الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاستخبارات و«تكنولوجيا الاتصالات»... «ودّ» لا ينقطع

25 أغسطس 2013 22:31
لو أن القانون فرض على كل مواطن أميركي أن يحمل في جيبه جهازاً إلكترونياً يسمح بتعقبه، لكان هذا القانون من دون شك باطلاً ومخالفاً للدستور. إلا أن الحقيقة القائمة هي أننا نحمل مثل هذا الجهاز بالفعل عندما نضع الهاتف النقّال «الموبايل» في جيوبنا. وإذا كانت «وكالة الأمن الوطني» تريد منا أن نخبرها عن أي إنسان نعقد معه صداقة جديدة، فإن الأمة تثور بأجمعها. إلا أننا نقوم بذلك بالفعل على صفحات «الفيسبوك» وبمحض إرادتنا. ولو طلب منا «مكتب التحقيقات الفيدرالي» أن نرسل له صورة طبق الأصل «فوتوكوبي» عن كل مكالماتنا ومراسلاتنا، سيكون الأمر مدعاة للسخرية. إلا أننا في واقع الأمر نقدم له نسخاً موثقة عن محتوى رسائل بريدنا الإلكتروني عبر محركات البحث والخوادم الإلكترونية التابعة لشركات متخصصة مثل «جوجل» و«مايكروسوفت»، أو عندما نتبادل الرسائل النصّية عن طريق شركات الاتصالات الكبرى مثل «فيريزون» و«إيه تي أند تي» و«سبرينت»، كما أننا نقدم كل يوم العديد من النسخ الأخرى لرسائلنا عبر مواقع شبكات التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل «تويتر» و«فيسبوك» و«لينكد إن» أو بقية المواقع الأخرى المتخصصة باستضافة وتناقل رسائلنا وتعليقاتنا ومقالاتنا. وعلى أن النموذج الأولي للإنترنت مبني على أساس القدرة الهائلة على المراقبة، وأصبحت كافة الوكالات الاستخباراتية الحكومية المتخصصة بجمع البيانات عندنا مدمنة على تسجيل رسائلنا ومكالماتنا وتفحّصها. وإن لمن الواضح أن فهمنا للسبب الذي جعلنا نصل إلى هذه الحال يُعدّ شرطاً أساسياً للبحث في أساليب علاج الضرر. وتتمثل الوظيفة الأساسية للحواسيب والشبكات الاتصالية بإنتاج البيانات ومعالجتها. ويتيح أسلوبنا في التعامل والتفاعل مع هذه الأدوات لشركات الاتصالات وبعض المؤسسات الأخرى الفرصة لجمع كمّ هائل من بياناتنا ومعلوماتنا الشخصية عندما نمارس حياتنا اليومية العادية. ونحن نساهم بأنفسنا أحياناً في إنتاج البيانات الشخصية الخاصة بنا من خلال استخدام بطاقات الائتمان البنكية وبعض الأجهزة الإلكترونية الأخرى. وفي أحيان أخرى نقع تحت إغراء عروض الخدمات المجانية الكثيرة التي تنهال على حواسيبنا مقابل إفشاء بعض أسرارنا. وجنباً إلى جنب مع هذه الظواهر المقلقة، تنهمك «وكالة الأمن الوطني» بدورها في عملها الذي لا يتوقف للتجسس على كل إنسان. ولقد وجدت مؤخراً أن من الأسهل لها أن تجمع كافة البيانات الفردية من الشركات المتخصصة بتكنولوجيا الاتصالات بدلاً من القيام بهذه المهمة بنفسها. وفي بعض الحالات، تطلب الوكالة هذه البيانات بطريقة رسمية وبأسلوب مهذب، وفي حالات أخرى، تضطر لاستخدام أسلوب التهديد والوعيد للحصول على ما تريد. وتتمثل نتيجة هذه العلاقات المتشابكة ببروز نوع من «الشراكة الحكومية- المؤسساتية للمراقبة» تسمح لوكالات الاستخبارات وشركات الاتصالات بالتعاون فيما بينها بطرق لا بديل لها ولا بد منها. ويُطبّق في الولايات المتحدة نوعان من القوانين في مجال الاتصالات والمراقبة، كل منها مُصمم بحيث يقيّد مفعول الآخر وهما: «القانون الدستوري» الذي يفرض على الحكومة حدوداً لا يمكن تجاوزها، و«القانون التنظيمي» الذي يفرض الحدود على الشركات. وقديماً، كان يتم تطبيق هذين القانونين على نحو منفصل لا يؤدي إلى حدوث تصادم بين الأطراف، ولكن الأمر يختلف اليوم حيث تعلّم كل طرف كيف يستغل القانون المتعلق بالطرف الآخر للتخلّص من القيود المفروضة عليه. ونسوق هنا مثالاً عن ذلك. وحيث يبدو من المعقول أن تعمد حكومتنا لتحذير شركات تكنولوجيا الاتصالات من الاستخدام غير القانوني لمعلوماتنا الشخصية. ولكن إذا استخدمت الحكومة هذه البيانات ذاتها لأهداف المراقبة والتجسس، فستجد أمامها حافزاً يكفي لإجهاض مفعول أي قانون يمنعها من ذلك عن طريق التعاون مع الشركات. وتجدر الإشارة إلى أن المسؤولين المنتخبين في حكومتنا يتمتعون بالتأييد والتمويل من تلك الشركات وبما يؤسس لعلاقة بالغة التشابك بين شركات تكنولوجيا الاتصالات ومشرّعي القوانين ووكالات الاستخبارات. والسؤال المهم هنا هو: من الخاسر في هذه المعادلة؟ والجواب هو: نحن الناس العاديون الذين تُركنا من دون أن يقف بجانبنا أحد، ومن دون أن يهتم أحد بمصالحنا. ومن الواضح أن حكومتنا المنتخبة والتي يجدر بها أن تكون مسؤولة عنا، لاتهتم بنا. وكان من نتيجة ذلك أننا فقدنا خصوصياتنا الشخصية. وهذا يمثل بحدّ ذاته خطراً كبيراً على مفاهيم الديموقراطية والحرية التي ننادي بها. وربما يتبادر إلى الأذهان جواب بسيط آخر لسؤالنا السابق يفيد بأن من يستحق اللوم على بلوغنا هذه الحال هو نحن المستهلكين الذين ينبغي علينا التوقف عن استخدام الهاتف النقال وبطاقة الائتمان البنكية والإنترنت إن كنا نريد بالفعل ألا نكون تحت الرقابة. إلا أن مثل هذا الموقف يتغافل عن أهم الحقائق والوقائع التي تميّز عالمنا الحديث. ولقد بات كل نشاط نقوم به يرتبط بالحواسيب حتى لو لم نكن نستخدمها أو لو رفضنا استخدامها بشكل مباشر. ويضاف إلى ذلك أن الحواسيب بطبيعتها تتضمن أنظمة تعقّب البيانات. ولا يمكننا أن نعود إلى عالم مضى وقته لا تُستخدم فيه الحواسيب والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. ولم يعد أمامنا من خيار آخر غير أن نسمح صاغرين لتلك الشركات بالاطلاع على خصوصياتنا وأسرارنا، لأن هذه هي الطريقة التي يعمل بموجبها عالمنا اليوم. ويتطلب وقف نشاطات الشركات التكنولوجية المعنية بالمشاركة في عملية المراقبة عن طريق إصدار توصيات تحدد ما يمكنها أن تفعله ببياناتنا الشخصية، وأخرى تحدد للحكومة متى وكيف يمكنها اختراق تلك المعلومات. ونظراً لأن هذه التوصيات تعمل لعكس مصالح الشركات والحكومة معاً، فإن علينا أن نطالب بإصدارها. ‎بروس شناير خبير في تكنولوجيا أمن الحاسوب ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©