الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الباعة الجائلون يفلتون من الضرائب ويقعون في قبضة دوريات الشرطة

الباعة الجائلون يفلتون من الضرائب ويقعون في قبضة دوريات الشرطة
26 نوفمبر 2010 20:26
ظاهرة اجتماعية ومعيشية ترسخت مع مرور الزمن وأصبحت متفشية في شوارع وأرصفة وأسواق بيروت، بعضها يتجول في أماكن عديدة، والبعض الآخر «يفترش» بضائعه على الأرصفة حيث تحلو له الإقامة لبضع ساعات أو طوال اليوم، حسب الإقبال ونوعية الزبائن وحركة البيع والشراء. الباعة المتجولون ظاهرة حقيقية بدأت انتشاراً ملحوظاً ليس في القرى والمناطق فقط، بل إن العاصمة بيروت أصبحت مأوى وملاذاً لعربات تحمل بضائع متنوعة من الخضراوات والفواكه إلى الألعاب والأحذية إلى أشتال الأزهار والأجهزة الكهربائية، تتنقل في الشوارع الرئيسية من دون حسيب أو رقيب، ما عدا الحظ العاثر والصدفة اللعينة لدورية أمن ما، تمر أمام إحدى العربات المتجولة التي يجرها صاحبها، حيث تسمع صراخاً ومشادة بين البائع وقوى الأمن. طريقة عشوائية الباعة المتجولون يعتبرون من التجار وإن كانت هذه التسمية بعيدة عنهم، حسب رأي أصحاب المحلات والمؤسسات التجارية، على أساس أنهم معفوْن من الضرائب والرسوم، ولا أعباء مالية تلاحقهم ولا استحقاقات معينة، فأرباحهم صافية لأن لا مكان ثابتا لهم، فهم باعة غير مستقرين، كل يوم تصادفهم في منطقة مختلفة وجديدة، يبيعون بضائعهم بطريقة عشوائية، بعضهم "دوّارين" والبعض الآخر أصحاب "بسطات" يعرضون عليها أصناف بضائعهم مثل لعب الأطفال والساعات والمكسرات والعطور والكتب والسبحات والخواتم، وهؤلاء في مشاكل دائمة مع أصحاب المحلات الكبرى، لأنهم يسيطرون على الرصيف من دون وجه حق، والأنكى من كل ذلك انهم فضلاً عن مخالفتهم الأنظمة والقوانين المرعية، ويخالفون نظم العمل كما يشير جان فضول صاحب أحد محال بيع الألبسة في منطقة برج حمود، إلا وهم يبيعون بضائعهم بسعر أقل من السوق بكثير، وبماركات تقليد للأصناف الأصلية، ومنها الثياب والعطورات والساعات والأدوات الكهربائية. ولأن بعض الباعة المتجولين يقومون بالبيع لمصلحة أشخاص آخرين، أو حتى لمصلحة منشآت ومؤسسات تجارية، والفريق الثاني يعمل لحسابه الخاص وحسب شطارة حركة البيع والشراء وما يتطلبه السوق من عرض وطلب، لذلك هم دخلوا مهنة التجارة من بابها العريض، لا تؤرقهم هموم الإيجارات والبدلات المالية ورسوم "المهنة". ويلات الحرب ليس كل الباعة المتجولين دخلوا ميدان هذا العمل بسهولة، لأن العديد منهم كانوا أصحاب محلات تجارية يحسب لها ألف حساب، في السمعة والانتشار، إلا أن الظروف المأساوية وويلات الحروب التي مرت على لبنان، جعلتهم في ظروف صعبة وقاسية، فانصرفوا إلى هذا الاختصاص، لأنهم لا يعرفون غيره، فافترشوا الأرصفة في بعض المناطق والشوارع، ليصبحوا أصحاب بسطات صغيرة ومتناثرة وغيرهم امتلك عمل بيع البضائع على عربات خشبية وسيارة، لتحصيل لقمة العيش. عدا عن أن انتشار البطالة وعدم توفر فرص الشغل، دفعهم إلى ممارسة هذا النشاط، وقد جاء معظمهم من مناطق الريف البعيدة بحثاً عن الرزق، فوجدوا أن العاصمة ترزح تحت بطالة أكبر مما كانوا يعتقدون. ويقول مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي إنه في كل مناسبة وموسم اصطياف، تصدر تعميماً وأوامر إلى مفارز السير، تقضي بالتشدد بقمع مخالفات التسول والباعة المتجولين. ويؤكد اللواء ريفي أن التعميم المذكور جاء فيه "لما كانت مواسم الأعياد والمناسبات تشهد عادة ازدحاماً للسير، وبناء لتوجيهات وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، يأمر اللواء ريفي بتعزيز مفارز السير بـ386 عنصراً، بالإضافة إلى 49 ضابطاً، واتخاذ تدابير استثنائية، وبوجوب التشدد بقمع مخالفات التسول والتشرد والباعة المتجولين، واتخاذ التدابير بحقهم، بالتنسيق مع السلطات الإدارية والقضائية المعنية، والمؤسسات والجمعيات الأهلية ذات الصلة". شظف العيش حول مهنتهم وأوضاعهم، يقول البائع الجائل أحمد حسين إن انتشار البطالة والظروف المعيشية السيئة، دفعته إلى هذا المجال في العمل من أجل تحصيل لقمة العيش، بعدما أقفلت الشركة التي كان يعمل بها، وأصبح مصيره الشارع، حيث لم يجد سبيلاً للاسترزاق إلا اقتناء عربة خضار وفواكه، يدور فيها على الأحياء لتحصيل قوته اليومي. ويضيف أن هذا العمل مضن ومتعب ولكن ليس باليد حيلة. ويقول بائع جائل آخر يدعى سعيد فاضل "ليس هناك من مجال آخر لسد رمق عائلتي، فاضطررت لهذا العمل الذي يراه البعض سهلاً، وهذا رأي أصحاب المحلات الخاصة الذين يجلسون وراء كراسيهم، بينما نحن نجول الطرقات منذ الصباح في أيام البرد والشتاء والصيف الحار، بحيث انه في بعض الأحيان لا نشعر باننا نملك أرجلاً ولا جسداً". ويقول محمد أرناؤوط إن مهنة البائع المتجول ليست سهلة بل مكلفة، ومن لا يملك رأسمال لافتتاح بسطة صغيرة أو دكاناً ماذا يفعل؟"، ويضيف "الأنكى أن دوريات قوى الأمن لا تتركنا بحالنا، كذلك شرطة البلدية التي تحرر محاضر الضبط بحقنا". ويملك سمعان مروة عربة قهوة يتنقل فيها طوال النهار في شوارع مختلفة، ليستقر ليلاً في الروشة والمنارة، لكن بشكل تسلل، نظراً لقرار منع العربات من التوقف بهذه الأماكن، يقول إن أهم المشاكل التي تواجهه في عمله اليومي هو مطاردة قوى الأمن لهم، على أساس أن وجود الباعة المتجولون يعرقل السير". أزمة اقتصادية يقول سامر يونس إن "معظم الباعة المتجولين في شوارع معينة يأخذون من الأرصفة محلات معارضة لهم، ويعتبرون أنفسهم أصحاب العقار. وطبعاً هم يبيعون برخص، لأنهم لا يتحملون أي رسوم مالية من قبل الدولة والبلدية، مطالبا السلطات المختصة بإبعاد الباعة المتجولين الذين يخالفون القوانين، خصوصاً في الأحياء الراقية، وبتكثيف الرقابة ومطاردتهم للقبض عليهم، لاسيما وأن هناك باعة أرصفة يعرضون ويبيعون أدوات خطيرة مثل السكاكين والخناجر والآلات الحادة، وغيرها من الأشياء الممنوعة. ويرى الأخصائي الاجتماعي سمير مطر أن ظاهرة الباعة المتجولين تعكس ملامح لأزمة اقتصادية واجتماعية ومعيشية وتعليمية، وهي انعكاس واضح لفشل جزء كبير من المشاريع التنموية وانعدام الخدمات الأساسية، وهذا ما أدى إلى حالة نزوح كبيرة وهجرة في اتجاه العاصمة، بحثاً عن فرص عمل وكسب قوت يومي. وقديما، كان الباعة ينقلون بضائعهم وحوائجهم على ظهور الحمير، وكان الزمور أو صوت البائع ونغمة صوته في المناداة على بضاعته، جاذباً للأهل والأولاد من أجل الخروج من البيت للشراء، خصوصاً إذا كان البائع يحمل الألعاب والهدايا. كذلك الأمر بالنسبة للنساء اللواتي كن يفاصلن البائع من أجل تخفيض سعر الفواكه والخضار والألبسة والثياب، وهو يرد بأن "بضاعته" كلها مشغولة من القطن الأصلي ليس. وهنا تبدأ عملية "المزاد العلني" بينه وبين بعض "النسوة" ممن تجمعن حوله في رحلة أرقام وجداول حسابية تحمل "الشطارة"، لأن الغلبة أخيراً لـ"ستات البيوت" اللواتي "دوخن" البائع بمعلقات الوضع الاقتصادي السيئ.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©