الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

«الملالي» و«السلطان» يعطّشان أرض الـرافـدين

«الملالي» و«السلطان» يعطّشان أرض الـرافـدين
16 ديسمبر 2018 01:47

يسرى عادل (أبوظبي)

قبل أن تعصف به الحروب، وتطحنه، كان العراق من الدول الزراعية المهمة في المنطقة، وذلك لغنى أرضه بالمياه، إذ كان قطاع الزراعة يشكل جزءاً مهماً في الاقتصاد إلى وقت قريب. كما كان العراق حتى عقود قليلة بعيداً عن مخاطر الجفاف التي ضربت دولاً عديدة في المنطقة، بسبب مصادره المائية الغزيرة. لكن الوضع اليوم يبدو مختلفاً، إذ تشير تقارير رسمية إلى أن بلاد الرافدين مقبلة على أزمة جفاف، تصل إلى تحولها عام 2040 إلى أرض بلا أنهار.

تعطيش العراق
الجفاف الذي يهدد العراق ليس بفعل عوامل الطبيعة، كما يعتقد البعض، وإنما نتيجة ممارسات تقوم بها كل من الجارتين إيران وتركيا. وتكمن مشكلة العراق المائية في منابع أنهاره التي يقع معظمها خارج حدوده وتسيطر عليها بشكل رئيس الجارتان -تركيا وإيران- اللتان تسعيان إلى بناء سدود ضخمة استعداداً للأزمة العالمية المقبلة، والتي يمكن تسميتها بـ«حروب المياه»، لاسيما أن أكثر من 60% من السكان في العراق يعيشون على الزراعة، ما يعني تعرض الاقتصاد العراقي إلى آثار خطيرة. ولعل هذا الواقع هو ما دعا الحكومة إلى دق ناقوس الخطر، والتحذير من أن العراق سيفقد مصادره المائية بحلول عام 2040، نظراً لفقدانه نصف مياهه المتدفقة من خارج حدوده حتى الآن.
فبلاد الرافدين، التي ترتوي من نهري دجلة والفرات، تأثرت بقرارات اتخذتها مؤخراً السلطات التركية والإيرانية. فالأتراك حولوا المياه إلى سد إليسو، ما أدى إلى انخفاض حصة العراق من مياه دجلة إلى 50%. أما إيران، فحولت مسار العديد من الأنهار والجداول المائية التي تتدفق باتجاه العراق لتبقى داخل أراضيها. لكن قبل الدخول في كشف الممارسات الإيرانية والتركية، وآثارها المدمرة، لا بد من نظرة سريعة على أهم مصادر المياه في العراق.

أين تذهب مياه العراق؟
يعد نهرا دجلة والفرات من أهم المصادر المائية في العراق. وينبع دجلة من الأراضي التركية وتصب فيه فروع عديدة تغذيه بالمياه قبل أن يدخل الحدود العراقية وينحدر باتجاه الجنوب، حيث تصب فيه العديد من الأنهار الصغيرة، قبل أن ينتهي به المطاف ليصب في شط العرب، قاطعاً مسافة أكثر من 1700 كيلومتر، منها نحو أكثر من 1400 كيلومتر داخل الأراضي العراقية، والباقي في الحدود التركية. أما نهر الفرات، فينبع من الأراضي التركية أيضاً مروراً بمنطقة الجزيرة السورية، قبل أن يتصل بنهري الباليخ والخابور ليتجه نحو الأراضي العراقية ويدخل عند قرية حصيبة على بعد قليل من بلدة البوكمال.
ونظراً إلى أن نهري دجلة والفرات ينبعان من الأراضي التركية، وأن الكثير من الأنهار الأخرى تنبع من الأراضي الإيرانية، يمكن القول إن تقاسماً عادلاً للمياه بين كل من العراق وتركيا وإيران، هو السبيل الوحيد لاستمرار حصول العراق على حقوقه التي تكفلها المواثيق والأعراف الدولية من المياه المارة في أراضيه. فحسب مواثيق الأمم المتحدة، يمكن إجمال المبادئ التي تحكم نظم المياه الدولية بما يأتي:
- أولاً: إن الدول المتشاطئة لها حق السيادة إلى أبعد الحدود في استعمال جزء من النظام الدولي للمياه الذي يقع ضمن اختصاصها، على أن يتفق مع الحق المماثل لكل دولة متشاطئة مشتركة معها.
- ثانياً: إن الدول المتشاطئة مخولة في حصة من الاستعمال وفوائد نظام المياه الدولية على أساس عادل ومعقول.
- ثالثاً: تلزم الدول المتشاطئة التي تنوي تغيير نظام المياه الدولية الذي قد يؤثر في حقوق الدول المتشاطئة الأخرى، أن تعطي الفرصة الكافية للدولة الأخرى في الرفض. وإذا رفضت الدولة المتشاطئة الأخرى بالفعل، وأعربت عن رغبتها في الوصول إلى اتفاق أو حل سريع بالوسائل السلمية والمنصوص عليها في المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة، فعلى الدولة التي تنوي القيام بالتغيير أن تمتنع عن القيام بالعمل وتسمح بتبادل أي اتفاق معلق أو أي حل آخر.
كما يمكن إدراج أهم المبادئ الخاصة التي يمكن تطبيقها على الأنهار الدولية، وفق التالي:
1- مبدأ التوزيع العادل والمعقول للمياه.
2- مبدأ المساواة في حق استعمال المياه الدولية.
وفق هذه المبادئ، يعتقد أنه من غير القانوني أن تحبس دول المنبع المياه عن الدول الأخرى المتشاطئة للأنهار التي تنبع منها، وهو ما لم تلتزم به كلٌّ من إيران وتركيا على السواء. فبالنسبة إلى ممارسات إيران والسرقة الموصوفة للمياه العراقية، فقد بدأت عملياً بتحويل مجاري الأنهار منذ الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، خاصة في المنطقتين الوسطى والجنوبية من العراق، إذ يوجد 18 نهراً، أهمها نهر الوند الذي قامت الحكومة الإيرانية عام 1951، بشق قناة عليه «دون موافقة العراق» لإرواء الأراضي الواقعة بين مدينتي «قصر شيرين» و«خسروي» بالقرب من الحدود، حيث بلغ التدفق المائي فيها ما نسبته 60% من مياه نهر الوند.
ورغم احتجاج الحكومة العراقية آنذاك على الإجراءات الإيرانية استمرت إيران في مساعيها لتحويل مياه نهر الوند، كما قامت بسرقة مياه نهر كنجان جم الذي ينبع من مرتفعات «بشتكوه» الإيرانية ويجري باتجاه الجنوب الغربي نحو الأراضي العراقية على امتداد 20 كيلومتراً. ومن الأنهار العديدة التي تعرضت لسرقة مياهها أيضاً نهر وادي كنكير عند الحدود العراقية قرب قضاء مندلي، ونهر قره تو الذي يدخل الحدود العراقية عند قرية «طنكي حمام» ونهر دويريج الذي ينبع من المرتفعات الإيرانية، ويدخل الحدود العراقية ويصب في «هور المشرح»، ونهر كرخة الذي ينبع من المرتفعات الإيرانية، ويصب في «هور الحويزة» وأنهار أخرى، كنهر كارون وهركينة وغيرهما، إذ عمدت إيران إلى تحويلها وحرمت العراق من حقه الطبيعي من المياه، رغم الاحتجاجات العراقية المتكررة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ناهيك عن الممارسات الإيرانية المستمرة، في هذا الاتجاه، كقطع مياه نهر الزاب الصغير الذي يتجه إلى كردستان العراق العام الماضي، ما تسبب في أزمة في مياه الشرب، لاسيما في محافظة السليمانية.
ومع أن الإجراءات الإيرانية المتعسفة بحق العراق، أكثر من ذلك بكثير، فإنه يتبين مما سلف نيَّة طهران المبيتة ضد بغداد بشأن المياه منذ الخمسينيات والتي اشتدت في الستينيات من القرن الماضي، ولم تنقطع الإجراءات الإيرانية المنفردة بشأن قطع الروافد المائية الدولية التي تغذي نهر دجلة في الأراضي العراقية وما زالت، إلى يومنا هذا، في الحرب المائية الإيرانية غير المعلنة وغير القانونية والتي تعتبر انتهاكاً للقانون الدولي الخاص بالأنهار المشتركة.
وتتمثل الأضرار التي لحقت بالعراق جراء السياسات المائية الإيرانية المعادية في انخفاض التدفق المائي من روافد نهر دجلة التي تنبع من الأراضي الإيرانية بنسبة تتراوح بين 60 إلى 70%، ما أثر سلباً على المشاريع التنموية في العراق، وأدى لتقلص المساحات الزراعية في حوض نهر دجلة نتيجة نقص المياه، خاصة المساحات الزراعية القريبة من الحدود بين البلدين.

يسرقون الماء ويلقون بسمومهم
ولم تكتفِ طهران بسلب المياه العراقية، بل تجاوزت ذلك لتصرف المياه المالحة فيه، كواحدة من أسوأ السياسات المائية الإيرانية، ولعل شط العرب في محافظة البصرة من أبرز المناطق المتضررة جراء ذلك، إذ أدى انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات، وفتح السلطات الإيرانية مشروعاً لتصريف المياه المالحة إلى شط العرب من حدودها الشرقية مع البصرة، إلى ارتفاع معدلات الملوحة بما ينذر بتوقف محطة تحلية المياه في المدينة، ونفوق ملايين الأسماك والكائنات البحرية الأخرى، مقابل ظهور كائنات بحرية أخرى لم يسبق لها الظهور في مياه شط العرب، كقناديل البحر الآتية من مياه الخليج العربي.
كما أن طهران تقوم يومياً بتصريف كميات كبيرة من المياه المالحة نحو الشط خلافاً للاتفاقيات الدولية الموقعة حول ذلك، ما يدفع غالبية السكان لشراء المياه بتكلفة تصل إلى 50 ألف دينار لغرض الشرب والاستخدام اليومي. وقالت وزارة الموارد المائية العراقية، إن محافظة البصرة تعاني وضعاً مأساوياً بسبب ارتفاع ملوحة شطّ العرب، التي وصلت إلى نسب عالية تحول دون استمرار استخدامها في الشكل المعتاد. وأوضحت أن نسبة تركيز الأملاح في منطقة سيحان (الموقع التاريخي لمصب نهر الكارون في شط العرب)، وصلت إلى 25000 جزء في المليون مقارنة بـ2000 جزء في المليون في منطقة كتيبان في أعالي الشط، وهذا يعود لسببين أولهما ضخّ مياه شديدة الملوحة في هذه الفترة من السنة من الجانب الإيراني مثلما حصل في سنوات سابقة، وكذلك المدّ العالي الذي يدفع تلك المياه في اتجاه مركز مدينة البصرة.
وتشير أرقام عراقية رسمية إلى أن نسبة التلوث في مياه شط العرب وأنهار البصرة الأخرى تتجاوز 80% كما أثبتت ذلك التجارب المختبرية التي أجرتها حكومة البصرة المحلية، وهو ما يحتاج إلى 25 عاماً لمعالجته وفق خطط علمية. ويقول خبراء، إن هذه النسبة تهدد وجود الأحياء المائية التي ربما تنقرض نهائياً بعد سنوات إذا استمرت الحال على ما هي عليه، حيث تشهد مياه شط العرب نفوق آلاف الأسماك بشكل مستمر بسبب التلوث الذي يسببه النفط المتسرب من السفن المبحرة والراسية في موانئ المدينة، وزيادة نسب الملوحة في المياه، وهو ما أثر بشكل مباشر على الزراعة كذلك. ويؤكد مسؤولون محليون أن البصرة على وشك إعلانها «منطقة منكوبة» في مجال المياه لأن نسب الملوحة بلغت وضعاً يجعل المدينة غير قادرة على زراعة أي محاصيل أو تربية أي من الحيوانات، لاسيما في مناطق الفاو والسيبة وأبي الخصيب، جنوب شرق البصرة، حيث طغت مياه البحر المالحة على قناة شط العرب بسبب انخفاض مستوى المياه فيها.
ولم يقتصر قطع إيران للمياه على جنوب العراق فحسب، بل شمل أيضاً إقليم كردستان شمال البلاد، عندما قامت بتغيير مسار الأنهار المشتركة مع الإقليم إلى داخل أراضيها. فقد أقامت إيران مشروعين مائيين على نهر الزاب الصغير، ومشروعاً على نهر سيروان وآخر على نهر الوند، لتغير من خلال هذه المشاريع مسارات الأنهار الثلاثة المشتركة مع إقليم كردستان باتجاه عمق الأراضي الإيرانية.

سياسة الضغط والابتزاز
وأكد مدير الموارد المائية في بغداد خالد المعيني لـ«الاتحاد»، أن المفاوضات مع الجانب الإيراني كانت وما زالت مستمرة منذ أكثر من 50 عاماً حول الإطلاقات المائية والروافد التي تصب على نهر دجلة دون التوصل إلى أي نتائج، وقال في تصريحات لـ«الاتحاد»، إن الحدود العراقية كانت قبل اتفاقية عام 1975 تضم كامل شط العرب، والسفن البحرية الإيرانية كانت ترفع العلم العراقي عند دخولها المنطقة، لكن بعد الاتفاقية بدأت إيران تستحوذ على غالبية شط العرب، بل إنها الآن تعتبر الجزء الأكبر من شط العرب ضمن حدودها.
وأوضح المعيني أن 15% من الإطلاقات المائية نحو الأنهر في العراق من إيران، و50% من تركيا و5% من سوريا والباقي من داخل البلاد. وأشار إلى أن هناك 43 نهراً ومصباً نحو العراق من إيران، وأن المشاريع الإيرانية وتحويل مصبات الأنهر أفقدت العراق الكثير من الإيرادات باتجاه أراضيه. وقال إن إيران بدأت بإنشاء مشاريعها على أغلب الأنهر والروافد داخل أراضيها، وبذلك قلت الإطلاقات شيئاً فشيئاً نحو العراق. وتابع قائلاً: إن أي مشروع على أي رافد يصب باتجاه أي بلد يجب أن يكون بالاتفاق مع الحكومة المقابلة، لكن بالنسبة لإيران لم يجر أي اتفاق مع العراق منذ عام 1921 باستثناء اتفاقية واحدة عام 1946 كانت عبارة عن معاهدة صداقة كتب فيها «يتم التفاوض لاحقاً بشأن أزمة المياه»، وبعدها لم يجر أي اتفاق أو تفاوض.
وتؤكد الدراسات العراقية أن مياه الروافد من إيران لرفد نهر دجلة في العراق، لا تعدو كونها سوى تصاريف مائية ذات تراكيز عالية من الأملاح تسيء لإجمالي مياه النهر على طول المجرى وتسبب تملح التربة الزراعية نتيجة ريها بمياه مالحة، وأن هذه التراكيز العالية للأملاح في مياه نهر دجلة أثرت سلباً على أداء تقنيات الري الحديثة المعتمدة في بعض المناطق، خاصة أجهزة الرش والتنقيط، نتيجة انسدادها بالأملاح، مشيرة إلى أن تحويل روافد نهر دجلة على طول الحدود البالغة 1200 كيلومتر أدى لتصحر الأراضي الزراعية وخروجها من حيز الإنتاج الزراعي، وانعكس سلباً على تدفق المياه نحو الأهوار في جنوبي العراق وتحديداً هور الحويزة، وأدى لاختلال المناخ المناطقي وهبوب عواصف رملية أضرت بالمساحات الزراعية، وأن نقص إيرادات المياه نحو شط العرب أدى لاختلال العلامات الحدودية للمياه الإقليمية العراقية «خط الثالوك - خط العمق» مما أثر سلباً على الموانئ العراقية ومراسي السفن وزاد من مساحة المياه الإقليمية الإيرانية وعلى حساب العراق.

تنكر للاتفاقيات
وحسب الباحث والخبير بشؤون المياه في الشرق الأوسط صاحب الربيعي، وقبل العام 2003، كان لإيران الباع الطويل في حرف تدفق المياه باتجاه العراق، فقد عمدت الحكومة الإيرانية إلى إثارة جملة من الخلافات الحدودية مع الدولة العراقية ورفضت رسم الحدود البرية دون الوصول لاتفاق بشأن الحدود البحرية في شط العرب. وتوصل البلدان في عام 1975 إلى صيغة اتفاق مجحف بحق العراق لرسم الحدود البحرية في مياه شط العرب وفقاً لنظام الملاحة (خط العمق)، ولكن العراق نقض الاتفاق عام 1979 عشية انبثاق الثورة الإيرانية، وخاض البلدان حرباً استمرت 8 سنوات، ثم عادا إلى اتفاقية الجزائر للعام 1975.
ويؤكد الربيعي أنه يمكن إجمال الممارسات الإيرانية في تحويل مجاري الأنهار منذ الستينيات من القرن الماضي بتغير مسارات عدد منها، خاصة في المنطقتين الوسطى والجنوبية من العراق (هناك 18 نهراً أساسياً تصريفها المائي يبلغ 7 مليارات م3 تنبع من غرب إيران لتصب في الأراضي العراقية)، وباشرت بتحويل بعض الروافد الأخرى في المنطقة الشمالية من البلاد منها نهر الوند، حيث قامت الحكومة الإيرانية في العام 1951، بشق قناة من نهر الوند (دون موافقة العراق)، ونهر كنجان جم: ينبع من مرتفعات (بشتكوه) الإيرانية ويجري باتجاه الجنوب الغربي نحو الأراضي العراقية على امتداد 20 كم.
وتتفرع من الجانب الغربي من النهر (للنهر رافدان هما جزمان وسرخ) عدة قنوات وترع لري بساتين ومزارع ناحية (زرباطية) شرعت الحكومة الإيرانية في العام 1932 بشق قناة من نهر كنجان جم لري أراضي مهران. وبالإضافة إلى ذلك، أنشأت إيران سداً ترابياً في منتصف النهر وتم استغلال كامل مياه النهر، ومع الزمن أدى إلى جفاف النهر بالكامل. ويقول الربيعي إنه ونتيجة لتلك الإجراءات وما تبعها في شتاء عام 1961 من استخدام تعسفي للمياه في إيران عبر تحويل مسار النهر إلى قناة (ترعة غلام شاه)، برزت مشكلة شح المياه في ناحية زرباطية وأدى ذلك إلى هجرة قسم من سكانها وتدهور الأراضي الزراعية، وأدى إلى أضرار بالغة بالسكان ومزارع وبساتين زرباطية وما جاورها من قرى، الذين يتعرضون لخطر الموت عطشاً، الأمر الذي لا يتفق وعلاقات حُسن الجوار بين البلدين. وتلافياً لذلك، عمدت الحكومة العراقية في عام 1962 إلى مدِّ قناة من نهر دجلة لتعويض مزارع بدرة وجصان وزرباطية عما لحق بها من جفاف، جراء انقطاع جريان نهر كنجان جم باتجاه الأراضي العراقية، نتيجة الإجراءات الإيرانية التي لا تنم عن علاقات حُسن الجوار.

وكذلك من الروافد باتجاه العراق مياه نهر وادي كنكير ونهر قره تو ونهر دويريج ونهر كرخة، كما تم شق سبعة جداول في مقدمة السد لإرواء الأراضي الواقعة على جانبي نهر كرخة، أربعة منها كبيرة، وهي: الدهوري، والهرموني، وغضبان، والشاولي. ونهر علي، والزامل، والصرخة، وحاجي عباس. ومن أهم روافد نهر الكرخه داخل الحدود العراقية هي: نعمة، ونيسان، والسابلة، والكسرة، والخرابة، وعمود السيدية، وجميعها تصب في هور الحويزة، وتجف معظمها في فصل الصيف عدا رافد عمود السيدية. مع الإشارة إلى أن معظم تلك الروافد قد جفت مما أدى إلى أضرار بالغة بالأراضي الزراعية في العراق. ونهر هركينه: يعتبر النهر وروافده، الخط الحدودي الفاصل بين «بناوه سوته» و«هركينه» العراقية و«بايوه» و«باشماق» الإيرانية، حيث قامت إيران بشق عدة قنوات على النهر لسحب مياهه نحو الأراضي الإيرانية مما أدى إلى نقص بالمياه الواردة نحو الأراضي العراقية. ونهر زرين جوي الكبير: يروي الأراضي الواقعة على جانبي حدود البلدين لمسافة كيلومترين.
وأقامت إيران ثلاثة سدود على النهر، وهي: بايوه الذي يروي الأراضي الزراعية في ناحية بايوه. وسد «بالاجو» الذي يروي أراضي باشماق وسد «وسان» الذي يروي أراضي وسان الزراعية. وانقطعت المياه الواردة نحو الحدود العراقية بسبب التعسف في استخدام مياه النهر من قبل السلطات الإيرانية. ونهر كارون: ينبع من مرتفعات «بختياري» الإيرانية، ويصب في شط العرب عند ميناء «خرمشهر»، ومن أهم السدود المقامة على النهر هو «كارون 1» شمال شرقي مدينة «مسجد سليمان» بطاقة تخزينية قدرها 3 مليارات م3، وإنتاج طاقة كهرومائية تقدر بـ4100 مليون كيلووات ساعة في العام. أما سد «كارون 3» فيروي نحو 60 ألف هكتار ذات محطة كهرومائية بطاقة تصل لنحو 2000 ميغاوات، وعند إكمال كافة السدود المقررة على نهر كارون ستحول دون وصول مياهه إلى شط العرب.
ويقول الربيعي، إن بعض روافد نهر كارون تصب في الأراضي العراقية، وقامت إيران من خلال مشاريعها المائية على نهر كارون بتحويلها نحو الأراضي الإيرانية بزعم الاستفادة منها لتطوير المساحات المروية في غرب إيران. وأقامت إيران سلسلة من السدود وخزانات المياه الضخمة، على مجرى الأنهار‏? ?التي ?تنبع ?من ?أراضيها ?وتتدفق ?باتجاه ?العراق?، ?ما ?تسبب ?في ?انخفاض ?منسوب? ?المياه ?فيها ?بشكل ?حاد، ?وتأثير ?ذلك ?بشكل ?كبير ?على ?قطاع ?الزراعة ?والمواطن? ?البسيط، ?ويأتي هذا ?ضمن ?سياسات ?طهران ?تجاه ?العراق.
وذكرت بعض المصادر أن «انخفاض مناسيب المياه في سد دربندخان جنوب شرق‏? ?السليمانية، ?أوقف ?إنتاج ?الطاقة ?في ?محطتها ?الكهرومائية ?التي ?تولد ?نحو ?250 ?ميجاواط ?في ?اليوم، ?وتوقف ?تدفق ?المياه ?من ?بواباتها ?الثلاث ?التي ?كانت ?تطلق? ?120? ?متراً ?مكعباً ?من ?المياه ?في ?الثانية?«?. وأدت خطط إيران الهادفة إلى أكبر استغلال للمياه إلى تعريض شريحة كبيرة من العراقيين، ومناطق واسعة داخل البلاد، للضرر.
ويعتبر نهر الزاب الصغير واحداً من أهم الروافد المائية لنهر دجلة، وتعتبر ?مصدراً ?مهماً ?لمياه ?الشرب ?لعدد ?من ?سكان ?مناطق ?السليمانية? ?وكركوك، ?ويمتد ?لمسافة ?طولها ?402 ?كم ?داخل ?الأراضي ?العراقية. وفي هذا السياق قال ?مصدر مختص، إن «استمرار إيران ببناء السدود، ?وقيامها ?بقطع ?المياه ?عن ?العراق ?لتغذية ?سدوده، ?كارثة ?حقيقية ?تهدد ?العراق ?في? ?المستقبل، ?لكونها ?تتسبب ?بانخفاض ?منسوب ?المياه ?إلى ?مستوى ?كبير»?، ?مشيراً ?إلى? ?أن «?العراق ?يعاني ?أساساً ?من ?أزمة ?مياه ?كبيرة ?وخصوصاً ?في ?فصل ?الصيف، وتوقع أن «تقوم إيران بقطع المياه عن أنهر أخرى نتيجة‏? ?لاستمرارها ?بإنشاء ?مشاريع ?على ?منابع ?نهر ?دجلة»?، ?منبهاً ?إلى ?أن «?استمرار ?هذه? ?المشاريع ?ستكون ?لها ?نتائج ?ومردودات سلبية ?في الأعوام المقبلة.
ويمكن القول، إن الضغوط الإيرانية على العراق، واستغلال ورقة المياه ما هي إلا وسيلة ابتزاز إيرانية مكشوفة يحاول نظام طهران من خلالها، ليس تحقيق مكاسب مائية وحسب، وإنما أيضاً تحقيق أهداف سياسية مرسومة تهدف إلى التأثير بقوة على الحكومة العراقية الجديدة، وكسب المزيد من السيطرة والنفوذ، في وقت تشهد فيه الحكومة العراقية انفتاحاً على العالم، وتحسناً ملحوظاً في علاقاتها الإقليمية والدولية، بينما تشهد إيران تراجعاً في سمعتها أمام العالم، وتقهقراً واضحاً لنظامها في الداخل والخارج، بسبب سياساتها غير المنضبطة والعدائية ضد جيرانها، وأهدافها التوسعية في المنطقة.

تركيا تبتلع مياه العراق
وإذا كان هذا هو حال العراق مع إيران، فإن حاله مع تركيا جارته الشمالية، ليس بالأفضل، إذ تمعن أنقرة في استنزاف بل وقطع مياه نهر دجلة، شريان الحياة الأبرز في العراق، في مؤشر عن صراعات حول المياه تبدو وشيكة الوقوع، إذا ما أخذ بعين الاعتبار أن بلاد ما بين النهرين مقبلة على سنوات عجاف، بعد إعلان تركيا قطع مياه نهر دجلة عن سوريا والعراق لتعبئة سد إليسو، وهو أمر يشكل خطراً جدياً على العراق ويحرمه من مياه دجلة، أو كحد أدنى من شأنه أن يؤدي لنقصان ما يستحقه منها بشكل كبير، بمعدل يقرب من 21 مليار متر مكعب سنوياً إلى نحو 9 مليارات و700 مليون متر مكعب فقط. وهذا الواقع من شأنه، حرمان الكثير من المناطق العراقية التي تعتمد على مياه دجلة من مياه الشرب، ناهيك عن الآثار المدمرة على الزراعة، إذ سيؤدي ذلك إلى حرمان العراق من أكثر من 696 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى زيادة نسبة الملوحة والتلوث في نهر دجلة، وسيؤثر سلباً على عملية إنعاش الأهوار، كما سيؤدي إلى حرمان العراق بشكل شبه كامل من الاستفادة من المحطات الكهرومائية لتوليد الطاقة الكهربائية.

تاريخ حافل بتجاهل القوانين
وترى الكثير من الأبحاث الزراعية، والدراسات الحكومية العراقية، أن العراق في ظل هذه الممارسات الهادفة إلى سرقة مياهه، قد يكون أمام كارثة بيئية، وجفاف بسبب ما يمكن تسميته بحرب المياه التي تشنها تركيا ضده. ويتوقع المراقبون أن تبلغ خسائر العراق في مجمل القطاعات المتضررة من الجفاف وندرة المياه خلال العام الحالي أكثر من 10 مليارات دولار، نظراً للإفراط التركي في بناء السدود على مجرى نهر دجلة، مما أدى إلى خفض تدفق المياه في حوض الأنهار بنسبة 34 في المئة، وازدياد الجفاف.
وإذ تؤكد الحكومة التركية أن لديها خططاً لبناء أكثر من 22 سداً على طول مجرى نهري الفرات ودجلة، ومن بينها سد «إليسو» الذي انتهى العمل به مؤخراً، وبطاقة استيعابية تبلغ 10.4 بليونات متر مكعب، سيحتاج إلى مدة تتراوح ما بين سنة إلى ثلاث السنوات لملئه بالماء، حسب كميات الأمطار المتساقطة لتلك السنوات، فإن ذلك سيؤثر بالتأكيدٍ على حصة العراق المائية المقررة دولياً، خاصة أن أنقرة تخطط لبناء سدود جديدة، مثل سد «جزرة» القريب من الحدود التركية مع العراق، وهذا السد بموقعه القريب جداً من الحدود يبين النيّات المبيّتة للجانب التركي للإضرار بالعراق، خاصة أن هذا السدّ سيستهلك 40% من مياه دجلة، ويقضي على آخر أمل لحصول العراق على حصته المائية السنوية، التي تقرها القوانين الدولية الخاصة بتقاسم مياه الأنهار بين الدول، والتي تحظر على أي دولة الانتفاع بمياه الأنهار الدولية وحدها، وهناك اتفاق بين دول الحوض النهري المعني في هذا الشأن، وبحسب قرارات الأمم المتحدة الصادرة بموجب القانون الدولي، على أن الدول المتشاطئة على النهر الدولي تستطيع استعمال المياه طبقاً لحاجاتها شرط ألا يسبب هذا الاستعمال ضرراً للدول الأخرى المشتركة معها في هذا النهر.
?
سياسة التعطيش التركية
وكانت تركيا التي تمعن في إقامة السدود على طول مجرى نهر دجلة، قطعت مياه الفرات أو خفضت إطلاقات المياه إلى أدنى مستوى في عام 2015، من دون إعلام الحكومة العراقية، رغم احتجاج الحكومة العراقية آنذاك، علماً أن العراق كان قد عانى من موجة جفاف قاسية في عامي 2008 و2009، بسبب ندرة الأمطار، وسوء استعمال المياه في الري، وانخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، وهو ما حدا ببغداد إلى الطلب من الأمم المتحدة، عقد مؤتمر دولي خاص بأزمة المياه، في المنطقة.
وفي يونيو من العام الجاري، أظهرت مقاطع فيديو انخفاض منسوب مياه نهر دجلة في العراق بشكل غير مسبوق، لدرجة بات من الممكن معها عبور النهر سيراً على الأقدام.
وأعلن وزير الموارد المائية العراقي حسن الجنابي آنذاك، بدء الحكومة التركية ملء سد «إليسو» الذي أنشئ على نهر دجلة، وهو ما انعكس مباشرة على النهر في الجانب العراقي، مما أدى إلى انخفاض منسوب مياهه، علماً بأن بغداد طالبت الجانب التركي بضرورة تزويد العراق بخطة ملء هذا السد، على أن يتم الملء في السنوات ذات الوفرة المائية وليس في السنوات الشحيحة، كي لا يؤثر على الواردات المائية لنهر دجلة داخل العراق.
وسد إليسو كما هو معروف نفذ في أعالي حوض دجلة لري نحو 121000 هكتار من الأراضي الزراعية وتوليد الطاقة الكهرومائية، إلا أن ملء خزان سد إليسو سيتسبب في انخفاض تدفق المياه إلى دول المصب وهي العراق وسوريا، مما يخلق ظروفاً صعبة جداً، لاسيما أن المنطقة تشهد سنوات من الجفاف الشديد وظروفاً مناخية قاسية. هذا ناهيك عن أن إقامة هذا السد ستؤثر سلباً على توليد الطاقة الكهربائية وخزن المياه للأغراض المختلفة من السدود المقامة على نهر دجلة في العراق مثل سد الموصل والمشاريع المائية الأخرى المقامة على مجرى نهر دجلة داخل العراق، وتخفيض مستوى مناسيب النهر وزيادة مستويات عالية من المواد الملوثة من مياه الصرف الصحي ومياه الصرف الزراعي إلى مجرى النهر بدلاً من الجريان الطبيعي، ناهيك عن خطورة النتائج المترتبة على انهيار السد بسبب أي حادث أو عمل من أعمال الطبيعة، بما سيؤدي إلى كارثة إنسانية على حياة ملايين الناس الذين يعيشون على ضفاف مجرى النهر، فضلاً عن الأخطار الصحية على عامة الناس الذين يشربون مياه النهر ويتناولون الأسماك التي يتم صيدها في مجرى النهر.
ونقلت أنباء صحفية عن مدير مشروع سد الموصل رياض عز الدين قوله، إن كميات المياه المتدفقة من تركيا انخفضت بنسبة 50 في المئة. وأوضح أن مستويات المياه التخزينية في السد انخفضت إلى أكثر من 3 مليارات متر مكعب عن العام الماضي، الذي كان يصل إلى أكثر من 8 مليارات. وقالت وزارة الموارد المائية في العراق، إن بناء مرافق تخزين المياه من قبل كل من تركيا وإيران، إلى جانب هطول الأمطار غير المنتظمة، أدى إلى انخفاض مستوى المياه في الأنهار الرئيسة في العراق بنسبة 40 في المئة على الأقل. وتؤكد مصادر رسمية عراقية أن الانخفاض في تدفقات المياه إلى العراق أصبح مأساوياً، وأن متوسط ??التدفق السنوي في السنوات العشر الأخيرة يعادل 45% من المتوسط ??على المدى الطويل في حوض نهري دجلة والفرات، رغم تأكيدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس الوزراء العراقي السابق حيدر عبادي، في أكتوبر 2017، بأن أي ضرر لن يلحق بالعراق من مشاريع المياه التركية أو عندما تبدأ تركيا بملء سد إليسو، ويؤكد كل من نائب نقيب المهندسين العراقيين محمد فاضل، ومحمد العلي مدير عام في وزارة الموارد المائية أن الأعمال التركية قللت من نسبة المياه القادمة إلى العراق ما أدى إلى مخاوف من نقص كمية مياه نهر دجلة إلى نصف الكمية، بعد أن بدأت تركيا بتشغيل سد إليسو.? وقال فاضل لـ«الاتحاد»، إن عدداً من المدن الرئيسية ستتضرر من هذا السد، وهي: الموصل والسليمانية وبغداد والعمارة ومناطق البصرة في الجنوب. بالإضافة إلى المناطق الزراعية المحيطة بنهر دجلة في أقصى شمالي سوريا.

حروب المياه المقبلة
بحسب الكثير من الخبراء المائيين، فإن المنطقة قد تواجه حروباً من أجل الماء، كما كان القرن الماضي مسرحاً لحروب إقليمية وعالمية من أجل السيطرة على مصادر الطاقة، لاسيما النفط، وعليه يبدو السؤال المطروح في ظل الممارسات الإيرانية والتركية المقصودة لسرقة المياه العربية، هل تشرع هاتان الدولتان بأطماعهما في المنطقة الأبواب لصراعات جديدة، خاصة أن ما تقوم به هاتان الدولتان من شأنه أن يمثل تهديداً خطيراً على مختلف جوانب الحياة في العراق وسوريا؟ وما يزيد الأمر خطورة، أن كلاً من طهران وأنقرة تستخدمان ورقة المياه، في أجنداتهما السياسية، وتستعملان الماء كوسيلة للضغط.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©