الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

لـــيـبـيـــــا دولة تسقط وقفزة إلى المجهول

لـــيـبـيـــــا دولة تسقط وقفزة إلى المجهول
14 سبتمبر 2014 00:45
د. فارس الخطاب:تشكلت في ليبيا بعد إسقاط نظام حكم العقيد معمر القذافي، قوى عديدة، مسلحة وغير مسلحة تمثل في مجملها اتجاهات ليبرالية (وحركية إسلامية) ومناطقية، ولأن هذه القوى، خاصة الإسلامية منها لم تكن مهيأة، أو متهيئة، لاستلام مقاليد الأمور في البلاد، فإن القوى الليبرالية حاولت أن تأخذ زمام المبادأة لتجنيب البلاد حالة الفوضى التي سرعان ما عمت ليبيا بسبب تمكن المليشيات التابعة للقوى المتشددة والقبلية من إحكام سيطرتها الفعلية على الأرض مقوضة الأحلام التي حملها بعض القياديين الليبراليين والإسلاميين المعتدلين، وليفتحوا أبواب ليبيا على مصاريعها أمام سلسلة لامتناهية من الصراعات والاحتراب الذي بلغ ذروته خلال الفترة الحالية بما ينذر بسقوط «الدولة الليبية» وتعليق مستقبل شعبها على بوابة مصير مجهول. ومنذ العام 2012 وتسلم المؤتمر الوطني الليبي العام زمام الأمور في ليبيا، جرى تغيير رئيس الوزراء الليبي أربع مرات، كما شهدت المدن الليبية الرئيسة وبخاصة بنغازي وطرابلس وسرت، موجات من العنف والاغتيالات والاعتداءات على مقار دبلوماسية ومقار للجيش والشرطة، وكذلك عمليات اختطاف كثيرة لمسؤولين حكوميين وممثلي شركات ومصالح أجنبية، إضافة إلى تهديد أهم موارد ليبيا، من خلال محاولات لإيقاف عمليات تصدير النفط الليبي، وتوجت حالة الفوضى عندما شهدت العاصمة عملية انقضاض مسلح على مقر المؤتمر الوطني العام وإخراج نوابه من قبل مجاميع تمثل مليشيات متشددة تسعى لبسط كامل نفوذها على مؤسسات صنع القرار الرسمي والفعلي في الإدارات الحكومية الليبية. حركة اللواء حفتر إن الحالة المتردية التي شهدتها ليبيا منذ العام 2011 وحتى الآن دفعت شخصيات عسكرية وأخرى سياسية لأن تنبري معلنة رفضها الحالة العبثية التي تعم البلاد، ولعل أبرز هذه القوى تمثلت باللواء خليفة حفتر، والذي استطاع أن يجمع حوله مجموعة لا بأس بها من قادة وضباط الجيش الليبي السابق واستقطاب الكثير من الليبيين الذين أرهقتهم الحالة المزرية في جميع مفاصل الحياة وضياع هيبة الدولة بكل معانيها، فشكل منهم قوة عسكرية بدأت من معقل القوى الرافضة لتشكيل ليبيا، الدولة الحديثة، والشعب الآمن، وبدأ من بنغازي واصفا الميلشيا فيها بالمجموعات الإرهابية، وسرعان ما توسعت دائرة الصراع لتستنفر كافة القوى المتشددة في مواجهة قوات حفتر التي استطاعت بفترة وجيزة من كسب تأييد ليبي شعبي واسع أفضى إلى توافقات عالمية ترنو إلى قيام حكومة مركزية في طرابلس تقود البلاد إلى بر الأمان. قوات فجر ليبيا نتيجة التقدم الكبير والحشد الأكبر للقوى الليبية المعارضة لهيمنة المليشيات المتشددة على مقدرات الشارع الليبي، قامت هذه المليشيات بتحالف ضم ميليشيات درع ليبيا الوسطى، غرفة ثوار ليبيا في طرابلس وميليشيات مناطق مصراته وغريان والزاوية وصبراته وزلتين والزاوية ومسلاته و(معسكر 27) ومليشيا (الحرس الوطني)، والتي بدأت بالتحرك ضد قوات حفتر في بنغازي والعاصمة طرابلس توجته بالهجوم في 13 يوليو 2014 على مطار طرابلس العالمي وعدد من المعسكرات في المناطق المجاورة له، أطلقت هذه المليشيات على عملياتها اسم «فجر ليبيا»، واستطاعت في 24 أغسطس من احتلال المطار اثر انسحاب قوات الزنتان منه، ورأى العالم عبر شاشات التلفزيون حجم الدمار الهائل الذي لحق بالمطار، ثم وفي نفس اليوم بسطوا سيطرتهم على محطة التلفزيون ومرافق حيوية أخرى في العاصمة. لقد كان القتال في هذه العملية ضد كتائب يصفها المتشددون بأنها «غير مؤدلجة» ومن أهمها كتيبة القعقاع وكتيبة الصواعق وكتيبة المدني وكتيبة حماية المطار وميليشيا من ورشفانة بالإضافة إلى قوة عسكرية من أحياء طرابلس مثل فشلوم وبوسليم وحي الأكواخ، ويختصر بعض المتابعين للشأن الليبي الصدام العنيف الأخير في ليبيا بأنه بين جماعات مسلحة محسوبة على مدينة الزنتان (170 كلم جنوب غرب طرابلس)، وأخرى محسوبة على مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) متحالفة مع مجموعات مسلحة محسوبة على تيارات الإسلام السياسي، منها جماعة «الإخوان المسلمين» وما يوصف بالتنظيمات الجهادية المتشددة. مواقف تجاه «فجر ليبيا»: ورفض الشارع الليبي وبخاصة في طرابلس العاصمة وكذلك الحكومة الليبية ومجلس النواب المنتخب حديثا، جماعة «فجر ليبيا»، رغم انحياز بعض أعضاء المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايتهم مثل رئيس المؤتمر نوري أبو سهمين والمفتي الصادق الغرياني، وفي 25 أغسطس، أي بعد يوم واحد من سيطرتهم على المطار، أدان مجلس النواب الليبي المنتخب في بيان له أعمال الحرب والإرهاب التي تشنها الجماعات المهاجمة لمدينة طرابلس والمحاربة في مدينة بنغازي، مؤكدا على أنه سيسعى بكل ما في وسعه من جهد وإمكانات لإنهاء هذه الحرب بأسرع وقت ممكن. كما أعلن المجلس كلا من جماعة «فجر ليبيا» وجماعة «أنصار الشريعة» (جماعات إرهابية خارجة عن القانون ومحاربة لشرعية الدولة)، ثم أصدر مجلس الأمن الدولي قراره بالرقم 2174 بموافقة جميع أعضائه على قرار بوقف فوري لإطلاق النار في ليبيا، وقيام مؤسّسات الدولة بمهامها والدخول في حوار سياسي شامل. الموقف الأميركي والموقف العربي لم توضح واشنطن علناً وبشكل قاطع موقفها من الفصائل المتحاربة في ليبيا، وأكدت السفيرة الأميركية لدى ليبيا ديبورا جونز «أن واشنطن ستستمع إلى جميع الأطراف الليبية، ولكنّها ستعترف فقط بمجلس النواب المنتخب ديمقراطيًا»، نافية أن يعني ذلك موافقة أميركا على كل قرارات المجلس، مثل إعلان المجلس مؤخرا جماعات «فجر ليبيا» و»تنظيم أنصار الشريعة» جماعات إرهابية!!. واعتبرت جونز في تصريحات لصحيفة «تايمز أوف مالطا» من مقر السفارة الأميركية بمالطا» أن محاولة الميليشيات ذات التوجه الإسلامي السيطرة على المطار وإعادة انعقاد المؤتمر محاولات لكسب نفوذ قبل البدء بأي محادثات». وهو ما يمكن تفسيره بتأن أميركي قبل إطلاق الموقف من الخصوم المتحاربين على النفوذ في طرابلس، وحتى بعد ورود أنباء عن اقتحام جماعات من «فجر ليبيا» لمقر السفارة الأميركية بطرابلس واحتلالها، نفت جونز هذه الأنباء وقالت إن السفارة محمية. عربيا، اهتمت دول عربية عديدة بما يجري في ليبيا، خاصة دول الجوار الليبي التي تتحسب بدرجات جدية وكبيرة بتداعيات المشهد الأمني هناك وتسعى لإيجاد حلول لإخراجه منه وكذلك رسم الخطط واتخاذ التدابير الممكنة للحد من الأخطار الإرهابية المحتملة، وقد عقدت خمس دول جارة لليبيا وهي «مصر والجزائر وتونس والسودان وتشاد إضافة إلى ليبيا» أكثر من اجتماع برعاية جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، كما اهتمت بعض دول الخليج العربي بما يجري في طرابلس كل بحسب رؤيته وتوجهات سياسته الخارجية. حلول دون ضمانات تسعى الدول العربية أولاً للتدخل السياسي من أجل إنهاء الصراعات المسلحة في ليبيا، كما تسعى أكثر الدول العربية حقيقة لمنع التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا لكن دون إغفال سيناريو حيوي يجري بحثه باستفاضة يتعلق بآليات ووسائل ردع الجماعات الإرهابية عن طريق تجفيف مصادر ومنابع الإرهاب من خلال تأمين حدود ليبيا مع دول الجوار وغلقها بإحكام إضافة لبحث إمكانية تدخل عربي عسكري مخول من جامعة الدول العربية لفرض الأمن في المدن الليبية الرئيسية، كما حدث في لبنان (قوات الردع العربية) في ثمانينات القرن الماضي. أما على الأرض فلا حلول فعلية في الأفق، ونحن أمام تشكيلات تستخدم اسم ليبيا لتبرير حضورها وعملياتها العسكرية أو الإرهابية، فقوات «فجر ليبيا» تعتبر قوات عملية «كرامة ليبيا»، التي يقودها اللواء خليفة حفتر قوات «انقلبت عسكريا على السلطة»، بينما يعتبر حفتر عناصر «فجر ليبيا»، قوى إرهابية متطرفة، وهناك جيش الكرامة ومجلس شورى الثوار وقسورة، والكرامة، وادخلوها من الباب. . الخ، وكل هذه القوى ترمي بعضها بعضا بالشرعية وعدم الشرعية، مما أدى إلى تقهقر الشرعية الانتخابية في المشهد السياسي والرسمي للبلاد وهو ما يمكن تسميته بامتياز «ملامح للدولة الفاشلة»، وقد ساهمت النخب الليبية في فتح أبواب النفوذ لقوى غير رسمية للتناحر وتحترب فيما بينها فيما يعد المجتمع الليبي أقل المجتمعات العربية في شمال إفريقيا من حيث التنوع الطائفي والعرقي. إن الصورة التي لا يمكن تجاهلها، ومعالجتها، على الأقل في المشهد المنظور للصورة الليبية أن لا مخرج ممكنا للحالة المتردية في ليبيا في ظل غياب مؤسستي الجيش والشرطة المركزيتين في النفوذ وفي امتلاك السلاح وسلطة استخدامه، وفي ظل التواجد المشرعن لمليشيات وقوى متشددة وقبلية تتقاطع ومفهوم الدولة المدنية الحديثة، وأخيرا، في ظل غياب قائد قوي قادر على جمع الليبيين على قلب رجل واحد لوضع حد ولو بالقوة المسلحة وبمساعدة عربية ودولية سياسية واقتصادية لنمو وانتشار المليشيات المسلحة التي وجدت مناطق نفوذ لأسباب أيديولوجية كالإخوان المسلمين أو مناطقية وغيرها. وبهذا الوصف لا يوجد حاليا في ليبيا رجل يمتلك مواصفات قيادية قادرة على إخراج ليبيا من مستنقع الفتنة الكبرى، ويحيط به جمع كبير من العسكريين والليبراليين وقادة الرأي من المثقفين والأكاديميين، ويحظى بقبول عربي ودولي، إلا اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، وينبغي أن تساهم الدول العربية عن طريق جامعة الدول العربية في دعم هذا الرجل على أن يتعهد رسميا وشعبيا بإجراء الانتخابات النيابية بعد فترة من السيطرة على مقاليد الأمور في هذا البلد وبسط سيطرة الدولة وإعادة هيبتها وإزالة كل آثار التسلح غير الحكومي فيها وإعادة الحياة المدنية والرفاهية المنشودة للشعب الليبي، وبصراحة مطلقة فإن أي خيار آخر سيعني استمرار التيار المسلح في دفع ليبيا إلى غياهب المجهول وسيتم القضاء تماما على أصحاب التيار الليبرالي. ويدعم هذا الرأي أن الحكومات المتتالية في ليبيا فشلت كلها في استيعاب المليشيات المسلحة في مؤسسات الدولة، كما فشلت في فرض إرادتها عليهم، وهو ما أفضى إلى الفلتان الأمني وفقدان هيبة الدولة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©