الهجرة الأيرلندية، كانت أيرلندا تتمنى أن يكون قد انتهى للأبد. يقول برونتي: "لم نتمكن من استكمال بناء المنزل، ولم يعد لديّ عمل هنا، كما لم نتمكن من الحصول على رهن عقاري، لذلك ليس أمامنا سوى السفر للخارج". ويتابع: "لكننا سوف نعود، وأتوقع أن يكون ذلك بعد عام". لكن "مولين"، خطيبته، ترد عليه وقد وشت نبرات صوتها بعدم التصديق قائلة: "لابد أنك تمزح يا برونتي، فأنت تعرف حتماً أن غيابنا عن أيرلندا قد يستغرق فترة أطول من ذلك، أتوقع أن تكون ما بين سنة إلى خمس سنوات على أقل تقدير". وفي الآونة الأخيرة، تخلى الحظ عن أيرلندا التي كان يطلق عليها "النمر الكلتي" خلال التسعينيات، إذ بدت آنذاك وكأنها نجحت في الهروب من دورات العسر الاقتصادي التي طالما تعرضت لها. فهذه الدولة تعاني الآن من أزمة مالية عميقة، لدرجة أن حكومتها الموشكة على الإفلاس، طلبت من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي مساعدتها على الخروج من الأزمة بحزمة إنقاذ. ولا شك أن أيرلندا تواجه أوقاتاً عصيبة. فالأزمة المالية التي ضربت العالم عام 2007 أثرت عليها بعنف، وأدت إلى حدوث نهيار في قيمة العقارات التي فقدت 70 في المئة من قيمتها. ومثلما حدث في الولايات المتحدة، فإن العديد من العائلات الأيرلندية تدين للبنوك بقروض ورهونات تزيد كثيراً عن القيمة الحالية لعقاراتهم. وتفاقمت البطالة حتى تجاوزت 13 في المئة، كما هبط معدل نمو الناتج القومي الإجمالي إلى ما دون الصفر، ثم أصبح مؤشره سلبياً. وكل ذلك كان بمثابة نهاية مفاجئة للحلم الأيرلندي. ونتجت عن ذلك تأثيرات نفسية منها أن الكبرياء الأيرلندي المعروف قد جرح. ففي العام الحالي ارتفعت حالات الانتحار بنسبة 25 في المئة. وفي الأسبوع الماضي قتل أب يائس زوجته وطفليه كي يخلصهم من مصير مظلم ينتظرهم. وحالياً تكرر جريدة "آيريش تايمز" نشر افتتاحيات ومقالات يتحدث كتابها عن الشعور بـ"العار" الذي ينتاب الأيرلنديين بسبب المهانة التي تتعرض لها بلادهم أمام العالم حالياً. كما نظم الفنان المعروف "برايان ماكارثي" معرضاً ضم لوحة يصور فيها أيرلندا على هيئة مدينة أكواخ مترامية الأطراف. ومع ذلك فلا أثر من آثار الأزمة يؤلم الإيرلنديين مثل اضطرارهم للعودة إلى أيام الهجرة الكثيفة، والتي اعتقد كثيرون أنها قد ولت للأبد. فمن المعروف أن نحو مليون أيرلندي قد هاجروا من بلادهم في القرن التاسع عشر إبان "مجاعة البطاطس" واتجه معظمهم إلى الولايات المتحدة الأميركية. وخلال الثمانينيات ظلت الهجرة تتراوح بين الزيادة والنقص إلى أن جاء عقد التسعينيات حيث بدا وكأن أيرلندا قد وجدت نفسها فيه أخيراً. وحالياً يهاجر الأيرلنديون بأعداد لا مثيل لها خلال عشرين عاماً الماضية. فعدد الأيرلنديين الذين يهاجرون من هذه الدولة، والتي يبلغ تعداد سكانها نحو 4.4 مليون نسمة، ارتفع بنسبة 50 في المئة خلال السنة المالية الماضية ليصل 28 ألف مهاجر، وهو عدد يتوقع الخبراء أن يتضاعف ثلاث مرات خلال هذا العام، خصوصاً مع استمرار حالة التباطؤ التي يعاني منها الاقتصاد. ويتوقع اتحاد طلاب أيرلندا أن ما يزيد عن نصف أعداد خريجي الجامعات (حوالي 150 ألف خريج) سوف يهاجرون للخارج خلال السنوات الخمس القادمة. كل هذه التأثيرات الناتجة عن الأزمة العالمية كانت لها آثار نفسية عنيفة على العديد من الأيرلنديين، ومنهم جيري مولين، والد "جولي مولين" خطيبة "برونتي" التي أشرنا إليها آنفاً، والذي يقول معقباً على معلومات الصحف حول الأزمة وتأثيرها على صورة بلاده في العالم: "يارب السموات، لقد أصبحنا أضحوكة العالم". ويتابع: "لقد عدنا مرة أخرى إلى نفس الورطة التي عانيناها من قبل... فسوف يأتي صندوق النقد الدولي ويفرض شروطه القاسية مقابل الموافقة على تزويدنا بحزمة إنقاذ". ويضيف وهو ينظر بأسى إلى ابنته وخطيبها: "وها نحن نرى أبناءنا يرحلون ويعيدون ذكريات الهجرات الأيرلندية في القرن التاسع عشر وخلال فترات متقطعة من القرن العشرين". أنطوني فايولا موناجان ـ إيرلندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©