الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العجز المكتسب (1)

10 نوفمبر 2006 23:34
عندما رأيتها لأول مرة لم أكن أتوقع أنها تحمل كل هذا الألم في داخلها·· فقد كانت تأتي لطلب الاستشارة حول تربية الأبناء ولكن مع تكرار المقابلات توطدت الثقة بيننا وصارت تطلب المشورة لبعض مشاكل المحيطين بها أو تساعدهم على الحضور شخصياً وطرح مشاكلهم·· منذ اللحظات الأولى للتعامل معها كنت ألمس صفاء الروح وصدق العاطفة وتلك القدرة الفريدة على مشاطرة الآخرين أفراحهم أو محاولة تفريج أحزانهم ودائماً تكون مشاركتها فعالة لا تقف عند حدود الكلمات وأعتاب المجاملات الباردة· فوجئت بها ذات يوم وصوتها بالكاد يسمع والدموع في عينيها·· ذهلت ما لهذه القمة الشامخة؟ ما لهذه الغيمة المعطاءة؟ أتبكي؟ لماذا؟ ما الذي حدث؟ فإذا بها تشكو من سوء تعامل الزوج معها·· ربما تظنون أنه كان يضربها!·· كلا لا يمكنه فعل ذلك، فهو المثقف الواعي والحاصل على أعلى الشهادات ومن الطبيعي أن يرفض العنف ضد المرأة (الضرب) ويدينه، لكنه في الواقع يمارس أسوأ أنواعه (إذا صح القول) إنه العنف اللفظي، فلا يمر يوم دون إساءة أو تجريح أو إهانة أو تحقير وطبعاً يغلف كل ذلك بهدف سام وهو حثها على الالتزام بواجباتها الزوجية و ''خصوصاً الأولاد، فلابد أن تتفرغ لهم''، لكنه في ذات الوقت ينسى حقوقها ويلغي واجباتها، وبعد أن يلقي محاضرته اليومية يذهب للسهر مع أصدقائه أو لممارسة الرياضة أو للاطلاع على الجرائد والإنترنت·· ناسياً أنها هي من تحل مشاكل الأبناء التي لا يعلم عنها شيئاً، وانها من تعمل وتعود لتطبخ وتتابع الأبناء وتدرس هذا وتمسح جبين ذاك، توجه هذا وتقدم الدعم المعنوي لذاك، تعيش نمو أبنائها لحظة بلحظة·· نفساً بنفس·· نبضة بنبضة، وفي النهاية لا تسمع إلا اللوم والتقريع والكلام الذي قد يصل لحد الشتم والإهانة، ثم يمضي الزوج وكأنه لم يفعل شيئاً، فقد أملى تعليماته وانتهى الأمر· كلمات كثيرة·· ومعاناة كبيرة جعلت مشاعري تختلط وأنا أسمعها وأفكاري تتسارع لأستعيد الكلمات التي قالتها الأستاذة سميشة رياحة (رئيسة الجمعية المغربية لحقوق النساء) في الورشة التي أقامتها منذ فترة وجيزة في البحرين حول العنف ضد المرأة· حيث أوردت تعريف العنف حسب الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة بأنه ''أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية''· في كل مجتمع هناك عنف يحدث في إطار المجتمع يتعرض له الرجل والمرأة على حد سواء لكن عندما أخص المرأة بموضوع العنف ذلك لأنها قد تخضع لعنف مركب، أي من قبل المجتمع ومن قبل الرجل، وهذا العنف العائلي والأسري لم يعد موضوعاً يمس المرأة وحدها، فوجود العنف يعني أن هناك طرفين هما المعتدي والضحية، وكل منهما بحاجة لبرامج تدريبية أو علاجية تناسبه وتقلل من آثاره، وإلا فإن استمرار العنف سيحول الضحية الى معتد جديد على ضحايا آخرين، وغالباً ما يكونوا الأبناء، وستتكرر الحلقة فنجد أبناء عنيفين يمارسون عدوانهم على أقرانهم· وتتضح أهمية الموضوع عند العودة لبعض الإحصائيات (التي وردت في كتاب العنف العائلي (أليسا دلتافو) 1999م / دار المدى): * شهد عام 1994 أربعة ملايين واقعة عنف عائلي ضد المرأة· * 60% من حوادث قتل النساء تقع بسبب العنف العائلي· * 20% - 60% من النساء يتعرضن للضرب في الدول النامية· * مع كل دقيقة تمر ترتفع يد رجل خمس مرات لتضرب امرأة ضربة قد تكون في بعض الحالات قاتلة· ومن الملاحظ عموماً أن الإنسان الذي يتعرض للعنف الجسدي ربما يستفيد من الميزة الوحيدة لهذا العنف! وهي تكمن في الآثار التي يتركها (كدمات، جروح، حروق، كسور···) وبالتالي يحمل دليل الإدانة واضحاً على الجسد المتضرر·· لكن عندما يكون العنف لفظياً، تكون الإساءة مستترة، فتخرج الكلمة كالخنجر المسموم الذي ينغرس في وسط القلب ليبقى السم جارياً في العروق متسرباً لأعماق الروح وباعثاً على الألم مع كل تردد لصداها· هنا من يدري بهذا الجرح؟ من يستطيع أن يشفي سموم تراكمت لسنوات واحتملت بصمت وصبر؟ أسئلة كثيرة تستدعي الإجابة، ما الذي يجعل المرأة تحتمل وتصبر على العنف الجسدي والجنسي واللفظي؟ لماذا لا تصرخ عالياً وتثور ضد العنف الموجه إليها؟ وإن صرخت هل هناك من يسمع؟ هل من قانون يحميها؟ وقبل كل شيء هل تدرك المرأة أن من حقها المطالبة بإيقاف هذا العنف الموجه ضدها؟ وهل تدركه كعنف وإساءة لإنسانيتها؟ ويبقى التساؤل الأهم: لمن تلجأ كل من لديها صرخة استغاثة تريد بها كسر الصمت· عائشة النعيمي اخصائية اجتماعية مملكة البحرين
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©