الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سيرة رئيس عابر ليوغسلافيا

سيرة رئيس عابر ليوغسلافيا
24 نوفمبر 2010 19:43
معرفتنا في العالم العربي ليست كبيرة بالروائي الألباني الأصل سنان حساني الذي صار رئيسا ليوغسلافيا، الرئيس الثامن بعد تيتو، ورواياته تعكس أحوال الألبان، خاصة في منطقة كوسوفا، طوال القرن العشرين، وعنه أصدر د. محمد الأرناؤوط كتاب “سنان حساني الروائي الشاهد على حياة وموت يوغوسلافيا”. د. محمد الأرناؤوط هو الذي قدم لقراء العربية هذا الروائي، حيث ترجم روايته “الريح والبلوط” إلى العربية ونشرت في بيروت عام 1986. ولد سنان حساني عام 1922 في كوسوفا لعائلة ألبانية مسلمة، بعد عشر سنوات من نهاية الحكم العثماني في هذه المناطق، وحين قامت يوغسلافيا الملكية تم الاعتراف بالألبان كأقلية مسلمة، ولم يعترف بهم كأقلية قومية، ومن ثم تم الحفاظ على الكتاتيب والمدارس الشرعية الإسلامية التي كانت متواجدة من أيام العثمانيين، وكان المسلمون يعتبرون المدارس الحديثة خطرا على أولادهم، لذا نشأ حساني وتعلم في الكُتاب مبادئ اللغة العربية وحفظ بعض سور القرآن الكريم، ثم التحق بمدرسة “غازي عيسى بك” وأجاد العربية والعلوم الدينية الأخرى، كالفقه والحديث وتفسير القرآن الكريم وتخرج في هذه المدرسة عام 1941، التي أعد فيها ليكون من علماء الإسلام، ولكن الذي حدث أن النازي اجتاح المنطقة، فانخرط سنان في المقاومة ضد الاحتلال تحت قيادة الحزب الشيوعي وصار من كوادره، وهكذا حدث التحول في حياته، الذي بمقتضاه أصبح رئيس جمهورية يوغسلافيا قبل انهيارها. التحول بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وقيام يوغسلافيا الجمهورية بدأ التحول بين المثقفين الألبان من الأدب الشعبي الشفاهي إلى الأدب المكتوب، والتحول من الأدب المكتوب بالحروف العربية إلى الأدب المكتوب بالحروف اللاتينية، وفي عام 1953 صدرت أول مجموعة شعرية ألبانية مكتوبة بالحروف اللاتينية، وفي عام 1957 صدرت أول رواية ألبانية بالحروف اللاتينية وهي رواية سنان حساني “بدأ العنب ينضج” التي تقوم على الصراع بين القديم والجديد لينتصر الجديد في النهاية ويتراجع القديم، وكان هناك جيل جديد ظهر بين المتعلمين لم يكن يعرف الكلمات العربية، لذا وضع المؤلف قاموسا في نهايتها بالكلمات العربية وما يقابلها بالألبانية، والكلمات تحمل نفس الاستعمال العربي مثل “ما شاء الله وإن شاء الله والسلام عليكم” وهناك بعض كلمات تختلف، فكلمة، أولاد تستعمل هناك بمعنى ولد، وفقراء بمعنى فقير، وكلمة “نفقة” بمعنى قضاء الله وكلمة مسافر التي تعني الضيف. وبعد روايته الأولى تأتي أعماله الأخرى مثل “الطفولة الثانية لجون فاترا”، وجاء صدورها في السبعينيات حين كان في ذروة إنتاجه الإبداعي، وتبدو فيها أصداء حرب فيتنام وانحياز المؤلف الواضح إلى الفيتناميين ضد ما تقوم به القوات الأميركية، ولم يكن ذلك غريبا على مسؤول رفيع بالحزب الشيوعي اليوغسلافي لكن روايته التي تمثل عند الدارسين ذروة إبداعه هي رواية “الرياح والبلوط” وقد أصدرها بعد سقوط ما عرف بالدولة الأخطبوطية في يوغسلافيا عام 1966، وتبدو في الرواية قيمة الحرية للكاتب والمبدع، والذي حدث أنه بعد القطيعة بين يوغسلافيا والاتحاد السوفييتي، في زمن ستالين تحديدا عام 1948، سيطر الخوف على الجمهورية الوليدة من اختراق ستالين لها، فضلا عن الخوف من الاجتياح الغربي أيضاً، وفي مثل هذا المناح سيطرت المخابرات ورجال الأمن على كل شيء، وصاروا يشكون في كل إنسان، وساد الهلع المجتمع كله، حتى تم إسقاط سطوة هذا النظام، وهذا ما تعكسه الرواية، لذا نجحت نجاحا كبيرا وترجمت إلى مختلف اللغات في الجمهوريات اليوغسلافية، فضلا عن عدد من اللغات الأجنبية ومن بينها العربية. وعكست الرواية الازدواجية التي كانت قائمة بين دولة مركزية ذات توجهات معينة وأخرى لا مركزية تسير عكس توجهات الدولة، حتى أن أحد أبطال يوغسلافيا والحائز وسام البطولة في الدفاع عنها تعرض لمضايقات وترصد عنيف من أجهزة الأمن ووصل الأمر أن غرفة نوم الرئيس تيتو كانت تحت المراقبة الدائمة. وتطرح الرواية دور هذه الأجهزة التي تكون مهمتها حماية أمن الوطن من العدوان الخارجي، فتتحول للعمل ضد المواطن نفسه وتمارس القهر عليه. الروائي وفي عام 1980 أصدر سنان حساني روايته الأخيرة “النهر الفائض” وصدرت في نفس السنة التي توفى فيها الرئيس تيتو، وبعد وفاته بعشرة شهور بدأت الأحداث العاصفة في “برشتنيا” حيث انتهى الأمر إلى النحو المعروف من تفكيك يوغسلافيا ووقوع حرب تطهير عرقي قام بها الصرب تجاه البوسنيين. وكان ينظر الى سنان حساني باعتباره من رموز الوحدة، لذا جرى تصعيده في الحزب الشيوعي، وصار نائبا لرئيس الجمهورية، ثم رئيسا لها، وقد أخذه ذلك من الأدب وفن الرواية، وحين وجد نفسه عاجزا عن حماية تماسك الجمهورية انسحب وابتعد الى منطقة الجبل الأسود ومن هناك تابع انهيار الجمهورية وتفتتها. وإذا كان حساني رئيسا عابرا للجمهورية فإنه روائي غير عابر، وتبقى أعماله شاهدة على حقبة مهمة في حياة منطقة البلقان، حيث الالتقاء والصراع بين الشرق والغرب بكل ما يعنيه ذلك، وفي عام 2005 أصدر مذكراته شرح فيها الكثير من خفايا تلك المرحلة. يعرف حساني المنطقة العربية جيداً، فقد زار مصر والسعودية وسوريا ولبنان والأردن أول مرة عام 1949، فحين وجد تيتو أن بلاده محاصرة من أوروبا الغربية ومن ستالين، قرر الانفتاح على بلدان العالم الثالث، وهكذا شكل وفدا من مسلمي يوغسلافيا لزيارة الدول العربية الإسلامية وأداء فريضة الحج، وكان حساني من بين أعضاء هذا الوفد، ثم توالت زياراته بعد ذلك لدول المنطقة، حين كانت علاقات يوغسلافيا بمصر وسوريا تحديدا قوية وكان يتردد على السعودية في مواسم الحج، وكتب عن رحلاته تلك وما رآه، خاصة أنه حظى في رحلته الأولى للسعودية بلقاء الملك عبدالعزيز وفي القاهرة زار والتقى بعدد من علماء الأزهر وصلى في الجامع الأموي بدمشق. وتستحق أعمال حساني الترجمة إلى العربية، لأنها تقدم لوحة للثقافة العربية والإسلامية في مجتمع أوروبي قديم، وكيف تتعامل هذه الثقافة في ذلك المحيط الغريب عنها، بل المناقض لها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©