الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شعرية التوهج الحسي

شعرية التوهج الحسي
24 نوفمبر 2010 19:47
فرغت للتو من مراجعة التجارب الطباعية لكتاب جديد بعنوان “شعرية التوهج الحسي”، وينبغي لي أن أعترف منذ البداية بأنني مدين للأحبة في “الاتحاد الثقافي” بالفضل في صدور هذا الكتاب، فما هو إلا خلاصة القطرات التي أتاحوا لي سكبها بانتظام خلال الأعوام الثلاثة الماضية. حيث صببت طاقتي في عشق الشعر العربي الكلاسيكي، وتأمل منجزاته الجمالية والإنسانية، عبر فلذات متقطعة، عثرت عليها مجموعة في كتاب السريّ الرفاء عن “المحب والمحبوب والمشموم والمشروب” فأتاحت لي أن أستجلي ملامح الجمال الأنثوي، والفتنة العاطفية، مع روعة الطبيعة ونشوة الشراب. إلى جانب استطرادين كبيرين دفعني السياق إلى الغوص في أغوارهما، أحدهما لمتابعة شعرية بشار بن برد العارمة الجبارة في ولعها بالحياة وتغنيها بلذائذها. أما ثانيهما فقد تجسد في أسطورة الحرية الإبداعية الحسن بن هانئ: أبو نواس الذي كان علامة على عصر بأكمله وشاهداً على أبرز مظاهر التهجين الخصب في الثقافة العربية، ومع أنني لم أستكمل بقية مظاهر الحرية في شعره كما كنت أتمنى نتيجة لتعجلي في إخراج هذا الكتاب في هذه الطبعة الأولى، فما زلت أرجو أن أتمكن من ذلك في طبعات لاحقة بإذن الله. على أن ما أود تسجيله في هذه السطور إنما هو الامتنان العميق لقراء “الاتحاد الثقافي” على ما أتصوره من سعة صدورهم وسماحة طباعهم في تقبل بعض ما تغتنمه هذه الأعمدة المتقاطرة من إشارات لاذعة أو عبارات شعرية جارحة للمتلقي الذي لم يألف جرأة الشعراء ولم يتعود على أساليبهم المثيرة، وحسبي أن يكون الهدف من ذلك إبراز مدى تمثيل هذا الشعر للحياة إبان فترة ازدهار الحضارة العربية الإسلامية. فوظيفة الشعر في تقديري هي شحذ طاقات التخيل لدى الإنسان وإرهاف حواسه وتنمية مداركه الشعورية وتعظيم كفاءته اللغوية، ولا يمكن أن يتم ذلك دون جرح للسطوح الساكنة الأليفة في التعبير المتداول عن تجارب الوجود، وقد استقر لدي منذ أن استعرضت أساليب الشعرية العربية المعاصرة في كتاب سابق، أن أشهر هذه الأساليب وأكثرها رواجاً في التاريخ الأدبي هي التي تتوهج فيها شعرية الحس ويتمثل في طياتها عشق الحياة والفرح بها بشكل مباشر أو بالطرائق الرمزية الماكرة. وطبيعي أنني لا يمكن أن أقصد استفزاز القراء بقدر ما أتوخى تنشيط ذائقتهم وتنمية قدراتهم وتوسيع دائرة تسامحهم وتقبلهم للمختلف التراثي والإنساني. على أن وجود القراء في ضميري يظل مبهماً، فقد تأخرت ـ مثل بقية أبناء جيلي في التواصل معهم في غير قاعات الدراسة الجامعية ـ وذلك ببطء استجابتنا للتطورات الرقمية والتقنية الحديثة، ومن ثم فاسمحوا لي ابتداء من هذا المقال أن أفتح لكم نافذتي الإلكترونية على حياء، حتى أتمكن من هذا التواصل المباشر دون أن أعدكم بسرعة الاستجابة في الردود، لأني لا أملك الوقت ولا الطاقة اللازمة لذلك، وحسبي أن أمد لكم يدى بالسلام والتحية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©