الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في أميركا يهتفون: لنتحرر من أميركا

في أميركا يهتفون: لنتحرر من أميركا
24 نوفمبر 2010 19:48
يكوّن كتّاب المسرح الحديث حركة متميزة شأنها شأن مدارس الماضي المختلفة، ذلك أن إبسن وسترندبيرغ وتشيخوف وبرناردشو وبريشت وبيراندللو وأونيل وجان جينيه هم جميعاً فنانون على قدر كبير من الفردية.. ومع ذلك يشتركون في أمر واحد يفصلهم عن أسلافهم ويربط كلا منهم بالآخر، وأعني بذلك موقفهم (الثائر) و(المتمرد).. وهو موقف ناشئ عن ميراث رومانسي جوهره فن المسرح، الذي أخذ على عاتقه منذ نشأته الأولى في أحضان الإغريق قبل نحو خمسة آلاف عام وحتى يومنا هذا أن يكون المرآة العاكسة لحقيقة المجتمع، رافضاً كل أشكال الظلم والاستعباد ومصادرة حرية الإنسان وفكره، أو على نحو ما يقول كامي: “إن الخلق الفني هو مطالبة بالوحدة ورفض للعالم”. إن الثورة على الأشياء حتى وإن كانت متخيلة تظل من أشد الحلول وأبقاها في المنظور الثقافي. قد لا نستطيع تغيير قدرنا ولكن يمكن أن يكون قدرنا مثيراً، وتلك إحدى وظائف الفن الدرامي، أن نحتفل بإمكانياتنا حتى في الهزيمة، أو كما يقول آرتو “أن يجعلنا نبدو كضحايا تحرق وتشير بأيديها من خلال اللهب”. وكما يبدو، فإن المسرح سيظل على الدوام هو الوسيلة الأنجع والوحيدة للتعبير عن روح الإنسان المنطلقة، الرافضة لكل ما يقيد أو يصادر حريتها وبحثها عن العدل مهما كان مستحيلاً.. وحتى في الجنوب الأميركي قلعة التعصب ضد السود والملونين، فإن المسرح كان دائماً نصيراً لقضايا الإنسان وطموحاته وأحلامه بغد جديد. ولعل من أهم التجارب الجديدة في المسرح الأميركي والتي ظهرت منذ عدة سنوات هي تجربة (مسرح الجنوب الحر) التي رفعت شعارا تظللت به يقول (لنتحرر من أميركا).. أما مقر هذا المسرح فهو في قلب الجنوب الأميركي في (نيوأورليانز). ومن يقلب صفحات هذا المسرح وإنجازاته يجد أنهم قاموا بجولة لعرض مسرحياتهم ضمن مفهوم المسرح الجوال، فقدموا أول عروضهم في أكثر من خمسة وثلاثين مدينة من مدن الجنوب على شاطئ المسيسبي، لقد قدموا للجمهور (مسرحيات الغضب الزنجية) التي تعكس الثورة المكبوتة في قلب الزنجي الأميركي ورغبته التواقة إلى التحرر والانزياح بعيداً عن عالم العبودية المستترة، والتي تتخفى تحت شعارات الحرية والديمقراطية وحرية الإنسان، وما إلى ذلك من شعارات نظر إليها أصحاب هذا المسرح على أنها مجرد شعارات استهلاكية لا تسمن ولا تغني من جوع. كانت المهمة في البداية عسيرة (1964) فقد قدم مسرح الجنوب الحر العديد من المسرحيات العالمية التي تعالج قضايا الإنسان. ومثلوا للزنوج في كل مكان من أرض الجنوب، رغم أن بعض هؤلاء الزنوج لم يكونوا قد عرفوا قيمة وأهمية المسرح في الحياة، بل إن الكثيرين منهم والواقعين تحت حافة الفقر والجهل والاضطهاد لم يكونوا يعرفون شكل خشبة المسرح، لكن جهود رواد هذا المسرح نجحت مع الوقت في توضيح رسالة المسرح وأهدافه في التنوير، مما كان له كبير الأثر في تدفق الجمهور من كل مكان في الجنوب لمشاهدة الأعمال المسرحية. فقد شعروا بأن هناك منبراً جديداً أخذ على عاتقه عكس ما في وجدانياتهم وروحهم التواقة إلى التحرر ولو على الجانب الثقافي والفكري والإبداعي في أول الطريق. إنهم يريدون التحرر مما يحدث لهم في بلدهم، من أميركا، لكن الغريب في أمر هذا المسرح انه استطاع خلال فترة وجيزة أن يجتذب الكثير من المتفرجين البيض الذين لا ينظرون إلى القضية بعصبية أو تشنج. فخلال ثلاثة أعوام من إنشاء هذا المسرح، أصبح المكان الأكثر شعبية وجاذبية بالنسبة لأهل الجنوب الأميركي، وأصبح مكانا حيويا يضج بالحياة والحوارات ولقاءات النقاد والجمهور العادي والعاملين في الحقل الصحفي، إلى أن احتل مع الوقت موقعاً أشار إليه البعض بأنه قلب الحركة السياسية والمسرحية في ذات الوقت، لما كان يثار في جنباته من محاورات ساخنة وجدل حول الكثير من القضايا التي تهم المجتمع الأميركي. في أميركا البيضاء من العروض الهامة التي قدمها مسرح الجنوب الحر واستقبلها الجمهور والنقاد بحفاوة بالغة مسرحية بعنوان “في أميركا البيضاء” العام 1966، وقد أصبحت الآن من كلاسيكيات أدب الثورة الأميركي الحديث.. كما قدم أيضا مسرحية الكاتب الايرلندي الحائز على جائزة نوبل في المسرح صموئيل بيكيت المولود عام 1906 “في انتظار جودو” وهي إحدى روايات مسرح العبث أو اللامعقول ونشرها عام 1953، وأراد أن يقول من خلال أبطال مسرحيته الذين ينتظرون أملا لا يأتي إن الإنسان هو كائن هش لا يحيط به سوى العدم، وبناء على ذلك فإن أي مواجهة لهذا العدم أمر لا هدف له ولا جدوى منه. وكان بيكيت لذلك مغرما بترديد هذه الجملة التي تأتي على لسان أحد أبطال مسرحيته: “ليس هناك شيء أصدق وجوداً من العدم”. وقد عكست المسرحية ضمن إخراجها الجديد إلى حد كبير فكرة انتظار الحرية والثورة المكبوتة التي تجيش بها صدور الملونين في الجنوب الأميركي. حقوق الإنسان وحينما قام مسرح الجنوب الحر، أخذ على عاتقه تحقيق هدفين رئيسيين، أولهما أداء وظيفة سياسية أو اجتماعية، إلى جانب أنه قام أيضا لكي يؤدي وظيفة فنية خالصة.. ومن هنا كان لاختيار القائمين عليه كلمة (الحر) مدلولات كثيرة، من أهمها السعي نحو تحقيق كلمة التحرر الاجتماعي والسياسي من سيطرة القوانين التي تكبلهم ومن النظرة العنصرية التي يعيشونها رغما عنهم. كما أنهم أرادوا من خلال التقنية الجديدة القائمة على حرية التعبير والحركة واستخدام مفردات شتى من المسرح بأنواعه، أن يتجهوا ناحية التخلص من قواعد المسرح التقليدية والقديمة والتي لم تعد صالحة في نظرهم لمسرح متمرد، فيه أنفاس جديدة من التكوين والتشكيل الفني والقريبة إلى حد ما من (مسرح القسوة) الذي تبناه الكاتب المسرحي الفرنسي الشهير (انطونين آرتو) الذي كان في الأصل شاعراً موهوباً جلب إلى تقنية المسرح ذلك الانتشاء المحموم الذي عرفناه عند الشعراء: بودلير ورامبو ولوتريامون.. ولهذا وجدنا في العديد من أعمال المسرح الحر هجوماً ساخراً على البرجوازية والاشمئزاز من الفن التقليدي ومن الحياة الصناعية الحديثة ومن الحضارة الغربية.. وكما كان آرتو رومانسياً لا يطيق الحواجز وتكميم الأفواه، كان رواد المسرح الحر في الجنوب يعتبرون أن فن المسرح ليس لمجرد التسلية أو تعليم الجمهور أشياء عديمة المعنى، وإنما هو نبض المدنية نفسها.. إنه فن التنوير، وكيف يلعب المسرحي في خانة خطرة لكي يدل الناس على طريق الحرية والخلاص مهما كانت النتائج. وقد كانت مسرحية “رتوش الصورة” تتويجاً واضحاً لأعمال المسرح الحر في جانب صراع الطبقات، كما تشير في بعض المواقع إلى الحضارة الغربية المنفصلة في جوهرها عن الإنسان. واعتبرت العديد من الدراسات النقدية أن مسرح الجنوب الحر بإنجازاته الفريدة وسط أجواء صعبة ومريرة، ابن شرعي لحركة الحقوق المدنية التي نادى بها الزنوج الأميركيون وعلى رأسهم الزعيم (مارتن لوثر كينج)، وقد قام المسرح فيما يختص بهذه الجزئية، وكما قال (جلبرت موسيه) أحد مؤسسيه “بسبب حاجة الحركة إلى وضوح الرؤية الاجتماعية والسياسية”، فالحركة في بداياتها الأولى كانت عبارة فقط عن عواطف جياشة ثائرة تنشد التحرر ولكن من دون خطة محددة للعمل أو بالأحرى من دون نظرية، وكل ما كان يشعر به الإنسان الزنجي هو رغبته العارمة في أن يقول (لا) في وجه الرجل الأبيض، لكي يحرر روحه.. أما بعد أن يقول كلمة (لا) هذه فلم يكن يعرف بالضبط ما هو فاعل وماذا يريد بالضبط؟ وفي ذات الوقت لم يكن لدى الرجل الزنجي أي إحساس بالعمل المنظم، كما لم يكن لديه وفي خضم الثورة العاطفية الجياشة أي وقت للفن والإبداع والفكر المنظم وإدراك لطبيعة الدور الذي يمكن أن يقوم به الفن في هذا المضمار. وقد حرص الرجل الأبيض عن أن يعمي عينيه عن طبيعة الفن الحقيقية، إذ إن كل ما كان يقدم في الجنوب لم يكن يعدو ـ في مدينة مثل جاكسون مثلا وهي أنموذج لمدن الجنوب الصغيرة ـ غير موسيقى (الروك أند رول) تذاع من الراديو معظم الوقت. وبالاختصار أو بالمجمل العام فقد كان الرجل الأبيض حريصاً على عدم تربية أي ذوق فني حقيقي حتى لا يدرك (الثائرون) مدى ما يمكن أن يكون للفن من قوة في التعبير عن العواطف والآمال والطموحات الإنسانية الثائرة وتنظيمها، ولهذا السبب قام مسرح الجنوب الحر لكي يسهم في توضيح الصورة وإبراز تلك العواطف الجياشة التي لم تكن قد اتخذت لها شكلاً بعد، وقد نجح المسرح بجهد ويقظة القائمين عليه، في منح الشكل والخصوصية والحرفية والتذوق لهذا النمط من التعبير، الذي أصبح نمطا ووجهة لكل الباحثين عن حريتهم وكرامتهم الإنسانية. وقال (جلبرت): “إن الناس هبوا يصرخون (إننا لابد أن ننتصر).. كانوا لا يدركون أهمية وقيمة الكلمة، وعلى ماذا يريدون أن ينتصروا، فكان المسرح برسالته العظيمة منبراً لكي يدلهم، ولكي يمنحهم ذلك الوعي، لاتخاذ الموقف الصحيح ضمن الحالة الجماعية أو روح الجماعة”. إذا كان تاريخ المسرح منذ الإغريق وحتى يومنا هذا يعمل جاهدا لأن يدلنا على أن الدراما ظلت دائما مرآة حقيقية لصراع التناقضات الموجودة في مجتمع ما تحت ضغط ظروف سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية معينة، فإن (مسرح الجنوب الحر) الذي قدم أكثر من خمسين عملا، إلى جانب الندوات الفكرية والمحاورات اليومية، من الوجهة الاجتماعية فقد جاء في وقته تماما.. أي انه تأسس في مجتمع مليء بالمتناقضات والعجائب ما بين الشد والجذب والصراع في المجتمع الأميركي الذي يعترف بحرية الفرد ويشجعها ولكنه يحرم في ذات الوقت الفرد الزنجي من ممارسة حريته بالقدر الكافي. بقي أن نشير إلى أن المشرفين على مسرح الجنوب الحر غالبيتهم من الممثلين المسرحيين، إلى جانب أنهم ملتزمون بحركة اجتماعية معينة، لذلك فإن اهتمامهم بالفن المسرحي وتقنياته ولغته كان في المرتبة الأولى، وإننا نجد يوجين أونيل (صاحب مسرحيات: القرد كثيف الشعر، التيه، قمر لأولاد الزنى، مزيد من القصور الفخمة)، وهو أحد مؤسسي هذا المسرح يقول: “إنني لا أعتقد أن حركة الحقوق المدنية هي حركة سياسية في جوهرها.. ونحن لم نختر المسرح بسبب التزامنا بالحركة فقط، وإنما اخترنا المسرح لأن هذا ما نريد أن نفعله، المسرح في الحقيقة هو رسالتنا في الحياة، فإذا كانت الحركة هي حركة سياسية وإذا كان التغيير الذي سوف ينشأ عنها هو تغيير سياسي فإننا نسأل: كيف لشيء لا علاقة له بالسياسة كالمسرح أن يلعب دورا فيما يحدث”. المسرح الحر والجماهير لقد استطاع هذا المسرح مع بداية عهده الأول أن يفرض مقومات وأنماطاً جديدة من المشاعر على الجمهور، لأنه أراد أن يكون المعبر عنهم وعن أحلامهم وطموحاتهم في الحرية وإثبات الذات، حتى وصل إلى النقطة التي أصبح معها الجمهور كلاً واحداً متكاملاً. وقال يوجين أونيل في ذلك: “إن التفكير المسرحي اليوم مليء بالكثير من الزيف، فالناس يظنون أن المعنى الاجتماعي أو السياسي يأتي من خارج العملية الفنية ذاتها.. أي أنه مفروض على الفن من خارجه.. يأتي إليه من نظرية اجتماعية أو أخلاقية أو سياسية مثلا ليصبح هو المضمون في العمل الفني وبهذا الشكل يصبح (المعنى) في العمل الفني مدركاً نظرياً سابقاً على العمل الفني ذاته، وهذا خطأ كبير يقع فيه التفكير المسرحي الحديث، فأصحاب المسرح الحر يؤمنون بأن المعنى يأتي من داخل العمل الفني ذاته وهو الذي يفرض عادة المضمون، والمعنى إذا كان بالفعل قادرا على الوصول إلى جوهر الحقيقة والى جوهر الإنسان”. لقد ثار أصحاب المسرح الحر في أميركا آنذاك على الأفكار السائدة، وهي تلك الأفكار التي تنادي بأن المسرح هو مجرد مؤسسة قديمة لها قوانينها وقواعدها القائمة منذ أيام الإغريق القدماء، وكذلك ميل المسرح الآن إلى التعبير عن اللامعنى في الحياة الحديثة والإحساس بالغربة والاستلاب والخواء وعدم الانتماء الحقيقي، ومن الناحية الأخرى، فإن الجمهور أصبح يذهب إلى المسرح لمجرد قضاء الوقت والتسلية لأنه لا يجد شيئا يفعله، أما في المسرح الحر فهو يؤكد على الدوام ضرورة وجود (الحاجة) و(الحالة) لكي نفعل شيئا، ولذلك فالمسرح ليس فقط وسيلة من وسائل التسلية والترفيه وإنما يعمل على خلق (المعنى) و(الهدف) في حياتنا.. وهو معنى لا يتم خلقه إلا من خلال (التعبير المسرحي) ضمن مفهوم جديد للمسرح، فما دام المسرح بهذا الشكل والمنطق فقد كان عليه تحرير المسرح نفسه من الأشكال القديمة والحيل الفنية البالية، والتخلي عن الأفكار القديمة عن فن ورسالة المسرح.. إنه تعبير عن أناس لم يعبروا عن أنفسهم من قبل في المسرح، أي الرجال والنساء السود في الجنوب. مسرحيات الاحتجاج من الأعمال الهامة التي قدمها المسرح الحر مسرحية “في أميركا البيضاء” التي عرضت في أكثر من ثلاثين مدينة من مدن الجنوب الأميركي، والعرض يتناول بصفة خاصة موضوعاً عميقاً جدا في حياة الزنوج وتاريخهم في أميركا.. إنها لم تكن مجرد مسرحية بحسب النقاد، وإنما هي رسالة إدانة واحتجاج، وأرادت أن تقول بالمجمل العام إن ثورة الرجل الزنجي تشبه تماما الثورة الأميركية، لأنها تبين أن للرجل الزنجي تاريخاً طويلاً في أميركا منذ قيامها وحتى الآن. والمسرحية تتميز عن غيرها من الأعمال الدرامية التي تناولت قضية الزنوج في أنها لا تعرض الزنجي كإنسان يتعرض للدونية بوصفه خادما أو ماسحا للأحذية أو حارسا ليليا في أحد المصانع أو “جرسونا”، وهي الشخصيات التقليدية في المسرح الأميركي، وإنما تعرضه كإنسان يتعرض لمعاملة قاسية، وهو يعاني الكثير حتى يحمل الكثيرين على الاعتراف بآدميته.. وهم هنا يوجهون الأنظار نحو قضية العنصرية، القضية الشائكة التي ما زالت قائمة ولا بد من حلها حلا جذرياً ولا مجال هنا لأنصاف الحلول مثلما حدث في روايات (جيمس بولدوين) وهو روائي حديث في أميركا تناول أساسا مشكلة الزنوج في معظم أعماله، لكن بعض النقاد عابوا عليه أنه لم يحاول مواجهة المشكلة مواجهة حقيقية، بل كان يهرب منها إلى مشكلات أخرى فرعية تتعلق بالزنوج. وأيضا كما شاهدنا في أعمال (وليام هاريسون فوكنر) المولود في نيوآلباني، المسسبي، لا سيما في روايته “اللامقهورون” التي نشرها العام 1934، وتتألف الرواية من سبع حلقات روائية، فيها سرد لأحداث فترة طويلة من حياة (بايارد سارتوس) وحياة أبيه وجدته ورفيقه الزنجي رينجو. فقد كان هو الآخر، وكما فعل الكاتب المسرحي الأميركي (تينيسي وليامز) في بعض أعماله، حيث إنهما لم يتعمقا بالشكل المرضي في قضية الزنوج وببحثهم عن حياة جديدة حقيقية في غمرة الصراع مع البيض. لقد عانى المسرح الحر من مشكلة التوفيق في المعالجة بين الأبيض والزنجي، وقد انتهى بأن المسرح فن إنساني ولا يخضع لهذه (القولبة)، فلا يوجد هناك شيء اسمه زنجي أو أبيض.. إنه يحاول أن ينكر أي وجود للأجناس، وعمل على أن يجمع بين الزنوج والبيض في وحدة واحدة هي (الإنسان).. لقد وجه مسرحياته للاثنين معاً، كذلك من الناحية الفنية حرص القائمون على شؤون هذا المسرح على اختيار الممثلين من الزنوج والبيض كرمز لهذا التوفيق.. وعلى هذا فإن المسرح الحر لم يعتبر نفسه يوما (مسرحا زنجيا)، كما أنه لا يعتبر نفسه مسرحا مختلطا بين الزنوج والبيض، وإنما هو مسرح للإنسان في وضع اجتماعي يموج بالصراع والمتناقضات التي تبحث عن حل. ومن أهم ما ميز مسيرة المسرح الحر أنه لم ينتظر أن يأتي الجمهور المسرحي إلى عروضه، وانما كان هو يسعى إلى الجمهور في المدن الصغيرة والقرى، ضمن إطار تعزيز الثقافة الجماهيرية وفكرة (المسرح الجوال). لقد نجحوا في البحث عن الجمهور الحقيقي الفطري، حيث يمثل لهم المسرح الجديد خبرة جديدة وعالما من الإدهاش والتنوير. إنها رسالة الفن الحقيقية وربما يكون المسرح الحر امتدادا طبيعيا لما نراه اليوم في أميركا، حيث يلعب الفنانون سواء في هوليوود أو غيرها دوراً مهماً في التعبير الرافض للكثير من القرارات والسياسات التي تجري على الساحة، فحينما ينظر الفن إلى مشاكل العالم على أنها هموم إنسانية، ساعتها يمكن أن تكون رسالة الفن تدعيما حقيقيا لروح الإنسان وفاعليته في الحياة، أو كما قالوا فإن المسرح هو فن الإنسان للإنسان..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©