السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في مستهل عام هجري جديد

في مستهل عام هجري جديد
25 نوفمبر 2010 20:56
نحن في هذه الأيام نودع عامًا هجريًا، ونستعد لاستقبال عام هجري جديد، فما أحو جنا في مثل هذه الأيام، حينما تمر الأيام وتنقضي الشهور والأعوام، وحين تطوي عجلة الزمن عاماً كاملاً من حياتنا، تقتطعه من أعمارنا وتقرب به آجالنا، فأعمار أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- بين الستين والسبعين والقليل من يتجاوز، ما أحوجنا لأن نقف قليلاً على مفترق الطرق، لنحاسب أنفسنا على الماضي ولنستعرض ما قدمناه، فنستدرك ما فات ونتوب من العثرات، لقوله- صلى الله عليه وسلم- : (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) (أخرجه الترمذي)، كما ونحمد الله عز وجل على ما وفقنا إليه من صالح الأعمال، فالفضل كله لله سبحانه وتعالى وحده، أن هدانا إلى الطريق القويم والصراط المستقيم، (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) (سورة الأعراف الآية 43)، ثم نعقد العزم ونوطن النفس على أن نواجه العام الجديد، بقلوب مؤمنة ونيات صادقة ورغبة أكيدة في فعل الخير واتباع الحق وطاعة الله وتقواه. وجدير بنا ونحن نستقبل عاماً جديداً، ونودع عاماً قد انقضى بخيره وشره، أن ندعو الله? عز وجل أن يجعل هذا العام خيراً من سلفه، وأن يجعل خلفه خيراً منه، فما من يوم يبزغ فجره ويسطع ضوؤه، إلا ويناديك يا ابن آدم، أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنم مني بعمل الصالحات، فإني لا أعود إلى يوم القيامة، وما من ليل يُرخى سدوله وينشر سكونه، إلا ويناديك يا بن آدم، أنا ليل جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني بطاعة الرحمن وطلب الغفران، فإني لا أعود إلى يوم القيامة. ونحن هنا نتساءل: كم من إخوتنا وأحبائنا يقضون أوقاتهم في اللهو والغيبة والنميمة، ومشاهدة الأفلام الهابطة والمسلسلات الهدامة، أما آن لهم أن يعودوا إلى رشدهم، ويتوبوا إلى ربهم! أليسوا مأمورين باستغلال الوقت في طاعة الله، فالصلوات موزعة على خمسة أوقات، وكذلك الصوم، والحج، والزكاة، مقسمة على شهور السنة، ونحن مسؤولون عن أعمارنا، فلماذا نضيعها سدى هكذا؟! إنك إن طالبت أحدهم بالصلاة، قال: غداً أبلغ من الكبر عتيا، وأتوب وأصلي، ونسي قوله تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا) (سورة لقمان، الآية 34)، فأعمار الأمة الإسلامية ما بين الستين والسبعين والقليل من يتجاوز، فنحن مسؤولون عن أعمارنا: «وعن عمره فيم أفناه»(أخرجه الترمذي)، كما أننا مطالبون أفراداً وجماعات، ومؤسسات، أن نتقي الله في أعمارنا، وأن نعلن الصلح مع الله، وأن نكثر من أفعال الخير، وننأى بأنفسنا وأهلينا ومجتمعنا عن طريق الشر، عسى أن تدركنا رحمة الله. وما دمنا لا ندري متى سنموت، فيجب علينا طاعة الله وتنفيذ أوامره ورد الحقوق لأصحابها، من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال. إنَّ التاريخ لم يعرف أمَّة قدَّس دستورها الزمن كأمتنا الإسلامية، التي حدَّثها الله سبحانه وتعالى دائماً عن نفسه، وعن خلقه بكل دقة. ? لقد حدَّث الله عن خلق السموات والأرض، فقال: (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) (سورة هود ، الآية 7). ? وحدَّث عن أمره وإرادته، فذكر أن ذلك يتمُّ في غير زمان: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (سورة يس، الآية 82). ? وحدَّث عن علمه بالخلق وأحوالهم، فبيَّن أنَّ ذلك يتناول أدق الأمور: {اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ}(سورة الرعد، الآية 8). ? وحدَّث عن تسجيل أعمال الخلائق، فبيَّن أنَّ ذلك يشمل القليل والكثير: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا) (سورة الكهف، الآية 49). ? وحدَّث سبحانه عن حسابه للخلق، فذكر أن ذلك يتمُّ بميزان دقيق: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}(سورة الأنبياء، الآية 47). ومن المعلوم أنَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- قد اغتنم كل لحظة من حياته، وعلَّم أصحابه ذلك، فما مضى قرن من الزمان حتى رأينا الرايات الإسلامية ترفرف فوق مساحات شاسعة من قارات العالم بفضل الله أولاً، ثم بجهدهم وعملهم وإخلاصهم. إن الواجب علينا أن يراجع كل واحد منا أعماله خلال العام الماضي فإن وجد خيراً فليحمد الله، وإن وجد غير ذلك فعليه أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً، فالله سبحانه وتعالى فتح باب التوبة على مصراعيه لكل إنسان كي يعود إلى محراب الطاعة. إن التوبة كرم إلهي ومنحة من الله لعباده، عرفهم فيها كيفية الرجوع إليه إن بعدوا عنه، وكيفية التخلص من تبعات الذنوب إذا عصوه، كي يفروا إليه تائبين منيبين متطهرين. فما أكرمه من إله، وما أرحمه بخلقه وعباده، يجابه الناس ربهم بالفسوق والعصيان، ويخالفون دينه، ويأتون ما نهى عنه حتى إذا تابوا وأنابوا، قبل الله توبتهم وغفر سيئاتهم وأحبهم ورفع درجاتهم، (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (سورة البقرة الآية 222). ومن فضل الله على أمتنا الإسلامية أنه رحيم، وأن رحمته سبقت غضبه {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} (سورة الحجر الآية 49-50)، كما ووصف حبيبه محمداً -صلى الله عليه وسلم- بقوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (سورة الأحزاب الآية 45) فهو- صلى الله عليه وسلم- البشير قبل النذير، ومن المعلوم أنه- عليه الصلاة والسلام - كان يغتنم كل مناسبة لتبشير الناس وترغيبهم في عفو الله ورحمته، وإظهار فضله وكرمه كيف لا؟ وهو القائل: «بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا» (أخرجه الشيخان). أخي القارئ: إني أسوق إليك هذا الحديث الذي يطمئن النفوس بفضل الله وعفوه، وخيره وفضله وكرمه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال النبي- صلى الله عليه وسلم-، يقول الله عز وجل يوم القيامة: «يا آدم، يقول: لبيك ربنا وسعديك فينادي بصوت، إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف-أراه قال: تسعمائة وتسعة وتسعين، فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين، ومنكم واحد، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبرنا، ثم ثلث الجنة، فكبرنا، ثم شطر أهل الجنة فكبرنا»(أخرجه الإمام البخاري). قال الإمام القسطلاني رحمه الله، والظاهر أنه- صلى الله عليه وسلم- لما رجا من رحمة الله تعالى، أن تكون أمته نصف أهل الجنة أعطاه الله مارجاه، وزاد من فضله، وقد جاءت زيادة في حديث آخر : «أنتم ثلثا أهل الجنة» فزاده الله على الثلث حتى بلغت أمته ثلثي أهل الجنة، وفي ذلك فضل عظيم من الله سبحانه وتعالى، حيث خاطب حبيبه -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} (سورة الضحى الآية 5) ، وقد روي أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: إذاً لا أرضى وواحد من أمتي في النار. هكذا بشر الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- أصحابه، بعد أن بكوا واشتد عليهم الأمر، ووقعت منهم الكآبة، كما وبشر أمته برحمة الله بهم، حيث جعل نصيبهم في الجنة أكثر من غيرهم من الأمم، وهذا فضل من الله ونعمة. نسوق هذا الهدي النبوي لنبين للمسلمين وجوب العمل بالكتاب والسنة، والتحلي بالخلق الكريم والمعاملة الحسنة، وبعد ذلك رجاء رحمة الرحمن، لأن الأساس هو العمل، ومن ثم طلب الثواب من الله سبحانه وتعالى. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©