الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات خلف أبواب موسكو المغلقة

حكايات خلف أبواب موسكو المغلقة
10 فبراير 2010 19:21
الوثيقة وحدها لا تكفي لكتابة التاريخ فهناك أحداث ومشاهد قد لا تدونها وثيقة، لكنها تبقى مهمة لفهم ما جرى، وهنا يأتي دور المذكرات أو ذكريات شهود تلك الوقائع، أو الذين شاركوا فيها، وبهذا المعنى فإن كتاب السفير صلاح الشعراوي “قطوف من الذاكرة التاريخية” والذي صدر مؤخرا بالقاهرة يحكي عن بعض ما رآه وعاينه بنفسه، من ذلك أنه في عام 1964 سافر الى موسكو وزيرا مفوضا بسفارة الجمهورية العربية المتحدة مع السفير مراد غالب. وحين وصل موسكو لم يجد أحدا يهتم به، حتى من اعضاء السفارة المصرية، فقد كان الكل مجندا للتجهيز للزيارة الشهيرة التي قام بها رئيس الوزراء المصري علي صبري الى موسكو، وكان مع علي صبري وفد مكون من 64 شخصية، وكان خروتشوف رئيس الاتحاد السوفياتي آنذاك في استقبال الزائر المصري الكبير، وحين رأى هذا العدد الضخم من المرافقين له، سأله ضاحكا أو متهمكا ومن تركته يعمل في مصر؟ والطريف ان علي صبري لم يتوقف عند هذه الملاحظة. عمل السفير صلاح الشعراوي في موسكو حتى عام 1968 وكان شاهدا على الكثير، ومن بينها انه في عيد ثورة 23 يوليو عام 1966 أقامت السفارة المصرية احتفالا، وانتحى به جانبا نائب رئيس العلاقات الاقتصادية الخارجية الروسي وطلب منه ان يبلغ رؤساءه بأي طريقة بأنهم معترضون على مطلب رئيس الوزراء المصري زكريا محيي الدين وكان زكريا قد أبلغ المسؤول السوفيتي أن نسبة الغياب في مصنع الحديد والصلب بحلوان حوالى 21 في المئة ولذا فقد طلبوا من السوفيت إدارة المصنع. وهم لن يقبلوا ذلك، ليس عجزا منهم، فهم قادرون على إدارته، رغم ان مصر لجأت من قبل الى شركات ألمانية مثل شركة “كروب” وشركة أخرى لادارة الأعمال الهندسية، لكنهما فشلا ليس لعجزهما أو لضعف فيهما، ولكن لأن قوانين العمال في مصر أعطت العمال حقوقا ولم تفرض عليهم أي واجبات أو مسؤوليات، وقال المسؤول السوفيتي “نحن بلد العمال ورغم هذا فإننا نفرض على العمال واجبات مقابل الحقوق”. وفي فترة عمله بالاتحاد السوفيتي وقعت نكسة 1967، وعايش زيارة شمس بدران وزير الحربية الى موسكو، وحضر مقابلة جريتشكو وزير الدفاع السوفيتي مع شمس، فقد ذهب المارشال جريتشكو مرتديا أوسمته العسكرية فاستقبله شمس بدران مرتديا القميص والبنطلون والشبشب. وقال له ان الاتحاد السوفيتي سيكون الى جوار مصر، ولم يزد على ذلك، وجاءت الجملة في حديث المجاملة التقليدي ففهمها شمس أن موسكو ستحارب الى جوار مصر، وفوجئ اعضاء السفارة المصرية بمن فيهم السفير ان الرئيس عبدالناصر في أحد لقاءاته مع اعضاء الاتحاد الاشتراكي قال ان موسكو ستحارب معنا، وسارع السفير ليبلغ القاهرة بحقيقة الأمر وما دار مع شمس بدران، ووصل الى موسكو مسؤول التقى السفير لهذا الغرض وأوضح له السفير حقيقة ما قيل. ويحكي السفير صلاح الشعراوي الكثير من خبايا العمل الدبلوماسي في موسكو، فيقول ان سفارات دول العالم الثالث، خاصة السفارات العربية كانت عرضة للاختراق من أناس يدعون انهم متعاطفون مع قضايا هذه البلدان، ولم يكن يتردد هؤلاء في ان يرسلوا زوجاتهم أو سكرتيراتهم الى السفارات العربية للحصول على المعلومات. وفي فبراير عام 1966 توجه الزعيم الافريقي نكروما الى الصين في زيارة رسمية، وما إن وطأت قدماه بكين حتى وقع انقلاب عسكري عليه في غانا فتوجه الى موسكو ليبحث الموقف وبدء محاولة العودة ثانية، وفي اليوم التالي لوصوله الى موسكو طلب السفير الشعراوي، فذهب اليه، ورجاه أن يبلغ الرئيس عبدالناصر ان يرعى أسرته في القاهرة، وانه سوف يعود ثانية الى بلد افريقي قريب من بلده غانا، وما أن همّ السفير بالمغادرة، حتى ناداه وهو على باب الصالون وصاح به: “اسمع واسمع جيدا، بلّغ رئيسك أن الغرب لن يتركه، ففي العام الماضي 1965 كان سوكارنو في آسيا، وهذا العام 1966 نكروما في افريقيا، وسيكون هو بعد ذلك فليأخذ حذره”. وجاء عام 1967 وحدث ما حدث. ويحكي الشعراوي تفاصيل ما جرى في موسكو، ففي صباح الخامس من يونيو 1967 التقى الشعراوي نظيره العراقي في موسكو، وكان الأخير على موعد مع مسؤول الشرق الاوسط بالخارجية السوفيتية في التاسعة والنصف صباحا، لكنه فوجئ بالمسؤول يلغي الموعد لأن الأحداث بدأت في الشرق الأوسط، فأرسلت السفارة برقية عاجلة الى القاهرة تبلغها بما قيل وما سمعوه في موسكو ويطلب السفير فيها مزيدا من الايضاحات حول هذا الأمر. وجاءهم الرد من القاهرة وكان يبعث على السخرية، فقد حوى عبارة واحدة “علمنا أن هناك غارات على بعض مطاراتنا”. وكان على السفير وأعضاء سفارته ان يضربوا كفا بكف. ومن بين التساؤلات التي أثارها الرد: من الذي أخفى المعلومات عن عبدالناصر؟ ومن الذي اقنعه بدخول الحرب رغم انه لم يكن مقتنعا؟ كانت هذه التساؤلات لدى السفير وفريق العمل معه، وكانت كذلك لدى المسؤولين السوفيت، ويتذكر الشعراوي ان الرئيس عبدالناصر كان في زيارة لموسكو عام 1965 واثناء الزيارة جاء وفد عسكري مصري الى موسكو ولم يكن السفير في استقبال ذلك الوفد فأرسل الوزير المفوض لاستقبالهم ونقل اعتذار السفير فانبرى احد اعضاء الوفد ليهاجم السفير بشدة لأنه لم يحضر اليهم، فأكد الوزير المفوض ان السفير ممثل رئيس الدولة وانه كان في وداع الرئيس عبدالناصر فإذا بذلك المسؤول يرد عليه “رئيس ايه اللي انت بتتكلم عليه احنا نقدر نشيله في يومين”. ثم واصل “يومين ايه. بل ساعتين”. وعاد الشعراوي الى مصر وبعد معاهدة السلام مع اسرائيل صار مدير مكتب وزير الخارجية كمال حسن علي وكان شاهدا على الكثير من اللقاءات العاصفة مع الاسرائيليين وفي احد الاجتماعات مع السفير الاسرائيلي هدده الاخير بأنه سيقدم احتجاجا رسميا من حكومته عليه بأنه يدخل في مجموعة “الفهمست” نسبة الى اسماعيل فهمي وزير خارجية مصر الذي استقال احتجاجا على زيارة السادات للقدس في نوفمبر 1977. ويحكي الشعراوي قصة اشتراك اسرائيل في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1981 فقد رفض رئيس هيئة الكتاب الشاعر صلاح عبدالصبور اشتراك اسرائيل ورفضت كذلك مشاركتها كافة الاجهزة الامنية المصرية واحتج مناحم بيجن رئيس وزراء اسرائيل رسميا، وأصر وزير الخارجية المصري على عدم الاشتراك وفجأة اعلن راديو اسرائيل موافقة الرئيس السادات على اشتراك اسرائيل، وتبين ان بعض الكتاب الاسرائيليين تحدثوا مع انيس منصور الذي اتصل بالرئيس السادات وأقنعه بأن يجاريهم. وهكذا اشتركت اسرائيل وتحققت مخاوف صلاح عبدالصبور فقد وقع الصدام بين اجهزة الامن والجمهور الذي ثار احتجاجا على تلك المشاركة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©