الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

بين "في القصاص حياة" و"فِي المعارف حياة" تتوالد الحكاية

بين "في القصاص حياة" و"فِي المعارف حياة" تتوالد الحكاية
15 ديسمبر 2018 00:30

تمحورت قصيدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حول عنوانها: «فراسة وفروسية»، فالأولى مهارة امتطاء العقل والثانية مهارة امتطاء الخيل، والرأي الشعري ودلالته قائمان على التفرس، وطريدته صيد الدلالة، أو القصيدة السباقة إلى الجمال، وعلى حد تعبيره:
تملك الخيل وجدي في هواها سليب
‏والقنص والقصايد في وصوف الجمال
‏تقدم القصيدة بذلك نموذجاً للفهم الشعري، واختيار سموه لفظ الدلالة حكيم؛ لأن الدلالة أعلى من المعنى، القبض عليها يستحال كقبضة الماء، والشيخ محمد بن راشد هنا يؤسس شعرية انزياح الدلالة بدل يقين المعنى وثباته:
وإنْ قـبضته شـعاعه وصرت أحسه قريب
‏فر بين الأصابع واختفى فـي الظلال
وبذلك ففي اليقين هلاك الشعر، لأن الدلالة كما تتجلى في قصيدة «فراسة وفروسية» تكمن في الأعماق، كلؤلؤة الأعشى، والبحث عنها مستمر دون الوصول إليها، دلالة ممتزجة بالواقع والذات ومنبعثة من الماضي، ومن الأسئلة الصعبة:
ساري وسـط ظـلما مـثل طـيف غـريب
‏مـتـعـب خــيـل تـفـكيري أطــارد ســؤال
تمثل قاعدة ‏«السهل الممتنع» عند الشيخ محمد بن راشد قاعدة ذهبية، ليس في قصيدة «فراسة وفروسية» فحسب بل في العمل الحكومي وموازين القيادة لديه، ذلك لأن الشفافية القائمة على الوضوح والفرادة العصية على الصيد بعفوية أساس قوي تنطلق منها الرؤية المتفردة، شفافية وخفة عنصران من الشعرية الثرية لديه:
شف حتى تظنه فـي يمينك نصيب
‏وخف حتى تظنه ذايب في زلال
لم تكن قصيدة «فراسة وفروسية» منقطعة عن واقعها، فمثلما المعنى الشعري يقوم على ثنائية الخفة والشفافية، فإن الواقع أيضاً يقوم على الصراع بين الخير والشر، لكن الخير هو مبدأ أصيل لديه، ومن أجله يناضل:
بين شر وخير فــي الصراع الرهيب
‏نجعل الخير مبدانا وفيه النضال
يتأمل الشيخ محمد بن راشد في القصيدة تراث الحكمة المتجسد في الخطيب قس بن ساعدة الإيادي، حكيم العرب قبل الإسلام، الذي أوصله الطواف الدنيوي إلى فلسفة تعلي من شأن الفناء، لكن الشيخ محمد بن راشد يعلي من قدر الخلود واستئناف الحضارة:
واكتبي من حروف ماوعاها خطيب
‏لـو (ل قس الإيادي) لي به ضرب المثال
‏وبين «فِي القصاص حياة» و«في المعارف حياة» تتولد حكاية أخرى، وتناص دالّ، فالمعرفة أبقى والحياة أكثر ما تتجلى وتتدفق عندما تتمسك بالمعارف، هنا إعلاء لقيمة العقل، ومن يتمسك بالعلم يجمع الجلال والجمال:
وفي الـمعارف حـيـاةٍ ربها مــا يـخيبْ
‏تَـكْسيْ الـعلمْ وأهـلهْ من صفاتْ الجَلالْ

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©