السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرقص على الدماء

الرقص على الدماء
25 نوفمبر 2010 20:56
أطلقت الزوجة الشابة صرخة مدوية شقت سكون الليل في هذا الوقت الهادئ بعد أن أشارت عقارب الساعة إلى ما بعد الثانية عشرة، وخلد السواد الأعظم من الناس إلى النوم إلا قليلا من الساهرين أمام أجهزة التلفاز والذين يعودون في أوقات متأخرة من أعمالهم، لكن صرختها كانت مثل انفجار مدو، استطاع أن يوقظ النائمين ويصل إلى مدى بعيد، وتوالت الصرخات بما ينم عن أمر جلل وحدث كبير لابد معه من سرعة اكتشاف الأمر الخطير الذي لا يمكن الانتظار معه، وشاهد الحاضرون المرأة وهي في كامل زينتها واثار مساحيق التجميل على وجهها وترتدي فستانا يؤكد أنها كانت في سهرة جميلة، راحت تضرب رأسها وتلطم خديها بكلتا يديها والدموع تنهمر سيلا والسبب أنها عثرت على زوجها مقتولا على فراشه، ذبحه المجرمون بلا رحمة ومزقوا جثته بالطعنات، تناثر دمه في أرجاء الغرفة بعدما اغرق الأغطية والمفروشات، المشهد يؤكد أن الجريمة انتقامية من بشاعتها وكثرة الطعنات التي تلقاها، الدماء قد تجلطت وأصبحت مرعبة فلم يجرؤ واحد من الحاضرين على الاقتراب، بل اخفى كل منهم عينيه بيديه من هول ما يرى ويستدير عائدا مهرولا. تم إبلاغ رجال الشرطة وفور حضورهم أخبرتهم الزوجة بما رأت بعد عودتها من الخارج مع أبنائها الأربعة، قالت: إن زوجي رجل طيب ليست له أي عداوات مع احد ولا خلافات من أي نوع، فهو حارس بسيط في إحدى الشركات الخاصة يقترب عمره من الخمسين، وقد تزوجنا منذ سبعة وعشرين عاما، انجبنا خلالها أربعة أبناء ولدين وبنتين، نقيم في منزل متواضع نمتلكه، مكون من طابق واحد، زوجي بحكم عمله يعود في الصباح ويتوجه إليه في المساء حيث يقضي الليل هناك في حراسة المكان، واليوم رجع كعادته في السابعة صباحا، أعددت له طعام الإفطار ثم الشاي، وخلد إلى النوم وقبلها استأذنته في الذهاب إلى حفل عرس ابنة خالي فاليوم عقد قرانها ولا يجب أن أكون مثل الغرباء واذهب في المساء فقط، بل من الواجب عليّ أن أشاركها فرحتها وأكون بجانبها من الصباح وطوال اليوم، فاصطحبت ابني وابنتي الصغيرين معي، واتفقت مع ابني وابنتي الكبيرين على أن يلحقا بي هناك بعد أن ينهي كل منهما عمله، وأغلقت باب المنزل في العاشرة صباحا وتوجهت إلى منزل خالي والد العروس، وساعدتها في كل ما احتاجت اليه ثم تزينت وارتديت ملابس السهرة، واستقبلت المدعوين، ورقصت وغنيت وأنا تملؤني السعادة والفرحة وبقيت حتى نهاية الحفل فأبنائي كلهم معي، وزوجي من المفترض ان يكون في هذا الوقت من الليل في عمله، إذن ليست هناك ضرورة لأن أعود إلى بيتي مبكرا، خاصة ان الحفل كان ممتعاً، وقد رقصت وغنيت كما لم أفعل في حياتي كلها من قبل، لكن كل ذلك انقلب في لحظة إلى هم وغم وحزن وألم، بعدما فقدت زوجي بهذه الطريقة البشعة، كل ذلك والمرأة تحاول أن تسيطر على الدموع التي تغالبها، وقد كانت أحيانا تخنقها وتكون أقوى منها وقد توقفها عن الكلام والاسترسال في الإدلاء بأقوالها. قام رجال المباحث بإخلاء المكان من الجميع ليبحثوا عن الأدلة ويدرسوا مسرح الجريمة للوصول إلى القاتل، كانت هناك أربعة اكواب فارغة بها بقايا شاي وقد يشير ذلك إلى أن القتيل استقبل ثلاثة أو أربعة أشخاص وانهم وراء مقتله، خاصة بعد أن اكدت الزوجة أنها قامت بتنظيف المنزل قبل خروجها وغسل جميع الأكواب والأواني، ولابد ان زوجها هو الذي اعد الشاي لزواره المجهولين، وعلى الفور تم ارسال الاكواب للفحص لرفع البصمات التي عليها للوصول إلى المجرمين، وفي نفس الوقت قام احد خبراء جرائم القتل بفحص الجثة واستطاع ان يتوصل إلى ان مرتكب الجريمة شخص واحد فقط، وليس اكثر من ذلك وان الجريمة حدثت في الثامنة صباحا ولم تقع في المساء ولا في آخر اليوم، وقد كانت الزوجة كما ذكرت هي بنفسها في البيت إذ قالت انها خرجت في العاشرة صباحا، وجاء تقرير المعمل الجنائي ليؤكد أن الأكواب الاربعة خالية من أي بصمات ولم يقترب احد منها وان كميات الشاي التي عثر عليها فيها ليست بقايا وإنما تم وضعها عمداً. من الخارج بدأت المعلومات تأتي سريعة لتؤكد أن المرأة كانت صادقة في كثير مما قالت وأنها بالفعل حضرت الحفل ولكن منذ الواحدة ظهرا وليس من العاشرة، إلا أنها رقصت وغنت ولم تبد عليها أي علامات ارتباك او تغير، وانها اصطحبت ابنها الأصغر معها والابنة الصغرى عادت من المدرسة في موعدها وكانت ايضا معها ولم يكن للقتيل علاقات من أي نوع، فهو في منطقتي عمله ومسكنه يكتفي بتبادل التحية مع من يعرفهم ويعرفونه، وهذه النوعية من الأشخاص تضع رجال المباحث في حيرة اكثر لأنهم لا يعرفون من أين يبدأون وتصعب مهمتهم في البحث والتحري. لابد من سماع أقوال الأبناء كنوع من الاستدلال، عسى أن تكون هناك كلمة بسيطة هينة تكون هي مفتاح الحل للغز الجريمة الغامضة وجاءت كلها بلا جدوى وبلا قيمة إلا هذا الصغير ابن العاشرة، الذي كان زائغ العينين حيران يبدو عليه الخوف والقلق أكثر من الحزن، بعد اربع وعشرين ساعة مؤلمة، مرت ثقيلة بطيئة، لم يستطع أن يراوغ أكثر مما حاولت امه وأقر بأنه شاهد الجريمة، وأن أمه وراء مقتل أبيه، فقد استيقظ في الصباح على صوت صرخته بعدما خرج اخوته الثلاثة، وتوجه إلى غرفته شاهده يصارع الموت وامه تمسك بالسكين وتنهال عليه بالطعنات والدم ينفجر مع كل طعنة حتى لفظ أنفاسه وسكنت جثته، ولم تكتف بذلك بل قامت بذبحه وهي تتنهد وتقول للصغير، لقد خلصتكم منه انه حاول ان يشعل النيران في المسكن ليحرقنا وضمت ابنها الذي استنكر فعلتها، فرفعت السكين في وجهه محذرة إياه بالذبح مثل أبيه اذا تفوه بكلمة واحدة عما رأى. كل هذا والمرأة تعتقد ان خطتها قد نجحت إلى أن تم عرض هذه الأقوال التي أدلى بها ابنها مسجلة بصوته سمعتها ولم تجد سبيلا للتهرب وتأكدت من انه لا مفر ولا مهرب من الاعترافات خاصة بعد فشل التمثيلية التي ألفتها واخرجتها وتبين ان الأكواب من صنعها لإيهام رجال المباحث وإبعاد الشبهات عنها، جلست هذه المرة تسبقها تنهيدة طويلة من الأعماق بلا دموع او أحاسيس على خلاف أحوالها عندما أدلت بأقوالها اول مرة. قالت: زوجي رجل مستكين يكتفي من كل شيء بالقليل لا يفكر في تحسين أحوالنا او البحث عن وسائل لانتشالنا من الفقر على عكس شخصيتي فأنا امرأة طموح متحركة لا احب الخنوع ورغم كل هذه السنوات التي تزيد على الربع قرن في حياتنا الزوجية فشلت في إصلاح أحواله كرهت فيه هذا الضعف والروتين اليومي الممل، وفقدت الأمل في التغيير ولم استطع ايضا أن أغير شخصيتي وإن كنت أتحمل مسؤولية البيت كاملة من الألف إلى الياء وقد ألقى بكل ذلك على عاتقي فاضطررت للتعامل مع الرجال بطبيعة ظروف الحياة حتى تعرفت على أحد الأشخاص على شاكلتي رأيت فيه كل ما افتقدته في زوجي اقترب مني حتى وقعنا في المحظور وكان يتردد عليّ في منزلي وحدث ما لم اكن أتوقعه فقد شاهده زوجي بأم عينيه منذ عامين لكنه تريث في التفكير كيف يتصرف ومن يومها اعتزلني لكن أخلاقه ساءت ومعاملته تغيرت يضربني ويوجه اليّ الإهانات وحسب قوله انه لم يستطع قتلي او التخلص مني خوفا من الفضيحة، خاصة على ابنائنا ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل بدأ يعيرني بسوء سلوكي ويلمح لهذه الخيانة لبعض اقاربي هنا شعرت بالخطر الحقيقي فأبنائي في صفي ولا يعرفون الحقيقة ويجب أن أحافظ على ذلك فاستشرتهم بأنني سأخلع أباهم ووافقوا على الفور لما يرونه من معاملة فظة قاسية لي لكنه طلب ان يحتفظ بالأولاد وهذا ما جعلني افكر في هذه الخطوة لأنني بذلك سأخسرهم وأخسر نفسي فاتخذت قراري بالتخلص منه. في صباح يوم الحادث عاد في موعده وطلبت منه أموالا للذهاب إلى حفل العرس فاتهمني بأنني سأذهب لمقابلة عشيقي ولأنه يشك في سلوكي رفض الذهاب إلى العرس من الأصل ورفض اعطائي النقود، وهنا جاءت لحظة الخلاص ذبحته وأنا أتوهم أنني تخلصت من الفضيحة ومن الهموم لكن بذلك ظهرت الفضيحة على رؤوس الأشهاد. اقتاد رجال الشرطة المرأة مقيدة اليدين إلى محبسها بينما كل من حولها يضرب كفا بكف ويتساءل كيف استطاعت بهذا الجبروت أن تغني وترقص وتسهر ويداها ملطختان بدم زوجها؟
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©