الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

لويز اربور قانون الحانة

11 نوفمبر 2006 00:14
شُغل حمورابي ـ أهم مشرع خرج من بلاد الرافدين في تاريخ الإنسانية- بالمرأة، لدرجة أن ما يزيد عن ثلث ما كتبه في شريعته على حجر ''الديوريت'' كان لها، فخصهن بحقوق مازلن يسعين للحصول عليها حتى الآن، غير انه أيضاً لم يتردد في إقرار عقوبة قتلها في حالة أن استُغل ما تملكه في تدبير مؤامرة، فحسب شريعته تُحرق المرأة -صاحبة الحانة- وحانتها في حالة قبض على متآمرين فيها! هذا كان من أحكام المملكة البابلية، أما في شريعة العراق الجديد فلا عقاب للنساء المتآمرات، فما بالك بالساكتات على المؤامرة، فقد أعربت المفوضة العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ''لويز اربور'' عن أسفها على حكم المحكمة الجنائية العراقية ضد الرئيس العراقي المخلوع ''صدام حسين''، ودعت الحكومة العراقية إلى تعليق تنفيذ حكم الإعدام الذي كانت قد قضت به المحكمة الجنائية العليا العراقية في الخامس من نوفمبر الجاري ،2006 ولم تكتف بذلك بل نددت ''بشدة'' بالأحكام الصادرة عن المحكمة معتبرة إياها ''غير عادلة''· وبذلك تكون المفوضة العليا بتعليقها على نتيجة المحاكمة قد أقرت بتقاعسها عن أداء دورها في مراقبة المحاكمة التي كانت قد وعدت به المجتمع الدولي في أول ظهور رسمي لها أمام وسائل الإعلام بعد توليها مهام منصبها في الثاني من يوليو عام 2004 أثناء تعليق لها حول عرض ''صدام حسين'' أمام قاضي التحقيقات في بغداد- بتتبعها لمجريات المحاكمة، كما كانت قد أكدت أن القائمين عليها سيكونون تحت نظر المؤسسة الدولية والمجتمع الدولي، وهو ما لم يتحقق على الرغم من مرور ما يزيد عن 41 جلسة منذ بدء محاكمة صدام في التاسع عشر من أكتوبر عام 2005 واتهامه بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية بقتله 143 شخصاً من بلدة واحدة بعد محاولة فاشلة لاغتياله عام 1982 في ''الدجيل''· لويز الكندية خلفت ''لويز اربور'' الدبلوماسي البرازيلي ''سيرجيو دي ميلو'' الذي قتل في بغداد في أغسطس عام 2003 في رئاسة المفوضية العليا لحقوق الإنسان، وبذلك فهي تدرك تماماً الوضع الأمني المتأزم في العراق منذ الاحتلال الأميركي، ولذا أعربت عن تخوفها بعد صدور الحكم على صدام من زيادة حالات العنف والرغبة في الانتقام، غير أن دعوتها بضمان إمكانية تقديم الاستئناف، وحصول المحكوم عليهم بالموت على فرصة علاج كاملة على نحو عادل هي ما كان على قائمة طلباتها من الحكومة العراقية، وإن كانت هذه المطالب هي من أولويات عملها بضمان حقوق المحكوم عليهم التي تفرضها عليها مهنتها كمفوضة لحقوق الإنسان، إلا أنه اعتراف بشكل غير مباشر بشرعية الحكم وحيادية المحكمة! تدرك ''لويز اربور'' هذه الحقيقة جيداً، فالقانونية الكندية من مواليد فبراير عام ''1947 في مونتريال''، كانت قد التحقت بدراسة القانون بعد أن أنهت دراسة الأدب وحصلت على درجته العلمية وهي في العشرين من عمرها، غير أن القانون هو المجال الذي قررت العمل فيه بعد أن أخذت شهادته عام ،1970 وبالفعل عملت في المحكمة الكندية العليا ككاتبة عدل في العامين 1971 و،1972 وخلال تلك الفترة أتمت دراستها العليا في القانون المدني في جامعة ''اوتاوا''، ليعترف بها في ''اونتيريو بار'' سلك القضاء عام ،1977 ولكنها فضلت العمل في مجال تدريس القانون منذ عام 1974 وحتى عام ·1987 شهد عام 1987 أول تحول في مجال عمل ''لويز اربور'' عندما تركت التدريس لتلتحق بالعمل في المحكمة العليا الكندية، وتشغل منصب نائبة الرئيس فيها، وفي عام 1990 عينت في المحكمة العليا للاستئناف في ''اونتاريو''، بينما شغلت في عام 1995 منصب رئيسة للتحقيقات في سجن النساء في ''كينجستون''، ولكنها بعد كل هذه الخدمة في كندا التي امتدت ربع قرن، التحقت ''لويز اربور'' عام 1996 للعمل في الأمم المتحدة كقاضية في المحكمة الدولية لجرائم الحرب في ''رواندا'' وانتهاكات حقوق الإنسان في ''يوغسلافيا'' السابقة، وخلال تلك الفترة انتجت ''لويز'' مؤلفاً حول ''منهجية الجريمة وحقوق الإنسان'' ومؤلفاً آخر حول القانون الجنائي، وكلاهما منشور بالإنجليزية والفرنسية اللتين تجيدهما· عادت لويز من جديد للعمل في كندا بعد أن عينت عام 1999 رئيسة المحكمة العليا، غير أنها عادت من جديد للعمل الدولي عندما رشحها الأمين العام للأمم المتحد ''كوفي عنان'' في العشرين من فبراير عام 2004 لتتولى منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان الذي كانت قد شغلته رئيسة ايرلندا السابقة ''ماري روبنسون'' حتى عام ،2002 ثم سلفها البرازيلي ''سيرجو دي ميلو'' الذي كان قد لقي حتفه وبعض موظفي الأمم المتحدة في بغداد بعد أقل من خمسة أشهر من احتلال الولايات المتحدة الأميركية العراق· فوضى قانونية طبع حب ''لويز اربور'' للأدب الذي درسته بداية حياتها العلمية على خطابها كمفوضة للأمم المتحدة فبدت صيغة رومانسية واضحة فيما يخص محاكمة صدام عندما اكتفت بالإشارة فيه لحقوق المحكوم عليهم بالاستئناف والعلاج، وغابت تماما اللغة الحازمة في بيان مؤسستها الصادر في إعقاب الحكم، وذلك على الرغم من تأكيد أغلب المؤسسات الدولية القانونية على عدم قانونية الحكم، فقد انتقدت منظمة العفو الدولية في لندن حكم الإعدام واعتبرت أن المحكمة ''غير منصفة'' وأن المحاكمة شابتها ''أخطاء جسيمة'' -كما ورد في بيان المنظمة، وأن المحاكمة التي يفترض أنها ستساهم في أقرار العدالة وحكم القانون العراقي كانت ''مملوءة بالأخطاء الجسيمة وغير منصفة''· بينما رفض قانونيون دوليون المحكمة وحكمها، فقد قال ''ليندرو ديسبوي'' مقرر الأمم المتحدة الخاص باستقلال القضاة والمحاميين إن السلطة القضائية الشخصية للمحكمة العراقية كانت محدودة لمحاكمة العراقيين، بينما لا يمكن فصل قضايا أخرى متعلقة بجرائم الحرب في العراق بأطراف أخرى غير عراقية، غير أن أكثر ما أخذه الخبير القانوني الدولي على المحكمة هو عدم شرعيتها وغياب مصداقية حكمها، خاصة وأنها مؤسسة تحت الاحتلال ومولت من الاحتلال، كما أن التأثير السلبي للوضع الأمني المتردي في العراق ترك أثره على القضاة والمحامين -قتل منهم ثلاثة- وبالتالي على السير الطبيعي لمجريات المحاكمة! وتبدو منطقية حجج الخبير القانوني والمسؤول الدولي ''ليندر'' لاسيما إذا أخذ في الاعتبار ما كانت ''هيومن رايتس ووتش'' -منظمة حقوق الإنسان- قد ذكرته في أحد تقاريرها موافقة الكونجرس الأمريكي على تخصيص 128 مليون دولار أمريكي للتحضير لملف اتهام صدام الذي يعده خبراء أميركيون عن كثب، الأمر الذي تراه المنظمة الدولية انتهاكاً صارخاً لحيادية المحكمة، وهو ما تؤكده مصادر رسمية كوزارة الخارجية الأميركية التي كانت قد أعلنت عام 2004 أن ''واشنطن'' تساعد في جمع أدلة يمكن أن تستخدمها المحكمة العراقية الخاصة التي تحاكم صدام''· قد يكون من الطبيعي جداً أن تتدخل الحكومة الأميركية في مساعدة العراقيين لتدعيم نظامهم القضائي لاسيما وأن قضية بهذا المستوى من التعقيد تحتاج لخبرات قد لا تتوافر في العراق، غير أن غياب الشفافية التي ظهرت منذ الجلسات الأولى للتحقيقات المنقولة تلفزيونياً للعالم دفعت لتأكيد عدم حيادية المحاكمة وتدخل الأميركيين فيها لاسيما وأن سلطات الاحتلال -التي كانت تدير العراق قبل الحكومة العراقية منعت -حسب منظمة حقوق الانسان- كل منظمات الأمم المتحدة من الاطلاع على تفاصيل المحاكمة، بحجة أنها تريد للعراقيين أن يقوموا بدورهم بالكامل! دراما سياسية قد يبدو منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان منصباً دبلوماسياً يحاول من يعتليه أن ينأى بنفسه عن الدخول في سراديب ودهاليز السياسة، غير أن النقد الحقوقي يبدو جلياً في هذه القضية، وهو ما اتفق عليه قانونيي العالم تقريباً عندما اجمعوا منذ اللحظات الأولى على وجود مخالفة قانونية واضحة في المحاكمة، وأن هيئة المحكمة يجب أن يعاد النظر فيها خاصة وأنها مشكلة من الخصم السياسي، كما أن القضاة كان يجب أن يعينوا من سلطة منتخبة، ويجب أن يكونوا خبراء قانونيين يتمتعون بالكفاءة، وأن التهم التي يجب أن يحاكم عليها صدام فيها إطراف أخرى متورطة، منهم غربيون يتمتعون بسلطات كبيرة في العراق، مما يدفع بأهمية نقل المحاكمة إلى منطقة محايدة كباقي المحاكمات الدولية المتعلقة بملفات بهذه الدرجة من التعقيد· هذا الوضوح لم تتطرق له المفوضة الدولية لحقوق الإنسان ''لويز اربور''، وعلى الرغم من وضوح التدخل السياسي الذي لا يمكن فصله عن القضية لاسيما بالتوقيت الغريب لنطق الحكم في الجلسة الحادي والأربعين قبل يومين فقط من انتخابات الكونجرس، إلا أن ''لويز'' قررت الصمت، وهو ما يجعلها حسب قانون البابلي ''حمورابي'' الذي من المفترض أنها حفظته في سنوات الدراسة الأولى للقانون متواطئة ''ساكتة'' على المؤامرة التي صيغت في منظمتها منذ اللحظات الأولى لضرب العراق، والذي يحكم فيه المشرع الأول بحرق المرأة وحانتها!! اتفقت أغلب الصحف العالمية في تحليلاتها بعد أقل عن أربع وعشرين ساعة على صور الصامتة التي نقلت جلسة التحقيق، وإلا فإن جلسات المحكمة كلها ستكون مشاهد مرئية بلا صوت، خاصة بعد أن قال الرئيس الأمريكي عندما سأله بعض الصحفيين عن رأيه في تعليق صدام عنه بأنه مجرم حرب، فأجاب، سيقول صدام ''كلاماً كثيراً''!!· وعلى الرغم من أن هذه التحذيرات ليست بالجديدة فيما يتعلق بملف محاكمة صدام الذي يعد الأكثر تعقيداً في الملفات التي تسلمتها الحكومة بعد تسليم السيادة للعراقيين في الثامن والعشرين من يونيو الماضي ،2004 إلا أنها تأكيد على صدق التكهنات التي اهتمت بالأمر منذ وقت طويل امتد إلى وقت اعتقال صدام حسين في ديسمبر العام ،2003 إلا أن المفوضة الخبيرة القانونية لم تشغل نفسها إلا بالقول ''فلنرى كيف ستسير الأمور''، هذا إضافة إلى نصيحتها الذهبية بمراقبة المحاكمة عن كثب· ولم لا، فالفيلم من نوع خاص يذكرنا بالأفلام الصامتة التي تجمع بين الدراما والكوميديا·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©