الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عريس تحت الصفر

عريس تحت الصفر
25 نوفمبر 2010 20:55
استطعت من خلال تعاطف أمي وأختي الكبرى ووقوفهما في صفي أن أقنع أبي واخوتي بهذه الخطوة الصعبة، التي كانت في حكم المستحيل وهي أن يوافقوا على خطبتي لزميلي ليكون الارتباط رسميا وتتحقق أمنياتنا على مهل، رغم الفوارق والموانع التي كانت بيننا، فالعامل المشترك الوحيد انه كان زميلي بالجامعة، وتخرجنا في كلية الهندسة، والتقت مشاعرنا، أنا من أسرة ثرية وأبي في موقع وظيفي مهم وأمي أيضا في وظيفة مرموقة، وبجانب ما نملك فإن عملهما يدر علينا دخلا كبيرا، ونقيم في حي راق وسط المدينة، ونمتلك عدة شقق وشاليهات في مدن ساحلية نقضي فيها رحلات الشتاء والصيف والعطلات، وإجازات نهاية الأسبوع، ولكل منا سيارته الخاصة، وقبل أن تنهي أختي الكبرى دراستها الجامعية وجدت من يطلب يدها ويرتبط بها وهو شاب من أسرة في نفس مستوانا، ورغم أن أختي لم تكن تعرفه من قبل فإنها وافقت عليه وقبلت الزواج منه، لانها ليست مرتبطة عاطفيا بأحد، كما كان مناسبا لها، وقد كانت الزيجة موفقة، وجاء الحب بينهما منذ بداية فترة التعارف في أيام الخطبة الاولى، وبعد الزواج كانا سعيدين مثل العشاق وأكثر وكذلك اخي ارتبط هو الآخر بفتاة من أسرة تربطنا بها علاقة صداقة من خلال النادي الذي نترد عليه وهي وحيدة ابيها رجل الأعمال وتعيش حياة الرفاهية وقد اشترى لها أبوها شقة خاصة باسمها واخي هو الآخر لديه شقة اشتراها له أبي في مكان هاديء بالمدن الجديدة، واتفق اخي وخطيبته على تأثيث الشقتين والتنقل بينهما كنوع من التغيير، بجانب ما نملك نحن واسرتها من شقق في مناطق أخرى تتيح لنا السياحة طوال العام. أما زميلي فهو بعيد عن هذا كله تماما فهو من أسرة متواضعة يعمل كل أفرادها بالزراعة، وهم لا يملكون من الأرض شبراً، بالكاد استطاع أن يكمل تعليمه ويلتحق بالجامعة، معتمدا على نفسه بالعمل في مهن وحرف متواضعة وبمساعدة بسيطة من أبيه، وشدني اليه انه رغم ذلك مقبل على الحياة بابتسامة لا تفارقه، لا يعرف اليأس ولا يترك له فرصة لينفذ اليه، مملوء بالحيوية والنشاط، يدفعه الطموح الكبير نحو أهدافه واحلامه التي يراها دائما في متناول يده، وفي طور التحول الى حقيقة، عزيز النفس لا يشعر أبدا بأنه أقل من الاثرياء أو ذوي الأملاك والوظائف المرموقة، جريء واثق من نفسه، صريح لا يخفي حقيقة حاله، وهذا كله جذبني اليه بقوة، اعجبت به في البداية، ثم تحول هذا الإعجاب الى حب ومشاعر متبادلة بيننا، لم اسمع منه ما اعتاده الناس من ان بيننا فوارق كبيرة وأنني في السماء وهو في الارض، بل كان يعاملني كأننا متكافئان ولم أتقمص دور التضحية من اجله والهبوط الى مستواه، ولم يذهب تفكيري إلى ما يتردد عن بنات الذوات اللاتي تزوجن من ابناء الفقراء ولم انظر إلى مستقبل العلاقة ونجاحها أو فشلها، وفي نفس الوقت لم يكن في الأمر غموض من ناحيتي ولا انسياق وراء الأحاسيس وإلغاء العقل والهروب من الواقع او تجاهله. كنت متأكدة ان في الأمر صعوبة وأنني سألقى رفضا له زوجا لي، فاستخدمت أسلحة الأنثى وأقواها ضعفها ودموعها وتسللت إلى عقل أمي ثم اختي وضربت على أوتار المشاعر والسعادة والحب وحسن الاختيار لرجل يحافظ عليّ ويخاف على حياتي ويحميني، ولم اعرض عليهما الأمر مباشرة إلا بعد أن تأكدت من انهما في صفي ويباركان هذه العلاقة ومن ثم كان دورهما هو الأهم في إقناع أبي واخوتي، الذين حكموا على الوضع من وجهة نظرهم ورفضوه جملة وتفصيلا ورأوا أن عدم التكافؤ كفيل وحده بإفشال هذه الزيجة، خاصة أن العريس لا يملك إلا الوعود، ويحتاج إلى فرصة طويلة المدى لتكوين نفسه وبدء الحياة الزوجية، لكن في النهاية استشعروا رغبتي وميلي اليه وانهم اذا استمروا في الرفض فقد يكون في هذا ظلم لي، خاصة أنني عرضت الأمر عليهم من دون أن أملي أي شروط أو اظهر التمسك الشديد به حتى لا يأخذهم العناد، وقد جاءت موافقتهم استناداً إلى أن الرجل أهم من المال. تمت الخطبة شفويا دون اتفاق على أي تفاصيل أو حديث عن المستقبل، لأنه لا مجال لذلك الآن، فتلك مجرد خطوة توثق علاقاتنا وتتيح لنا اللقاء أمام أسرتي وتحت عينيها، ويتم الزواج حين ميسرة، وان كان أبي يعتزم مساعدتنا لكنه لم يعرض هذا انتظارا لما سيراه من العريس وإلى أين سنصل بعد ذلك؟ بعد أقل من شهر من زفافها فوجئت بها أمامي، أنها صديقتي جاءت تزورني في منزل أبي، وبقدر ما سعدت بهذه الزيارة المفاجئة التي لم تكن في وقتها، بقدر ما استغربت، فهي مازالت عروسا في شهر العسل وليس لديها وقت للتزاور، لكنها كانت تزف إليّ خبرا سارا، أكاد أجزم انه اسعد خبر سمعته في حياتي، فزوجها الذي يعمل في أوروبا وجاء ليتزوجها ثم يطير بها إلى بلاد الفرنجة استطاع أن يدبر فرصة عمل لخطيبي هناك بأجر مجز، مديرا لمطعم كبير تمتلكه سيدة وابنتها، ورغم أن الوظيفة ليست من صميم دراسته، لكنه وافق بها كبداية وصولا إلى وظيفة افضل، أو تكون وسيلة للحصول على المال ثم يعود ويؤسس مشروعا خاصا به، وخلال أسابيع معدودة طار إلى هناك وودعته بدموعي وبقدر ما كنت أتذرع بالأمل، كنت امتلئ حزنا وألما لابتعاده عني كل هذه الأميال، لكن الآن فقط بدأت اشعر بالأمان في هذه العلاقة، فتلك الفرصة سيكون فيها حل المشكلة المستعصية في طريقي وإزاحة للعقبة التي تحول دون تحقيق احلامي انها انفراجة كبرى. شعرت بفراغ في حياتي بعد سفره، رغم أنني بين أهلي واسرتي وصديقاتي، لذا طلبت من أبي ان يبحث لي عن طريق علاقاته عن فرصة عمل، لأضرب عصفورين بحجر واحد، الأول قضاء وقت الفراغ وعدم الاستسلام للأفكار، والثاني لأتمكن من توفير بعض المال لمساعدة خطيبي في بناء عشنا، وكان لي ما أردت، ومن خلال عملي ظهرت لي صداقات جديدة، وتناهت الى مسامعي عبارات الاطراء والغزل والثناء على جمالي وحسن أخلاقي، عبارة قالها كثيرون لو لم اكن مرتبطة ما ترددوا لحظة في الارتباط بي، وهذا لم يغير رأيي ولا موقفي ولم يزحزح قناعتي بخطيبي، بل ربما يكون زادني تمسكا به، إلا ما كان يحز في نفسي أن اتصالاته بي شحيحة قليلة، نادرة تقتصر على الأعياد والمناسبات الرسمية، وبكلمات معدودة جافة فهمت منها أنه لا يريد أن يضيع بنسا واحدا في شيء لا يفيد، ويود ان يتمكن من ادخار كل ما يقع بين يديه من أجل الإسراع بتحقيق الحلم الكبير. بعد ثلاث سنوات متصلة، عاد في أول اجازة له، جاءني بهدايا عبارة عن «عينات» ولم التفت إلى قيمتها وإنما إلى معناها، وبحثت له عن ألف عذر لعل اهمها وفي مقدمتها أنه يدخر من أجل مستقبلنا ولا يميل إلى الإنفاق والإسراف فيما لا يفيد، قضى معنا عشرين يوما، التقى خلالها مرتين بأبي واخوتي، كانا لقاءين جافين، كأنما أصابه البرود من جو أوروبا وكأنه كان يعيش في المحيط المتجمد الشمالي، لم اسمع منه كلمة مما كان يقول من قبل، لم يتحدث عن آمالنا وأمنياتنا، لم يفتح مع ابي حواراً ولم يحدد موعدا لاتخاذ خطوة عملية في ارتباطنا، وبالتالي لم يفاتحه أحد في هذا حفاظا على كرامتي إلا أنني شعرت بتغير كبير في شخصيته، لم يعد هو ذاك الذي أحببته، حتى ان اخي الاصغر وصفه هذه المرة بأنه «عريس بلاستيك». وقالت اختي: يبدو أنه تم استبداله ، وجعلتني كثرة التعليقات التي كنت مقتنعة بها اقف مع نفسي لأجد ان كل ما قالوه صحيح، وتسرب القلق إليّ لأول مرة، توقفت عن الأعذار التي اختلقها دفاعا عنه حتى بيني وبين نفسي، فالحقيقة ان ما حدث لا أجد له وصفا إلا أنه انقلاب في حياته، وهذا الانقلاب لابد وان يطيح بي، يجب أن اعرف اين موقعي عنده الآن. واجهته بمخاوفي وشكوكي، فكان رده بأنها مجرد أوهام، وأنه يخطط لكي يأخذني معه لنتزوج ونقيم هناك بعد أن استقرت أحواله، وفي غضون عام سيتحقق ذلك، وبدلا من ان افرح بهذا، شعرت بالحزن والألم، ولم اصدقه، لذا اتصلت بصديقتي وطلبت منها - عن طريق زوجها - أن تكشف لي عن الجانب الخفي الغامض في هذه الرحلة وهذا التغير الكبير، وليتني ما فعلت، فقد جاءت الطامة الكبرى، وحدث ما لم احسب له حسابا ولم أتوقعه أبدا، لقد تزوج خطيبي من ابنة صاحبة المطعم الذي يعمل به بعد شهور قليلة من سفره، كانت المفاجأة قاسية أفقدتني التوازن، وقد مرضت بعدها ولازمت الفراش، وما خفف عني فقط أن أسرتي لم تلمني على اختياري، بل رأوا انه من الأفضل لي أن اكتشف حقيقته قبل فوات الأوان. رغم الجرح الغائر في قلبي وبعدما تماسكت اتصلت به لأواجهه بالحقيقة المرة واخبره بأنني علمت بفعلته الشنعاء، فرد بكل برود أيضا أنه فعل ذلك من أجلي، بحجة أنه تزوج من أجل الحصول على الإقامة، لكنه لا يحبها وأنه عند وعده لي وسيعود اليًّ، وانه سيحضر في الصيف القادم لإتمام عقد القران والزفاف ويصطحبني معه، لكنه نسى ان يشترط عليّ أنني سأعمل هناك لانه يجب ان التزم بالنظام والتقاليد المتعارف عليها عند أهل الغرب، بأن لكل واحد ذمته المالية وحياته المستقلة، وكانت تلك القشة التي قصمت ظهر البعير، وقضت على كل أمل لي فيه، وما لم أجد له تفسيرا انني مازلت احبه، وفي نفس الوقت لدي قناعة تامة بأنه ليس الرجل الذي أحببت ولا يصلح لي زوجاً، إنها مسألة معقدة متناقضة، ولست حائرة في اتخاذ القرار، ولا نادمة على ما فعلت ولا ما ضيعت من سنوات عمري وزهرة شبابي في انتظاره، فقد حسمت أمري ولن اقبله شريكا لحياتي، فقط أريد أن أتخلص من حبي له الذي لا أجد له وصفا إلا أنه حالة مرضية، لأنني أحب ذاك الرجل الذي عرفته قبل أن يتحول إلى كتلة من الجليد وتهبط درجة حرارته إلى ما تحت الصفر.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©