الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كنت مجرد رجل

كنت مجرد رجل
26 نوفمبر 2010 20:26
كانت فترة المراهقة فترة التحديات، وكانت الرجولة هي التحدي الأول، ثم البطولة، فالزعامة، أما التحدي الأخير فهو الوصول إلى الزعامة الخالدة. واستطعت بحمد الله التغلب على التحدي الأول بعد أن دخّنت السجائر، وكان لي الشرف في المشاركة في عمليات النهب المنظّم من الدكاكين القريبة. لكن رجولتي بقيت محل شك بين رفاقي في «الفريج» لأنني متفوق في المدرسة، ولأنني لم أكن أعرف التصفير، ولا البصق بطريقة الأفاعي حين تنفث سمومها، وحاولت كثيراً تعلم تلك الطريقة لكنني كنت في كل مرة أبصق على ذقني وكندورتي. واستطعت إزالة ذلك الشك حين أثبت لهم أكثر من مرة أنني أفضل من يحطم الأشياء، ابتداءً بمصابيح الإضاءة وزجاج السيارات ومروراً بلافتات المحال وانتهاء بجدران البيوت. لكن طموحي لم يتوقف عند هذا الحد، فأنا مجرد رجل في نظرهم ولست بطلاً، لأن البطولة تعني الانغماس في عملية التدخين، بأن تشكّل دوائر دخانية من فمك، وأن تبصق دماً كدليل على التهام السجائر، وأن تتعرض أطرافك للكسور أثناء ممارسة الشقاوة، وأن تكون في المقدمة أثناء المشاجرات والتعارك بالأيدي والعصي والسلاسل، وأن تكون بشكل عام عنيفا وتستخدم يديك لأتفه الأسباب، وأن تسرق سيارة أهلك وتقودها، وأن تتمرّد على قوانين البيت والمجتمع. وقد اقتربت من كل هذه الأشياء لكنني لم استطعت الثبات على موقفي طويلاً، لأن أهلي وقفوا في طريقي بقوة، فلم يكن لديهم سامحهم الله بُعد نظر، ولا ثقة بقدراتي ولا إيماناً بمواهبي. أما الزعامة التي لم أفكّر بها قط، بسبب أهلي أولاً، وبسبب خوفي ثانياً، وبسبب افتقار منطقتنا للزعماء عموماً، فليس كل من يترأس مجموعة من الأولاد يعد زعيماً، بل هو مجرد لعين عادي. بينما الزعامة تعني شيئاً آخر، فهي تعني الانتقال من طور الشقاوة إلى طور الإجرام، ثم في مرحلة لاحقة يتحول هذا الإجرام إلى وحشية. وكان عدد الزعماء قليلاً، ربما سبعة أو ثمانية من الزعماء في عموم المدينة. كانت الزعامة تعني بالإضافة إلى كل ما سبق، أن يكون قلب الزعيم من صخر، فلا يعرف الشفقة ولا الرأفة ولا التردد ولا التفكير في العواقب، يجب أن يكون الزعيم مندفعاً وصلفاً وعنيفاً حتى مع نفسه، بأن يجرح يديه بشفرة حلاقة أو يحمل كومة جمر مشتعلة بيديه، وعنيفاً مع أصدقائه، كأن يقذف السيجارة في وجه أحدهم، وأن يدخل السجن ولو لمرة واحدة، ولو ليوم واحد، وأن تدور الشكوك حول استعماله المخدرات، فهو متمرد على كل شيء. وأفضل الزعماء هو من يتسبب في مقتل أحد الأشخاص أو على الأقل في إدخاله إلى غرفة العناية المركزة. وكل زعيم يُصرع أو يلقى حتفه في أثناء وبسبب ممارسته دور الزعامة يصبح زعيماً خالداً، فلو كان هناك زعيم ثم ترك الزعامة أو نُحي عنها ثم مات، فلا يحق له أن يحصل على ذلك اللقب، والأمر نفسه لو مات الزعيم بسبب لا علاقة له بزعامته، كأن يموت في حادث سيارة ويكون هو مجرد راكب مع أهله. كي يصبح الزعيم خالداً عليه أن يُقتل أثناء مشاجرة، خصوصاً إذا كان عدد الخصوم أكبر من عدد فريق الزعيم، أو يلقى حتفه بجرعة زائدة، أو يموت في السجن، أو في حادث سيارة ويكون هو السائق، بشرط أن تكون قيادته بطيش وتهور وجنون. فمن العار أن يموت الزعيم وهو في سيارة واقفة أو ملتزمة بآداب وقوانين المرور. Ahmedamiri74@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©