الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التقشف لا يشمل التفكير والابتكار

20 أغسطس 2012
الركود الاقتصادي لا يعني وقف التوظيف والاستثمار والتجديد والتفكير، خاصة في الإعلام، حتى في أكثر البلدان ركودا مثل المملكة المتحدة التي لا زالت منذ 2008 تحت وطأة الأزمة المالية العالمية لدرجة ارتفاع استهلاك أهلها للعقاقير المضادة للاكتئاب والمنومات، وحتى في أكثر ميزانيات مؤسساتها الإعلامية تضرراً من التقشف مثلما هو حال مفخرتها وشبكتها الإعلامية العالمية «بي بي سي» التي كانت اضطرت مؤخراً إلى بيع عدد من مكاتب استديوهات وباشرت البحث للمرة الأولى في تاريخها الطويل عن إعلانات تجارية كمحاولة لتعويض ما تفقده من تمويل ضمن برنامج تقشف يستمر لعدة سنوات، إلى برنامج للاستغناء عن آلاف الوظائف ووقف بث خدمة الشبكة ببضعة لغات أجنبية. طبعاً لا يعني هذا أن خدمات «بي بي سي» المستمرة لم تتأثر، فالمبالغة في تكرار بعض برامج القسم العربي من الشبكة في الأشهر الأخيرة تسبب أحياناً الملل والبحث عن محطات ومحتويات بديلة. إلا أن التقشف الحاد لا يعني استقالة وسائل الإعلام من التفكير في مواكبة الجديد كما حال ألعاب أولمبياد لندن التي افتتحت في 27 يوليو الماضي، فثمة دائما ما يمكن عمله من أجل البقاء على الخريطة وعدم التراجع أكثر. «بي بي سي» مثلا حاولت بكل السبل والاستثمار الممكن مواكبة الحدث عبر مشاريع محتويات جديدة، مكتوبة ومرئية، على الأجهزة الرقمية وشبكة الإنترنت لتغطي أهم المعلومات والتحديثات عن بطولات الألعاب الـ36 وكل مشارك فيها، دولة كان أم فرداً. ولكن ما يستحق التوقف أكثر هو ما أقدمت عليه صحف مثل جريدة «ذي ديلي تلجراف» لأنه يؤكد أن التفكير والمبادرة لا يجب أن تقيّد حتى أكثر فئات وسائل الإعلام تأثرا بالركود والأزمات المالية وغيرها، أي الصحف الورقية، كما يثبت أن هناك دائماً الكثير مما يمكن للصحف أن تقوم به وتتميز. فقد أعلنت هذه الصحيفة عن برنامج تغطية استثنائي تطلبت ميزانية إضافية هائلة، لتوفير 200 فريق تحريري وإصدار ملحق يومي من 48 صفحة، وربما أكثر ومجلة أسبوعية من 60 صفحة معطوف عليها نسخة آيباد يومية مسائية. ولأنها ترقبت في المقابل بيع مليون نسخة إضافية يومياً أثناء مباريات كرة القدم فقد استخدمت أيضاً فريقاً من مائة موزع صحف للعمل في الشوارع قريباً من المواقع الأولمبية الرئيسة وأماكن تجمع المشجعين. راهنت «التلجراف» بذلك على كسب حصة إعلانية مميزة وليس فقط على مردود بيع النسخ. وهي ليست الوحيدة في هذا الرهان، فهناك مئات المؤسسات الإعلامية الأوروبية المطبوعة والمرئية والرقمية، التي انتظرت موسم الأولمبياد بفارغ الصبر ورأت في إنفاقه الإعلاني، إلى جانب إعلانات كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، فرجاً محتملاً من الضائقة المالية التي تمر بها كلها. ولكن ثمة فرق كبير بين فئة المؤسسات المبادرة المماثلة للتلغراف وتلك التي اكتفت بانتظار أن يطرق الإعلان بابها. وأساس الفرق بين الفئتين هو أن التقشف لدى الفئة الأولى لم يشمل التفكير والابتكار. وهنا تكمن قاعدة ذهبية للمؤسسات- بل للكائنات- الحيوية القادرة على تحدي البقاء. د.الياس البراج | barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©