الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجزائريون ينتهزون الفرصة للتصالح وترديد «صح عيدكم»

الجزائريون ينتهزون الفرصة للتصالح وترديد «صح عيدكم»
20 أغسطس 2012
يحتفل الجزائريون ككل الشعوب الإسلامية في العالم بعيد الفطر المبارك في أجواء بهيجة يصنعها الأطفال خاصة بملابسهم وألعابهم الجديدة والعائلات بتبادل الزيارات والحلويات المحضّرة في البيوت على نطاق واسع، إلا أن الكثير من الجزائريين أصبحوا يكتفون بإرسال تهاني العيد واستقبالها على الرسائل النصية القصيرة «أس أم أس»، وهي ظاهرة برزت في السنوات الأخيرة وبدأ نطاقُها يتسع من عام إلى آخر. (الجزائر) - تميزت أجواء عيد فطر هذه السنة بتحضيرات مبكرة لدى الكثير من العائلات الجزائرية، إذ بدأ بعضها يقبل على الأسواق ومحلات الملابس منذ منتصف شهر رمضان لاقتناء ملابس العيد لأطفالها قبل أن تلتهب أسعارُها، إلا أن هذه «الحيلة» لم تنجح، ووجدت العائلات أن الأسعار قد ارتفعت بشكل ملموس لتصطدم بالأمر الواقع، وأكدت العائلات أن أسعار بعض ملابس الأطفال قد ارتفع بنسبة تصل أحياناً إلى 40 بالمائة عن عيد العام الماضي، فارتفع لباس طفلة صغيرة بسوق «ساحة الشهداء» الشهير من 4500 دينار جزائري إلى نحو 6 آلاف دينار، والسروال من 2000 إلى 3200 دينار، تقول سيدة بسوق ساحة الشهداء «لديّ ثلاثة أطفال وأسعار ملابسهم باهظة جدا، لا مفر من اقتناء الملابس الصينية، فمع أن جودتها محدودة، إلا أن أسعارها معقولة أيضاً مقارنة بالملابس التركية والأوروبية». الاستيراد هو السبب يعزو تجار هذه الزيادات بالدرجة الأولى إلى ارتفاعها لدى المستوردين وأسواق الجملة، لاسيما وأن أغلب ملابس الأطفال تُستورد من الخارج بسبب ضعف الإنتاج المحلي للنسيج، ويقدّر الحاج الطاهر بولنوار، الأمين العام لاتحاد التجار والحِرفيين نسبة الاستيراد في ملابس الأطفال بـ70 بالمائة، أغلبها يُستورد من الصين وتركيا بنسبة 50 بالمائة، ومن فرنسا وإسبانيا وإيطاليا بـ 20 بالمائة «أغلب العائلات متوسطة الدخل تفضل السلع التركية والصينية لرخص أسعارها، بينما تقبل العائلات الميسورة على الملابس الأوروبية، في حين تشهد الملابس السورية انحساراً كبيراً بسبب الأزمة المستفحلة هناك». ومن خلال جولات لنا في أشهر أسواق الجزائر العاصمة منذ 20 رمضان الماضي، لاحظنا أن الكثير من العائلات كانت تسأل عن الملابس السورية التي تعوّدت عليها كل سنة لكسوة أطفالها، إلا أنها كانت نادرة وباهظة الثمن، حيث اعتذر أغلب «تجار الحقيبة» عن عدم قدرتهم على «المغامرة» بدخول سوريا لجلبها هذا العام بسبب الظروف الأمنية المتدهورة بها، وهو ما تحسر له التجار لأنه أضاع عليهم أرباحاً كبيرة بالنظر إلى شعبية ملابس الأطفال السورية في الجزائر. ويعدُّ اقتناء ملابس العيد لكل طفل في العائلة، تقليداً راسخاً للجزائريين، ولا تكاد تعثر على عائلة امتنعت عن كسوة أطفالها في عيد الفطر، لأن ذلك يعدُّ في الأعراف المحلية دليل «عدم ترحيب» بالعيد، وهو سلوك مشين ونقيصة اجتماعية، ولذلك تقوم العائلات بكسوة أبنائها بملابس جديدة مهما كانت ظروفها المادية مزرية، ويلجأ الكثيرُ منها إلى الاستدانة ولاسيما إذا كان دخلها محدودا وعدد الأطفال كبيرا، بينما قامت «الكشافة الإسلامية الجزائرية» بتوزيع 3 آلاف كسوة عيد على الأطفال اليتامى والمعوزين عبر 30 ولاية وقال رئيس الكشافة نور الدين بن أبراهم إن «المبادرة تأتي لإدخال الفرحة إلى قلوب هؤلاء الأطفال بدورهم في هذا اليوم السعيد حتى لا يشعروا بالحرمان وهم يرون أقرانهم يتمتعون بملابس جديدة في العيد». ويقدّر الحاج الطاهر بولنوار قيمة المبالغ التي أنفقها الجزائريون على ملابس العيد هذه السنة بـ20 مليار دينار (الدولار يساوي 80 ديناراً)، وهو ما شكّل حسبه «ضربة موجعة للعائلات التي أنهكها غلاء المواد الغذائية في شهر رمضان». لوازم الاحتفال بالموازاة مع اقتناء ملابس العيد، تقوم العائلات أيضاً باقتناء لوازم الحلويات في الأيام الأخيرة من رمضان، من جوز ولوز وفستق وفول سوداني ودقيق وسكر وعسل ومربّى ومسحوق تمر قصد تحضير أصناف عديدة منها احتفالاً بعيد الفطر، ومن أشهر الحلويات التي تعدّها الجزائريات بالمناسبة «البقلاوة» و»المقروط» و»الدزيريات» و»التشاراك» والقريوَش». وعادة ما تحضّر كل عائلة ما بين 6 و12 صنفاً أو أكثر أحياناً بحسب إمكانات كل عائلة، وتتجه أغلب العائلات إلى إهداء هذه الأصناف صبيحة العيد والأيام الموالية له للجيران والأقارب، وتُتخذ حلويات العيد عادة مادّة ً للتباهي بين العائلات وإبراز مهاراتها في التحضير وكذا مستواها المعيشي، وقد تلجأ بعض العائلات أيضاً إلى الاقتراض لتحضير أشهى الحلويات حتى لا تبدو أقل شأناً من جيرانها. ورغم كل المصاريف الباهظة، يحرص الجزائريون على الاحتفال بالعيد في أجواء بهيجة، حيث ينهضون مبكراً صبيحة العيد ويتجهون إلى الصلاة في حدود السابعة والنصف، والطريف أن العيد لا يبدأ عندهم فور انتهاء صلاة الفجر كما هو الحال لدى باقي الشعوب الإسلامية، بل يبدأ فقط فور انتهاء صلاة العيد، وإذا التقى المصلون في طريقهم إلى المسجد لأداء الصلاة، لا يتبادلون سوى السلام والتحيات الصباحية المعروفة ويتصافحون بشكل عادي، وما أن تنتهي صلاة العيد حتى ينهض المصلون ليعانقوا بعضهم البعض بحرارة كبيرة والجميع يردد «صحّ عيدكم»، وبدرجة أقل «عيدكم مبارك». ويتبادل المصلون العناق على نطاق واسع حتى بين من لا يعرف بعضهم بعضا، ويتعمّد المتخاصمون أيضاً اغتنام الفرصة للتصالح بينهم وفتح صفحة جديدة، وبعدها يغشون الأسواق لاقتناء أشهى الفواكه تمهيدا للزيارات ويعودون إلى بيوتهم لزيارة الجيران وتبادل العناق وتهاني العيد معهم. وبعد نحو ساعة تبدأ زيارات الأقارب، وتمتلأ الشوارع بالأطفال وهم يستعرضون أمام بعضهم البعض ملابسهم الجديدة وما اقتناه لهم أولياؤهم من ألعاب مختلفة، وكذا ما جاد به الكبار عليهم من دنانير في هذا اليوم السعيد. ويستمر الوضع على هذا النحو في الثاني من شوال والذي يُسمى «ثاني عيد» ويتجه الأطفال فيه إلى الحدائق العمومية الكبيرة للاستمتاع بألعابها. تبريكاتٌ عن بُعد مع أن الجزائريين حافظوا على أهم عاداتهم وتقاليدهم المتعلقة بالاحتفال بعيد الفطر، إلا أن التكنولوجيات الحديثة أدخلت تقاليدَ جديدة بهذه المناسبة، ومنها الاكتفاء بتبادل التهاني والتبريكات عبر المكالمات الهاتفية وكذا الرسائل النصية القصيرة «أس أم أس»، وقد أكدت الشركات الثلاث للهاتف المحمول بالجزائر، أن الجزائريين «تبادلوا نحو 32 مليون رسالة قصيرة بمناسبة عيد الفطر لعام 2011 ونحو 20 مليون رسالة في عيد 2010»، وهو ما يؤشر بوضوح لمدى اتساع نطاق هذه الظاهرة من عام إلى آخر بالرغم من كل الانتقادات التي وجهها لها الأئمة والوعاظ ووسائل الإعلام المحلية والمختصون في علم الاجتماع، باعتبارها أصبحت تمثل بديلاً يغني عن الزيارات الاجتماعية وصلة الرحم وحرارة اللقاءات العائلية ويشجع على التقاعس عن زيارة الأهل والأحباب وتكرس ذهنية الفردانية التي أصبحت تحل تدريجياً محل الروح الاجتماعية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©